خاص الهديل:
ينضم كوع الكحالة إلى “نادي الممرات الإقليمية البرية الساخنة” التي يطلق عليها البعض تسمية “الخط البري للهلال الشيعي”، والبعض الآخر يطلق عليها تسمية “خط الممانعة البري” الممتد من طهران إلى بيروت مروراً بالعراق وسورية؛ والبعض الثالث يطلق عليها تسمية “خط الصراع الإقليمي” بين واشنطن وطهران والذي تهدد اليوم أميركا بإقفاله من عند نقطة التنف التي تتواجد فيها القوات الاميركية عند الحدود العراقية السورية.
ورغم أن المصادقة تقف وراء حادثة كوع الكحالة؛ إلا أن حيثيات توقيت الحادث ومضمونه وأسبابه، كلها تنشيء صلة بينه وبين الصراع الجاري في الإقليم لإقفال خط مد إيران حلفائها في المنطقة بالسلاح والعتاد..
والواقع أن توقيت الحادثة جعل “كوع الكحالة”، ولو من حيث الأسباب، امتداداً لما يحدث من مناورات في منطقة التنف الاستراتيجية، وذلك تحت عنوان إيحاء واشنطن لطهران بأنها تريد بالتنسيق مع حلفائها الأكراد إقفال الحدود العراقية مع سورية، بوجه إمدادات السلاح الإيراني للحشد الشعبي في العراق وللقوى الشيعية الرديفية للجيش السوري في سورية، وأيضاً لحزب الله في لبنان وصولاً للفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث تقع هناك الجبهة الإيرانية الرابعة ضد إسرائيل.
وبهذا المعنى فإن كوع الكحالة دخل بظرف ساعات في معادلة أنه جزء من حرب إقليمية تخطط لها واشنطن لإقفال ما تسميه بالهلال الشيعي، ولما تسميه طهران بطريق المقاومة والممانعة.
وهذا الواقع يقول أمراً غاية في الخطورة، وهي أن الأحداث مهما كانت صغيرة، فإنها مؤهلة لتصبح خطراً كبيراً ومستطيراً؛ عندما تقع ضمن منطقة تعيش صراع إرادات، وحرباً بين مشاريع كبرى وعملية ضغوط متبادلة تجري على حافة الهاوية.. وعليه لم يكن مستغرباً أن يصبح كوع الكحالة بظرف ليلة واحدة، بمثابة جبهة له صلة بحسابات ما يشاع عن التحضير الأميركي والاستعداد الإيراني وحلفائها لحرب التنف، وأن تصبح الرصاصات القليلة التي انطلقت في منطقة كوع الكحالة، بمثابة صدى متصل مع قذائف سقطت ليل أمس على قاعدة عسكرية أميركية في سورية..
إن الأحداث في لبنان، بعد المعاني التي حملتها أحداث “كوع الكحالة” الصغير المساحة، و”مخيم الكيلومتر الواحد” المسمى عين الحلوة، لم يعد ممكناً النظر إليها على أنها احداث داخلية، يمكن دائماً إطفائها بجهود ومياه داخلية؛ بل هي أصبحت أحداث لها نفس أخطار الأحداث الإقليمية الجارية في المنطقة، سواء في التنف أو سورية أو في الضفة الغربية أو حتى في السودان وليبيا.
وهذه السمة التي بدأت تدخلها أحداث البلد تحتم الإسراع في إنتاج آليات ضبط مسار الانزلاقات على ثلاثة خطوط في آن واحد:
الأول هناك ضرورة للإسراع بوقف انزلاق التمادي في حدوث فراغات سيادية داخل مؤسسات الدولة؛ لأن الإستمرار في الفراغ الرئاسي الأول، واستمرار القبول بالفراغ في حاكمية مصرف لبنان، ولاحقاً بموقع قيادة الجيش، سيعني وفق مفهوم منطق الصراع الدائر حالياً في المنطقة، أن لبنان هو إضافة لدول المنطقة التي تواجه حالة استعصاء إيجاد حلول لأزماتها؛ تماماً كما هو الحال في اليمن والسودان وسورية، الخ..
.. وتطبيق هذا المفهوم الإقليمي على لبنان يعني أن بلد الأرز ذاهب لواحد من خيارين اثنين: إما تركه في ستاتيكو الأزمة الباردة (أي لا حرب داخلية ولا تسوية سياسية كحال اليمن بعد وقف الاقتتال فيها وسورية)؛ وإما إدخاله في أتون الاقتتال الداخلي، وتقسيمه لجبهات عسكرية سياسية وحزبية وطائفية وعشائرية متطاحنة كحال السودان..
الانزلاق الثاني الخطر الذي يجب على لبنان تحاشيه والحذر منه، هو أن يصبح ساحة لاستيعاب نتائج الحرب الاهلية السورية؛ تماماً كما الأردن تحول بعد نكبة الـ٤٨ في فلسطين إلى اسفنجة كل دورها هو استيعاب النتائج الاجتماعية لهجرة الفلسطينيين من أرضهم.
والواقع أنه بعد أكثر من نصف قرن تبين للأردن أن خياره الوحيد لحل الوجود الفلسطيني فيه، في ظل رفض إسرائيل الاعتراف بحق عودتهم إلى أرضهم؛ هو التحول لمملكة ثنائية الوطنية (أردني- فلسطيني)؛ ولبنان أيضاً يجد نفسه بعد نحو عقد على وجود النازحين فيه ان الحل الوحيد في ظل عدم القدرة على إعادتهم لبلدهم هو الاعتراف بهم كمقيمين وليسوا كنازحين، والاعتراف بهم كمواطنين لجهة حقهم في نيل قسطهم الكامل من خدمات الدولة اللبنانية، رغم كونها ضئيلة ومحدودة الموارد.
الانزلاق الثالث الذي يجدر بلبنان الحذر منه هو ضياع حقه في غازه، وذلك عن طريق أن يتم اختيار أرضه لتكون ميدان وقوع حرب الغاز في المنطقة..
إن كل المعطيات تقول أنه لعقود عدة قادمة على الأقل سيكون الغاز هو عنوان الحروب القادمة في العالم؛ ولذلك فإن الدول الكبرى المعنية بمشاريع الغاز، تبحث عن تسويات تؤمن عبرها مصالحها في سوق الغاز، ولكنها بنفس الوقت تبحث عن أوراق ضغط وساحات حرب لتمارس فوقها مناوراتها لتحسين شروط مواقعها حول طاولة التفاوض على غاز المنطقة. وبعد استنفاد ورقة الصراع على الغاز في ليبيا وسورية، قد يكون لبنان مرشحاً لأن يكون ميدان الصراع على غاز المشرق بين الدول الكبرى وبينها إسرائيل.. ان لبنان معني بأن لا يستدرج ليكون ميدان الحرب على الغاز بل هو معني بترسيخ حالة استقرار فيه ما يجعله قادراً على استدرج شركات الغاز الكبرى، كي تعتبره بلداً يستطيع لعب دور الورشة الخلفية للبحث والتنقيب عن الغاز في جواره…