بين الفينة والأخرى، تُوّزع بعض المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، مذيلةً بعنوان قد يبدو جذابًا للبعض وقاهرًا للبعض الآخر “حقيقة ما حصل في الرابع من آب”، أو “الحقيقة الكاملة لجريمة النيترات”، خصوصًا بعد حالة الجمود التي أصابت الملف منذ عام 2021. وبسرعة لافتة، تُنشر هذه المقاطع القصيرة، ويتبادلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ليتبين لاحقًا أنها مزيفة أو لا تمت للواقع بصلة.
كذلك، توزّع بعض الوثائق، التي من شأنها أن تكون قادرة على خدمة ملف التحقيق أو أنها معلومات قديمة سبق وأن تم نشرها في العديد من وسائل الإعلام والصحافة وباتت معروفة. فمضمونها لن يقدّم أي خطوة جديدة لملف المرفأ، ولكنها قد تنجح في إثارة الجدل فقط وتحميل بعض الجهات مسؤولية ما آلت إليه الأمور عام 2020.وثيقة رسمية؟منذ أسابيع قليلة، صرّح وزير الدفاع السابق، يعقوب الصرّاف، على منصة “تويتر” بأنه سيمثل أمام القضاء الفرنسي في الثالث من آب الجاري، زاعمًا أنه يملك الكثير من المعطيات التي تتعلق بتفجير المرفأ عام 2020، لذلك سيدلي بشهادته في فرنسا ويقدم جميع الأدلة. وأنه يمتلك الدليل القوي.
مساء يوم الخميس، نشر الصراف وثيقة كان قد أعلن سابقًا أنه سيضعها في تصرف الرأي العام، ليتأكدوا بأنه يملك معلومات مهمة تتعلق بقضية المرفأ ويعرف الحقيقة. ووفقًا لما عرضه الصرّاف، فإن مضمون الوثيقة تضمّن تصريح ربان الباخرة RHOSUS التي سبق وأن حجزت في لبنان عام 2014، ولدى الاستماع إلى إفادة ربان الباخرة صرّح الأخير “أنه يوجد 2750 طن من المواد الخطرة والسامة AMMONIUM NITRATE ، وأن ستة من أفراد الطاقم غادروا عائدين إلى بلادهم بعد أن أمن لهم صاحب الباخرة تذاكر سفر لقاء عدم قبض رواتبهم..”.
بهذه الوثيقة حمّل الصرّاف وزارة العدل مسؤولية إهمالها بعد معرفتها بوجود مادة نيترات الأمونيوم على متن السفينة، فهي بذلك تجاهلت المعلومة التي قدمها ربّان السفية في إفادته. وتوجه الصرّاف بسؤال: “لماذا لم تتحرك وزارة العدل حينها؟ المستند واضح وأتحدى من يقول أنه مزوّر”.يمتلك الدليل؟”المدن” تواصلت مع الصراف، الذي شرح أن أسباب نشر هذه الوثيقة الآن، تعود لاتهامه بأن الوثائق التي يملكها هي وثائق مزورة وغير صحيحة. لذلك، فإنه سينشر بعض الوثائق والأدلة الأخرى تباعًا، ليثبت للرأي العام بأنه يملك كل هذه المعلومات.
أما فيما يخص جلسة الاستماع له في فرنسا، فقد أوضح لـ”المدن” بأنه غادر الأراضي اللبنانية وقدم إفادته أمام القضاء الفرنسي في الثالث من آب، وقدّم مجموعة كبيرة من المعلومات والأدلة خلال جلسة استماع دامت حوالى 8 ساعات متواصلة، وأعطاهم ملفًا يضم مجموعة كبيرة من الوثائق والمعلومات المهمة والمعطيات الخطيرة حول تفجير المرفأ. بدوره، ووفقًا لكلامه، فإن القضاء الفرنسي بدأ بترجمة هذه الوثائق للتدقيق بها، لذلك لا يملك أي معطيات أخرى حول احتمال استدعائه مرة أخرى للاستماع إليه في فرنسا.
الجدير بالذكر بأن المحقق العدلي في قضية المرفأ، القاضي طارق البيطار لم يتجاهل مطلب الصرّاف حين أراد تقديم إفادته أمامه. ووفقًا لمعلومات “المدن”، فإن البيطار استمع للصراف في جلسة طويلة دامت لساعات عدة، جرى فيها تقديم الوثائق التي يتمسك بها الصراف ويعتبرها الأدلة الحقيقية لقضية المرفأ.
ووفقًا لكلام الصراف، فإن الملف الذي أعطاه للمحقق العدلي، كان موسعًا ويضم أكثر من 30 صفحة.
في الواقع، قد يصحّ القول بأن مضمون هذه الوثيقة ليس جديدًا. فمنذ عام 2021 تسرّب للرأي العام بأن المنظومة السياسية كانت على علم بمادة نيترات الأمونيوم، وأيضًا القضاء اللبناني كان يعلم بحمولة هذه السفينة،. من أجل ذلك، بات معلومًا أن هذه المعلومة وإن نجحت في إثبات إهمال بعض الجهات المسؤولة إلا أنها لن تحرك ملف المرفأ.الحل الوحيدقد يكون مؤسفًا القول بأن قضية المرفأ معرقلة منذ أكثر من عام ونصف العام بسبب دعاوى الرد وغيرها، إلا أن المصادر القضائية البارزة، تؤكد بأن الحل الوحيد لتذويب الكتلة الجليدية عن التحقيق، لن يكون إلا بتصويب الملف إلى مساره الطبيعي وإجباره على الخروج من النفق المظلم.
يعني هذا، بأن يستمع الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله للمحقق العدلي طارق البيطار، فيما يخص الدعوى المرفوعة ضد الأخير من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بجرم “اغتصاب السلطة”، ليتخذ القرار المناسب. حيث أنه من الضروري حلّ الإشكال الواقع بين البيطار والنيابة العامة التمييزية كي يعاود التحقيق انطلاقته، خصوصًا أن القرار الظني بحاجة إلى مطالعة النيابة العامة التمييزية. فقضية المرفأ بحاجة لمسار طبيعي خالٍ من الخلافات القضائية والنزاعات. وهذا ما نتمناه، كي لا نعول مرة جديدة على قضاء أجنبي مثلما حدث بملف رياض سلامة.