خاص الهديل:
نفى النائب طوني فرنجية أمس الخبر الذي قال أنه يعتزم زيارة معراب.. وقال نجل سليمان فرنجية المرشح لرئاسة الجمهورية “أن الخبر عار عن الصحة”..
تقول الأمثال العربية أنه “لا دخان من دون نار”؛ وتطبيقات هذا المثل على خبر إمكانية أن يزور فرنجية الإبن معراب؛ تعني أنه حتى لو كان الخبر بعمومه غير صحيح، إلا أنه لجهة بعض خلفياته، يوجد له أساس من الصحة..
والواقع أنه يمكن تقسيم الخبر إلى جزئين إثنين: جزء عار عن الصحة كما قال طوني فرنجية؛ وجزء له أساس من الصحة كما يقول المثل العربي (لا دخان من دون نار).
الجزء الكاذب من الخبر هو أن طوني فرنجية يعتزم زيارة معراب؛ أما الجزء الذي يوجد أساس له من الصحة فهو أن سليمان فرنجية ليس بعيداً عن فكرة أنه يمكن تستجد ظروف معينة، تجعله يشد الرحال لزيارة معراب!!.
.. وما يمكن الجزم به في هذه اللحظة، هو أمران إثنان؛ الأول، أن فكرة زيارة فرنجية لمعراب موجودة على أجندة الاحتمالات القصوى لدى أبو طوني، وأيضاً لدى حلفائه، كما أنها تظل احتمالاً موجوداً في “ترسانة الخيارات القصوى الاستراتيجية” عند جعجع الذي سبق له واستقبل ميشال عون تحت ضغط تسونامي ذهاب الحريري لترشيح فرنجية عام ٢٠١٦.. وعليه لا شيء يمنع أن يكرر جعجع استخدام سلاح فرنجية “النووي” ضد جبران باسيل، كما سبق له واستخدم سلاح ميشال عون “النووي” ضد سليمان فرنجية!!..
الأمر الثاني الذي يمكن أيضاً الجزم به في هذه اللحظة هو أنه لا جعجع لديه مصلحة الآن بلقاء فرنجية؛ ولا أبو طوني لديه الآن مصلحة بلقاء الحكيم؛ فجعجع لا يزال حالياً بحاجة لأن يستثمر مسيحياً وخارجياً في امتياز أن معارضته لترشيح فرنجية تمثل أساس مشروعه للتصدي لهيمنة حزب الله على البلد وعلى القرار المسيحي بخصوص اختيار فخامة الرئيس العتيد.. كما أن فرنجية يرى في هذه اللحظة أن إنتظار نتائج حوار حزب الله مع باسيل من أجل إقناعه بدعم ترشيحه (أي ترشيح فرنجية)، لها أولوية على قيامه بزيارة معراب لجس إمكانية تغيير موقف الحكيم من انتخابه، أو من فكرة أن لا يقوم بفرط نصاب جلسة انتخابه!!..
وبحسب مصدر مطلع فإن فكرة أن يزور فرنجية معراب جائزة في ثلاث حالات:
الحالة الأولى إذا بدا أن هناك يأساً من حصول اتفاق بين حزب الله وجبران باسيل؛ فحينها سيعطي حزب الله والرئيس بري ضوءاً أخضراً لفرنجية كي يتحرك داخل كل الدوائر المسيحية، بما في ذلك دائرة القوات اللبنانية، وذلك من أجل نيل تأييدها، أو أقله لتحييدها.
الحالة الثانية التي قد تسمح بأن يقوم فرنجية بزيارة معراب تتمثل بحصول توافق سعودي – إيراني مدعوم من أميركا على “رفع باط” لصالح ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية. وفي هذه الحالة قد يتجه فرنجية ليطلب تأييد الحكيم فيما الأخير قد يعلن أن القوات على موقفها بخصوص عدم انتخاب فرنجية لكونه مرشح حزب الله، ولكن نواب القوات لن يعطلوا نصاب انتخاب الرئيس “من أجل الديموقراطية”؛ وتفسير مثل هذا الموقف فيما لو اضطر جعجع إلى أخذه، سيعني أن “معراب لم تتحد التوافق الخارجي على فرنجية، ولم تغضب شارعها المسيحي المتخاصم لحلف فرنجية مع حزب الله”..
