خاص الهديل:
تتعاظم وتيرة العمليات العسكرية الفلسطينية في الضفة الغربية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.. وخلال الأيام الأخيرة نفذ الفلسطينيون عمليتين ناجحتين الأولى في بلدة الحوارة والثانية في الجليل. وبدا واضحاً خلال هذا الشهر أن طفرة العمليات الفلسطينية لم تعد مقتصرة على شمال الضفة (جنين)، بل انتشرت في كل أرجاء الضفة شرقاً وغرباً..
هناك خشية إسرائيلية من أن تتحول الضفة وخاصة شرق الضفة، حيث مخيم جنين إلى غزة أخرى.. وما عزز هذا الاستنتاج لدى الإسرائيليين هو قيام فدائي جنين بإطلاق صواريخ قصيرة المدى لأول مرة باتجاه أهداف اسرائيلية في الضفة الغربية.. وهذا التطور يشي بأن المقاومة الفلسطينية في المنطقة الشرقية من الضفة الغربية، بدأت تتموضع داخل الكتل السكانية الفلسطينية، ما يجعل دخول الجيش الإسرائيلي إلى أي واحدة من هذه المناطق الفلسطينية، سيعني نشوب حرب فلسطينية إسرائيلية صغيرة، قد تتطور لتشمل غزة وبؤر فلسطينية في باقي مناطق الضفة، وداخل أراضي احتلال العام ٤٨.
وطوال هذا الأسبوع ناقش الكابينيت الإسرائيلي (الذي هو حكومة الحرب المصغرة) خيارات الرد على ما يحدث في الضفة الغربية.. وكان الموضوع الأساس الذي ناقشه الكابينيت هو كيف يمكن قطع مسار تحول شرق الضفة الغربية إلى غزة أخرى، وذلك لجهة تحولها من منطقة إنطلاق عمليات فدائية، إلى منطقة مواجهة والتحام مع الجيش الإسرائيلي؟؟
طرحت الحكومة المصغرة خيار شن حرب واسعة على منطقة شمال الضفة الشرقية لاجتثاث كل الخلايا الفدائية منها.. ولكن هذا الخيار اصطدم بعدم رغبة نتنياهو بتحميل نفسه التبعات السياسية الناتجة عن سقوط عدد قد يكون غير قليل من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي خلال تنفيذه هذه العملية.
طرح أيضاً خيار تنفيذ سلسلة ممنهجة من عمليات الاغتيالات ضد كل الرموز الخارجية والداخلية التي تحرك المواجهة العسكرية الفلسطينية في الضفة الغربية..
وكان يجب أن يترك هذا الخيار نوعاً من السلاسة في تمريره؛ أولاً لأنه ينتمي لأسلوب نتنياهو الذي يفضل دائماً تجنب الحرب العسكرية، والذهاب بدل ذلك، إلى تنفيذ عمليات التصفية الأمنية (اغتيالات)؛ وثانياً لأنه لا يكلف إسرائيل قتلى بين صفوف جيشها، خاصة وأن حكومة أقصى اليمين تعاني من مشاكل داخلية كبيرة؛ وثالثاً لأن حكومة نتنياهو غير منسجمة بموضوع كيف تدار الحرب العسكرية في الضفة، وضمن أية (أهداف)؟؟، حيث أن وزير الأمن غفير لديه رؤية وخطة، فيما وزير الدفاع غالايت لديه خطة مغايرة.. أضف إلى ذلك أن إدراة بايدن ليست مع دخول الجيش الإسرائيلي في حرب في الضفة الغربية، وهي توصي باعتماد خيار أن تقوم السلطة الفلسطينية بقمع العمليات الفلسطينية في الضفة، الخ…
ورغم أن خيار الاغتيالات يبدو الأفضل لحكومة نتنياهو، إلا أنه بدوره اصطدم بعدة عقبات كان أخطرها وأصعبها العقبة المتعلقة بإمكانية أن يؤدي إقدام تل أبيب على اغتيال الشيخ صالح العاروري إلى حرب بين حزب الله وإسرائيل..
وفي تفاصيل هذا الموضوع تجدر الإشارة إلى أن العاروري يشكل بالنسبة لتل أبيب رزمة الرمزيات الخطرة التالية: فهو يمثل الرجل الأول المطلوب إسرائيلياً في ملف إدارة العمليات الفدائية الفلسطينية في الضفة؛ والسبب في ذلك يعود لكون العاروري هو أحد قياديي حماس القلائل الذين هم من الضفة الغربية، ولديه علاقات قوية مع مجتمعها؛ أضف أن العاروري مخول بإدارة هذا الملف من قبل حماس بالتنسيق مع حزب الله (حسب التصريحات الإسرائيلية).. والعاروري يمثل أيضاً بالنسبة لإسرائيل الرجل الثاني في حركة حماس؛ ويمثل أيضاً وأيضاً من منظار إسرائيلي الرجل الأهم والأخطر داخل حماس وداخل حركة المقاومة في الضفة، المتحالف عضوياً مع حزب الله.. ويقيم العاروري في ضيافة حزب الله في لبنان، وهو من المقربين للسيد حسن نصر الله.
والواقع أن كل ميزات العاروري هذه، تجعله الهدف الأول على لائحة حرب اغتيالات إسرائيل الهادفة لتصفية رموز يؤدي قتلها وتحييدها إلى إضعاف حركة المقاومة العسكرية المتعاظمة في الضفة العربية.. ولكن ما يواجه نتنياهو على هذا الصعيد، هو أن إقدامه على اغتيال العاروري لن يؤدي فقط إلى توقع رد فعل حتمي من حماس، بل أيضاً إلى توقع رد فعل حتمي من حزب الله؛ خاصة وأن العاروري يقيم معظم وقته في لبنان، ويتمتع بحماية حزب الله؛ ولذا فإنه تشمله تطبيقات تهديد نصر الله المعروف الذي قال فيه أن الحزب سيرد بالمستوى المناسب على أي عملية اغتيال تنفذها تل أبيب في لبنان ضد مقاومين لبنانيين كانوا أم غير لبنانيين (والمقصود هنا مقاومين فلسطينيين أو إيرانيين ينسقون مع الحزب داخل غرفة عمليات المقاومة التابعة للمحور)..
إن أكثر ما يريد نتنياهو تجنبه هو القيام بعمل يؤدي إلى خلق ذريعة لحماس ولحزب الله كي يقوما بفتح حرب على إسرائيل من جبهتي غزة وجنوب لبنان في نفس الوقت؛ ولا شك أن اغتيال العاروري يوفر هذه الذريعة!!..