خاص الهديل:
تحمل عملية اكتشاف الإرهابي “وسام مازن دلا” داخل مخبئه في حي السلم الواقع في قلب الضاحية الجنوبية التي تعد المعقل الاجتماعي والسياسي وحتى الأمني لحزب الله؛ الكثير من المعاني التي يتوجب التوقف عندها بكثير من العناية.. “فوسام دلا”، سوري، وهو “داعشي”، نفذ عملية التفجير التي جرت في شارع السودان في منطقة السيدة زينب خلال أنشطة عاشوراء فيها، وهو أيضاً إستخدم عائلته النازحة في لبنان كمخبأ له، وحديقة خلفية لنشاطه الإرهابي..
والواقع أن وقائع ما حدث مع وسام دلا منذ قيامه بالتفجير الإرهابي في منطقة السيدة زينب في دمشق، مروراً بهروبه من سورية عبر الطرق غير الشرعية إلى لبنان، وصولاً لاختبائه عند عائلته النازحة في حي السلم في الضاحية الجنوبية، تنطوي على عدة معاني خطرة للغاية:
المعنى الأول: تكشف وقائع حادثة وسام مازن دلا، أن الإرهابيين السوريين يستخدمون وجود أهاليهم وعائلاتهم من النازحين السوريين في لبنان، كملجأ لهم للاختباء بين ظهرانيهم، وذلك بعد تنفيذ عملياتهم الإرهابية في سورية.
.. وأغلب الظن أن توسع التحقيق بحادثة وسام دلا، قد يظهر أن الإرهابيين في سورية يعتبرون أن المناطق اللبنانية التي تشهد كثافة لتواجد النازحين السوريين فيها، تعتبر أفضل ملجأ آمن لهم، وسبب ذلك الأهم يكمن في أن هناك حماية دولية للنازح السوري في لبنان يستطيع الإرهابي أن يفيد منها تحت عنوان أنه نازح وأنه يعيش في بيئة النازحين السوريين في لبنان المحمية دولياً..
والمفارقة التي تشجع الإرهابيين السوريين على المكوث في لبنان قبل وبعد تنفيذ عملياتهم في سورية؛ هي أن الإرهابي السوري يستطيع بسهولة “انتحال صفة” نازح سوري، وبذلك تصبح حركته محمية دولياً في لبنان، فيما تصبح متابعات الأجهزة الأمنية اللبنانية له، مقيدة بإسم حقوق الإنسان التي ينادي بتطبيقها بعشوائية ولأسباب المجتمع الدولي على النازح السوري في لبنان..
ولا ترمي هذه السطور لتشجيع التمرد على النازح السوري في لبنان. ولكنها بالمقابل تريد التنبيه لحقيقة باتت قائمة وهي أن عدم وجود سياسة دولة في لبنان تجاه ملف النزوح السوري، وأيضاً نتيجة ممارسة الغرب استراتيجية حماية سياسية بغاياتها للنازح السوري في لبنان، بات الإرهاب السوري يستطيع بسهولة التلطي وراء ستارة النزوح السوري، ويستطيع الإفادة من أنشطة عشرات الجمعيات غير الحكومية الممولة دولياً للدفاع عن حقوق النازح السوري في لبنان!!.
وكل ما تقدم،، زائد عامل قيام المجتمع الدولي بحجب “داتا معلومات” النزوح السوري في لبنان عن الدولة اللبنانية، أدى إلى التالي: السماح للإرهابي السوري باختراق اجتماع النزوح السوري في لبنان.. والسماح له أيضاً بأن يستخدم لبنان ليس فقط كملجأ آمن ومحمي دولياً؛ بل أيضاً كنقاط انطلاق له، وقاعدة تخطيط لتنفيذ عملياته الإرهابية في سورية وغيرها.. وعليه صار واضحاً أن النزوح السوري في لبنان له ثمن أمني باهظ، وليس فقط له ثمن اقتصادي واجتماعي باهظين.
المعنى الثاني: الفكرة الخطرة في حادثة وسام دلا، تكمن في أن مواصفات النزوح السوري في لبنان، باتت توفر بشكل قياسي وأساسي، إمكانية كبيرة لتواجد الإرهابيين بين ظهرانيه.. فهذا الإرهاب في سورية، لديه خط مواصلات آمن له مع مجتمعه النازح في لبنان، نظراً لوجود مئات المعابر غير الشرعية على الحدود اللبنانية السورية، ونظراً لكون النازح السوري يحظى بحماية دولية لتنقله بين بلده ولبنان، وذلك على حساب تدقيق الدولة اللبنانية بمدى شرعية وقانونية قدومه إلى لبنان..