أما الحالة الثالثة التي قد تسفر عن زيارة يقوم بها فرنجية لمعراب، فهي وصول الواقع الدولي المعني بالوضع المسيحي في لبنان إلى قناعة بضرورة التدخل القوي لقطع مسار تعاظم الأزمة الوجودية المسيحية في لبنان والمشرق..
وفي هذا المجال تجدر الإشارة إلى أن الفاتيكان بدأت ورشة اتصالات دولية وإقليمية من أجل إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان بأي ثمن.. وهذا التحرك ينطلق من نظرية تقول أن إنهاء “الشغور الرئاسي” بات أهم من “إسم الرئيس”، وأن الحفاظ على الموقع المسيحي الرئاسي الوحيد في الشرق الأوسط، بات أهم من الإتيان برئيس يكون للمسيحيين الحصة الأكبر في اختياره..
وبنظر الفاتيكان وفق مصادر مسيحية؛ فإن الوضع المسيحي في لبنان يمر في هذه المرحلة بخطر وجودي، ما يحتم جعل الحفاظ على الرئاسة للمسيحيين، أهم من الحفاظ على اختيار المسيحيين للرئيس.. وأسباب هذا الخطر الوجودي ناتج عن أن المسيحيين في لبنان يواجهون تضافر ثلاثة عوامل قاتلة تتفاعل مع بعضها البعض، في نفس الوقت وبنفس الحدة:
العامل الأول يتمثل بتعاظم هجرة العائلات والشباب المسيحيين من لبنان؛ وهي هجرة أخطر ما فيها أنها لا تتضمن أفقاً زمنياً يضرب موعداً ولو افتراضياً لعودة هؤلاء المهاجرين المسيحيين إلى بلدهم..
والعامل الثاني يتمثل بكثافة النزوح السوري إلى لبنان، والذي يتسم بأنه ليس له أفق زمني يحدد موعداً ولو افتراضياً لعودة النازحين السوريين إلى بلدهم.
والعامل الثالث يتصل بظهور أن أزمة الشغور في موقع الرئيس اللبناني المسيحي الوحيد في المنطقة مستمرة، ولا يبدو أن لها أفقاً زمنياً لنهايتها، ولا حتى بارقة أمل تشي بأن المسيحيين سيكون لهم رأي ولو متساوياً مع المسلمين، في تقرير إسم فخامة رئيس الجمهورية الذي رغم أنه هو رمز لكل لبنان؛ إلا أن لديه بنفس الوقت، رمزية أنه موقع مخصص للمسيحيين، كتعبير عن تعزيز معنى وجودهم في المشرق العربي.
والفكرة الأساسية التي تدعم ترشيح فرنجية، والتي تسهم في جعل بعض الآراء تعتبر أنه من الممكن تعريب ترشيحه أو عدم معارضة وصوله لبعبدا في كل الدوائر المسيحية، وحتى عند القوات اللبنانية؛ هي نفس الفكرة التي كان بادر الفرنسيون لتعميمها منذ البداية، ومفادها أن فرنجية مرشح مقبول نظراً لأنه تتوفر فيه عدة مزايا يتعلق بعضها بظرف ترشيحه، وبعضها بمزاياه الشخصية:
وبخصوص مزايا ترشيحه؛ فالمقصودهنا أن فرنجية مرشح من قبل كتلة نيابية وسياسية صلبة؛ بينما المرشحون الآخرون مدعمون من تعارضات وتقاطعات نيابية وسياسية هشة.. وعليه فيجب على المسيحيين انتهاز فرصة أن ترشيح فرنجية “قابل للتسييل انتخابياً”، الأمر الذي يخدم هدف إنهاء الشغور الرئاسي الذي هو الهدف الأهم ضمن الظروف التي يمر بها الوجود المسيحي في لبنان وفي كل المشرق، في هذه المرحلة.
أما المقصود بخصوص مزايا فرنجية، فهي تقع في أنه الوحيد الذي يمكنه أن يلعب جسر وصل بين ما يريده اللبنانيون من السوريين من جهة، وأيضاً بين ما يريده المسيحيون من حزب الله من جهة ثانية..