خاص الهديل:
وفاة طلال سلمان تعتبر حدثاً لبنانياً وعربياً هاماً؛ بمثل ما هو خبر حزين ومؤسف وينطوي على الكثير من المشاعر الإنسانية التي تسلم بقضاء الله فيما العين تدمع والقلب ينفطر…
موت صحافي بقامة طلال سلمان يشبه خسارة حرب؛ أو نجاح انقلاب عسكري على حكم ديموقراطي.. وهو حدث رغم أنه ليس من خارج قانون الحياة؛ إلا أنه يترك إرباكاً في سلاسة الحياة وفي معنى الوقائع فيها..
لماذا؟؟
.. لأن الناس اعتادوا أن يكتب طلال سلمان خبر اليوم الجديد؛ ولأن الناس اعتادوا انتظار أن يفتتح طلال سلمان صباحاتهم الجديدة بافتتاحيته عن اليوم الجديد؛ ولم يعتد الناس أن يكون خبر يومهم الجديد هو غياب طلال سلمان..
حينما يموت صحفي بقامة طلال سلمان يعتري شمس الحقيقة نوع من الكسوف.. تضم الطبيعة إلى صدرها قلمها المكسور.. وعلى بعد من كل عين تولد دمعة أو ربما ابتسامة وداع باهتة ونازفة ومتلعثمة وهي تهجي عبارة الوداع بل إلى لقاء.
طلال سلمان هو إبن جيل عاش مرحلة غنية بالأحداث وبالتحولات وبطفرات نوعية بالسياسة وبالاجتماع والاقتصاد والثقافة.. كان مميزاً داخل جيله، وفي حضوره بين وقائع الأحداث ومراحلها..
لقد قاتل طلال سلمان كجندي عقائدي يقود طلائع جيش من الفدائيين امتلك أعتى ما تخزنه ترسانة الأقلام طويلة المدى؛ لقد قاتل حتى الرمق الأخير، وحتى ما بعد نجاته من محاولة اغتياله لإسكاته. وكان صحافياً للناس، وسفيراً للصحافة إلى حيث لا يوجد آذان صاغية للكلمة الحقيقية..
من شرفة إطلالة الزعيم الأسمر على أمة ترتجي الآمال، تعملق وعي طلال سلمان القومي.. ومن رحم فترة ستينات القرن الماضي التي شهدت نكسة ال٦٧، ولد تمرد طلال سلمان الإنساني؛ وداخل أتون حريق ال٧٥ اللبناني، صهر طلال سلمان وطنيته.. وعلى مرافئ سفر لبنان من هويته العربية، ومحاولات الصلح مع إسرائيل، في ثمانينات القرن الماضي، صنع طلال سلمان قارباً فنيقياً جديداً يجيد الإبحار باتجاه فلسطين أولاً، والعروبة أولاً، ولبنان المقاوم أولاً..
لقد راودته الثقافة عن همه النضالي القومي والسياسي، فقُدت قميصه من دبر؛ وكتب للثقافة كما يكتب العاشق لحبيبته؛ وأهداها زهوراً فيها أطياب الفصول الأربعة، وفيها كل لغات أنفاسه حينما تتفتح لغة عربية، وأحاسيس عابرة كدفق شمس في صبح صيفي..
إن الصحافة في لبنان التي غادرت عرشها في المنطقة، يغادرها اليوم رجل كان من صانعي عرشها اللبناني المفقود حاليأ.. قد يكون الحزن اليوم على طلال سلمان مناسبة لإظهار حزن الصحافة أيضاً في لبنان على نفسها، ومناسبة لرفع الصوت في وداع دور لبنان الإعلامي في المنطقة. إن طلال سلمان في لحظته هذه، لا يمثل فقط نهاية قصته مع تجربة لبنانية في دنيا العرب، ومع تجربة عربية في بلد الأرز، بل يمثل لحظة تؤشر برمزيتها إلى خطورة أفول نجم لبنان الإعلامي في محيطه وفي داخله..
طلال سلمان.. هذا الرجل الذي نودعه اليوم، كان جيلاً في حياتنا، وليس فقط جيلاً داخل عمره.. إنه باق ببقاء معنى عبارة أنه في البدء كانت الكلمة..