وهناك معنى ثالث تكشف عنه حادثة الإرهابي وسام دلا، وهو أن حرب داعش والإرهاب في سورية، يمكنها في أية لحظة أن يكون لها تتمة عملية في لبنان؛ ذلك أن ديموغرافيا الاجتماع السوري بكل تناقضاته، بات له نسخة طبق الأصل عنه في لبنان؛ كما أن اجتماع الحرب السورية بكل أفرقائها الموالية للنظام والمعادية له، بات لها أيضاً نسخة طبق الأصل عنها في لبنان..
.. وهكذا، فإن النزوح السوري في لبنان بلغ من العمق درجة أنه حول لبنان إلى قطعة من الوضع الساخن السوري، بدل أن يصبح النزوح السوري في لبنان جزءاً من الوضع اللبناني المسيطر عليه اقتصادياً وأمنياً.
إن أول أمر يجب أن تقوم به الدولة اللبنانية بعد حادثة الإرهابي وسام دلا، هو مطالبة الجهات الدولية المعنية، بتسليم لبنان كل “داتا المعلومات” التي بحوزتها عن كيفية توزع إقامة النازحين السوريين في لبنان؛ ويجب أن ينطلق هذا الطلب اللبناني من التأكيد للمجتمع الدولي على الاعتبار الذي يقول أن أمن النازح السوري في لبنان، لا يمكن بعد اليوم النظر إليه فقط من زاوية حقوق الإنسان؛ بل المطلوب أيضاً وبنفس المستوى، النظر إليه من زاويته الأمنية..
وبات من المطلوب، وعلى وجه السرعة، إجراء دراسة تشترك بها الدولة اللبنانية والدول العالمية المعنية بموضوع النازحين السوريين في لبنان، وذلك لتحديد عدة أمور أساسية، أبرزها إجراء تصنيف للبيئة النازحة السورية الموجودة في لبنان، وفق ٣ أصناف:
الأول هو النازح الاقتصادي.. وهذه الفئة موجودة في لبنان منذ ما قبل العام ٢٠١١ وهي جزء من حركة الإقتصاد اللبناني.
الثاني هو النازح السوري الأمني؛ والمقصود به النازح المستمر بالنزوح من سورية نتيجة أنه مطلوب للسلطات السورية، أو لأن الظرف الأمني أو المعيشي في منطقته في سورية، لا يسمح له بالعودة إليها.
الثالث النازح المتلطي بيافطة النزوح، كي يخدم مشروع داعش وإخوانها في سورية، انطلاقاً من لبنان..
.. ويعتبر وسام مازن دلا أبرز مثل، وأوضح نموذج عن هذا الصنف من النازحين السوريين، أو عن هذه الفئة من النازحين السوريين.
صحيح أن عدد أمثال “وسام دلا” بين النازحين السوريين في لبنان، هو بضع مئات من الأشخاص فقط، وذلك مقابل وجود نحو مليوني نازح سوري في لبنان؛ ولكن المشكلة في هذا النوع من النازحين (كالإرهابي دلا) تكمن في أن الشخص الواحد منهم، يستطيع توريط كل عائلته أو عشيرته النازحة بخدمة داعش، وذلك عن طريق جرها لمنطق أنها معنية بحماية إبنها الإرهابي الفار من العدالة، بغض النظر عما إذا داعشياً أم لا!!..
خلاصة القول في هذا المجال أن حادثة اكتشاف وسام دلا أول من أمس، يجب النظر إليها على أنها رسالة تحذير للبنان، مفادها أن أي عودة للقتال العسكري في سورية، وأي تجدد للنشاط الإرهابي في سورية، سيكون لبنان جزء منه.. والسبب يقع في أن كثافة حضور النزوح السوري في لبنان، وكثافة الدعم الدولي له، جعل لبنان جزء من اجتماع الأزمة والحرب في سورية، وليس فقط مجرد بلد مضيف لأكبر ديموغرافيا نازحة في تاريخ بلد الأرز..