الهديل

خاص الهديل: عين الحلوة بين مطرقة لعبة “استمرار التوتر” وسندان عجز حركة فتح..

خاص الهديل:

إنتهت آخر جولة من العنف في مخيم عين الحلوة على النتيجة ذاتها التي انتهت عليها كل جولات العنف السابقة، وهي توقف إطلاق النار من دون التوصل إلى أي حل أو أي ضمانة بعدم دخول المخيم بعد فترة قصيرة بجولة عنف واقتتال جديدة. 

وبات واضحاً أن أسباب تجدد الاقتتال في مخيم عين الحلوة، مركبة ومتراكمة.. وأحد هذه الأسباب، ولعل أبرزها والتي يركز عليها الإعلام، يكمن في وجود نحو ١٠٠ إلى ١٥٠ عنصراً ينتمون إلى داعش والنصرة وأخواتهما.. وهذه العناصر تتموضع بشكل أساسي في حي الطوارئ وبعض جوانب الأحياء الأخرى..

..وحي الطوارئ، بالأساس، ليس جزءاً من عقار مخيم عين الحلوة، بل هو تابع لعقار لبناني، ولكن المخيم بفعل تطورات السنين، تمدد إلى حي الطوارئ اللبناني المجاور له.. ومع الوقت وتعاظم عمليات تخالط ديموغرافيا المخيم مع حي الطوارئ، أصبح الاخير جزء من مخيم عين الحلوة، وأصبح حي الطوارئ أيضاً الذي استوطن فيه المتطرفون الإرهابيون الإسلاميون، هو مشكلة مخيم عين الحلوة؛ وسبب عدم الاستقرار فيه. 

إن الفكرة التي راودت متعاطين بملف عين الحلوة كانت اقترحت أن يعاد فصل حي الطوارئ اللبناني عن عقار عين الحلوة الفلسطيني.. وكانت الفكرة هي أن يستعيد الجيش اللبناني حي الطوارئ من خلال طرد المجموعات المتطرفة منه، وإعادته إلى دورة حياته اللبنانية؛ وبهذه الطريقة يتم إراحة المخيم من إرهابيي الطوارئ من ناحية، ويتم من ناحية ثانية إعادة الطوارئ إلى واقعه الاجتماعي والاقتصادي والمدني اللبناني.

.. ولكن مع تكرار أحداث عين الحلوة، وتكرار جولات الاقتتال، يتبين أن مشكلة عين الحلوة لا تقتصر فقط على المجموعات الإرهابية، بل هناك أيضاً مجموعة عوامل ضاغطة على أمن المخيم، وهي تهدد باستمرار التوتر فيه..

أول هذه العوامل هو انهيار معادلة توازن الردع التي ظل ينام على وسادتها استقرار عين الحلوة لسنوات طويلة..

ومعادلة توازن الردع حصلت داخل المخيم نتيجة العوامل التالية التي باتت مفقودة اليوم: العامل الأول يتصل بأن حركة فتح كانت هي القوة الأكبر بين جميع الفصائل المتموضعة في المخيم..

وكان هناك حرص من الدولة اللبنانية على بقاء فتح القوة رقم واحد في المخيم، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن فتح تمثل الدولة الفلسطينية. كما أن فتح ذات أيديولوجيا وطنية مدنية وهي لا تحسب على أنها ضمن مكونات الأحزاب المتطرفة الإسلامية..

والعامل الثاني تمثل بأن عصبة الأنصار وهي أكبر القوى الإسلامية في المخيم، قامت منذ عدة سنوات بإجراء مراجعة لسلوكها الأيديولوجي، بمعنى أنها تبنت سلوكاً معتدلاً مكان سلوكها الذي كان يتبنى الاغتيالات والتفجير. 

.. والواقع أن تبدل سلوك عصبة الأنصار جعل أهم قوة إسلامية، تدخل نادي الفصائل العاملة على استقرار المخيم، وذلك إلى جانب أكبر فصيل وطني، أي فتح..

وكلاً من هذين التطورين قادا المخيم إلى معادلة أن أي طرف لم يعد لديه حلم القضاء على الطرف الآخر؛ كما أن جماعات المتطرفين ارتضت البقاء في المخيم هادئين، نظراً لأن ميزان القوى داخل المخيم ليس في صالحهم.. 

.. وما تبدل في السنوات الأخيرة، هو أن فتح لم تعد أقوى تنظيم عسكري وسياسي في عين الحلوة؛ والسبب في ذلك، هو تشظي فتح لعدة فصائل فتحاوية؛ أضف إلى أن فتح في المخيم أصابها عدوى التآكل التي تعاني منها سلطة أبو مازن في رام الله.. وبالمقابل فإن عصبة الأنصار بدأت في الفترات الأخيرة تتوجس من تعاظم قوة فصائل إسلامية جديدة دخلت حديثاً إلى المخيم، كفيصلي حماس والجهاد الإسلامي المدعومين من حزب الله وايران..

كما برز داخل المخيم خلال العقد الأخير تطور آخر جوهري وهو وفود شريحة لا يستهان بها من فلسطيني سورية إلى داخل المخيم، وهؤلاء هم كتلة تنتمي لصفوف الأكثر يأساً في مجتمع المخيم، وبينهم شريحة من الاسلاميين أو العاطلين عن العمل، ويمكن استقطابهم “كمقاتلين للإيجار”. 

وبهذا المعنى، فإن التطورات الجديدة التي حصلت داخل المخيم، والمتمثلة بتشظي فتح إلى “فتحاويات”؛ وولادة قوة جديدة إسلامية بالمخيم، وأيضاً وفود فلسطينيين من سورية إليه؛ أقلقت عصبة الأنصار وقادتها للإحساس بأنها بدأت تفقد مكانتها كسيدة للساحة الإسلامية في المخيم؛ ما جعلها تذهب لخيار توحيد الإسلاميين الذين هم أقرب لها، وذلك بهدف خلق توازن لصالحها مع الجهاد وحماس..

 والواقع أن كل هذه التطورات أدت إلى اهتزاز معادلة توازن الرعب التي كانت قائمة في المخيم والتي سادت لفترة طويلة، وساهمت لحد بعيد في منع الصدام..

والامر الأخطر على هذا الصعيد، هو أن انهيار معادلة توازن الرعب أدت إلى بروز معادلة سادت في المخيم كبديل عن الأولى، ومفادها بروز رغبة عند كل واحد من طرفي الصراع الإسلامي والوطني المتصارعين في المخيم للقيام بين الحين والآخر، بتجريب ميزان الرعب الجديد، وذلك بغية التأكد مما إذا كان أحدهما يستطيع فرض معادلات جديدة على الطرف الآخر في المخيم..

Exit mobile version