الهديل

خاص الهديل: “شعب وجيش.. يد بيد”..

خاص الهديل:

الفاجعة التي ألمت أمس بلبنان نتيجة استشهاد ضابطين طيارين من الجيش اللبناني، دخلت كل بيت؛ ذلك أن الجيش هو أولاً وأخيراً يمثل الخلاصة الجامعة لوجدان كل اللبنانيين بغض النظر عن مشاربهم واختلافاتهم..

.. على الأرض وفي الجو وداخل البحر، يعمل الجيش كي يكون موجوداً وحاضراً رغم ظروف تناقص الإمكانات على نحو كبير.. 

ولا شك أن حادثة تحطم الطائرة المؤسفة، سوف يستتبعها بطبيعة الحال فتح تحقيق تقني لمعرفة أسبابها اللوجستية وأخذ العبر منها، ولكن بنفس الوقت وبشكل مواز لا بد أن يستتبع هذه الحادثة، بالنسبة لبعض السياسيين والإعلاميين والمتنفذين، فتح تحقيق مع ضميرهم الوطني هدفه الإجابة على ثلاثة أسئلة: 

السؤال الأول يتصل بأنه في حين أن ظروف انعدام الرؤية بسبب عوامل الطقس، تعتبر هي المسؤولة المباشرة عن حادثة طائرة الجيش اللبناني في حمانا؛ فإنه لا بد في المقابل من التوقف بهذه المناسبة عند ظروف انعدام الرؤية الوطنية عند سياسيين وإعلاميين ومتنفذين التي تتعمد أن تتسبب للجيش اللبناني بحالة من انعدام الرؤية على مستوى أمرته، بعد تقاعد قائد الجيش؛ الأمر الذي يضر بالحفاظ على سلاسة ووضوح تراتيبة إتخاذ القرار في الجيش؛ وبات واضحاً أن دوافع أصحاب مشروع إدخال الجيش في “عمى القيادة وانعدام وضوح الرؤية في اليرزة” هي غايات شخصية صغيرة قياساً بالمعيار الوطني الكبير..

والواقع أن تخطيط البعض المتعمد لإدخال كل الجيش وليس فقط طوافة للجيش، بانعدام الرؤية مع حلول الشهر الأول من العام المقبل، هو جريمة وطنية، وليس فقط حادثاً مؤسفاً كالذي حصل في حمانا .. 

وبكل المعايير فإن حادثة سقوط طوافة الجيش بسبب أن الطقس جعل قائديها الأبطال يفتقدون لوضوح الرؤية، يمكن أخذ البعد الرمزي منها للتدليل على أهمية أن يبقى الجيش كقيادة وأفراد داخل فضاء وضوح الرؤية على مستوى تماسك هيكلية اتخاذ القرار فيه؛ وهو أمر لا يتوفر إلا بإبقاء الجيش ينظر بعيني قيادة متماسكة وذات بنية وهيكلية لا تعاني من خلل أو فراغات تنظيمية، ولا يتم افتعال الضباب السياسي أمامها، خاصة على مستوى لمن تكون الأمرة على الجيش..

وبكلام أوضح يمكن القول أن الجيش سيفقد البصيرة وسيدخل على مستوى تنفيذ مهامه الوطنية الحساسة، حقل انعدام الرؤية في حال حل موعد تقاعد قائد الجيش ولم يكن هناك قائد جيش يخلفه، أو لم يكن هناك رئيس أركان يحل مكانه بالإنابة ريثما يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين قائد جديد للجيش.. 

باختصار يمكن القول أيضاً ضمن هذه النقطة أن من يريد لأسباب أنانية إدخال الجيش بعد موعد تقاعد قائد الجيش في مرحلة فراغ في الرؤية على مستوى الأمرة فيه، إنما يأخذ هو عن قصد أو جهل، يأخذ كل الجيش إلى حادثة حمانا كبرى، ولكن هذه المرة سيكون المسبب بها ليس عوامل الطقس والقدر، بل أنانيات السياسيين وأفعال البشر..

.. إن الحوادث الأليمة بغض النظر عن أسبابها، تبعث برسائل رمزية يستحب التنبه لها.. وحادثة حمانا تقول يكفي الجيش أن يواجه عوامل عدم وضوح الرؤية الناتجة عن الطقس ونقص الإمكانات وانسداد الأفق السياسي؛ وبالتالي فهو ليس بحاجة لمشاكل أكثر يسببها له فاقدو وضوح الرؤية الوطنية من السياسيين ومعهم جوقة إعلامية تكتب على الورق الأصفر!!

السؤال الثاني الذي يطرح نفسه على المواطن إثر حادثة استشهاد الطيارين وهما في مهمة جوية، هو كيف يكون الشعب أكثر دعماً للجيش وأكثر قرباً لممارسة محبته له وتقديره لتفانيه الوطني؟؟.. 

وفي إطار الإجابة يتحتم بداية إدراك أن الجيش لا يطلب شيئاً لنفسه، بل يطلب دعماً لمهمته الوطنية.. والمطلوب في هذا المجال تثبيت “ثقافة دعم الجيش”، بحيث يشعر المواطن أنه بموازاة أن هناك ضريبة يتم دفعها مقابل خدمات الدولة له؛ يوجد أيضاً ضريبة معنوية يجب أن يقدمها كل مواطن تقديراً منه للجيش ولتفانيه.. وبمثلما أن الجيش يحمي الشعب فإنه يتوجب على الشعب أن يحمي الجيش.. ومعنى الحماية هنا هو معنى رمزي ومعنوي، ولكنه سيكون فعالاً بمواجهة سياسات تخريب آخر مؤسسة وطنية في البلد: فحيث يكون الجيش في مهمة من أجل حماية الوطن والمواطن، يجب أن يواكبه الشعب معنوياً وإعلامياً وبالتأييد الوطني.. يجب أن تنتهي الثقافة التي تقول للجيش واجه بمفردك.. ومكانها يجب أن تحل ثقافة: نحن معك.. “وإيد بإيد”..

السؤال الثالث الذي يطرح نفسه على لبنان -، كل لبنان- ، هو عن مدى وضوح الرؤية لدى اللبنانيين تجاه مسألة أن الجيش يتعرض لعدم إنصاف من قبل جهات ترفع شعارات الوطنية، ولكنها تمارس سياسات ومواقف كيدية ومصلحية وما دون وطنية تجاه الجيش..

لتكن واقعة حمانا المؤسفة مناسبة لتوحيد الجهود الوطنية وراء شعار”شعب وجيش.. يد بيد”..

Exit mobile version