الهديل

خاص الهديل: “خيانة الديموقراطية”: لعنة ماكرون من أفريقيا إلى لبنان!!.

خاص الهديل:

في الوقت الذي تنتظر فيه القوى السياسية اللبنانية بفارغ الصبر، عودة لودريان مبعوث الرئيس الفرنسي ماكرون إلى لبنان؛ فإن شعب النيجر ينتظر بفارغ الصبر طرد سفير ماكرون من بلدهم!!.. 

ليست النيجر وحدها تريد إغلاق بابها وراء الإرث الاستعماري الفرنسي الذي تمادى ماكرون في تمثيل سياساته؛ بل أفريقيا الوسطى التي كانت مستعمرة فرنسية تفعل ذلك؛ والواقع أن شرارة رفض فرنسا تمتد من الغابون إلى الكونغو الديمقراطية التي كان رئيسها وبخ مؤخراً ماكرون، وقال له: عليكم أن تحدثونا باحترام؛ فأنتم الفرنسيون لستم أولياء علينا!!.

والفكرة الأساس التي يبرر بها الأفارقة موقفهم من فرنسا، تتلخص بعبارتين: اتهام فرنسا “بخيانة الديموقراطية” في أفريقيا.

والحق يقال أن ماكرون لم يرتكب وحده فعل “خيانة الديموقراطية”؛ بل كل أسلافه الرؤساء الفرنسيين فعلوا ذلك، ولكن ماكرون وحده من بينهم جميعاً، وعد الأفارقة بتصفية إرث الاستعمار الفرنسي في القارة السمراء قبل انتخابه رئيساً، ولكنه حنث بوعده على نحو فاضح عندما دخل الإليزيه!!.. 

العار الفرنسي الذي يطارد ماكرون في أفريقيا الآن يتمثل بأن فرنسا لم تنجح في تصفية إرث الماضي الاستعماري الفرنسي لدى الأجيال الأفريقية الجديدة.. 

والعار الذي يطارد ماكرون بشكل خاص في أفريقيا الآن، لا يتمثل فقط بأن الشعوب الأفريقية فقدت ثقتها بنوايا فرنسا الطيبة نحو بلادها، بل أيضاً فقدت ثقتها بنوايا ماكرون الأفريقية، وبصدق وعوده للقارة السمراء .. لقد تحدث ماكرون خلال حملته الانتخابية الرئاسية عام ٢٠١٧ أمام نخب فرنسية من أصول أفريقية، عن أنه يحمل “رؤية جديدة تقدمية لسياسات فرنسا الأفريقية، ولكنه مع وصوله للحكم انتهج سياسة ظلت تعتمد على تدخل قواعد الجيش الفرنسي في شؤون أفريقيا الداخلية، وعلى دعم الشركات الفرنسية الباحثة عن احتكار الثروات الأفريقية؛ وأيضاً ظل يخدم معادلة أن باريس تحمي الحكام الدكتاتوريين الأفارقة، مقابل ولاءهم لمصالح فرنسا الجشعة في أفريقيا.. 

ومأساة ماكرون في أفريقيا اليوم لا تقتصر عليه، بل تطال بايدن الذي يشاهد الآن كيف أن بوتين الذي يريد محاصرته داخل سجن استنزافه في أوكرانيا، نجح (أي بوتين) في حصار فرنسا ومعها الغرب في أفريقيا، داخل سجن سفارة فرنسا في النيجر!!..

والواقع أن آخر شخص في العالم تفاجأ برفع مواطني النيجر علم روسيا وشعارات فاغنر بعد إعلان الانقلاب العسكري هناك، هو ماكرون.. فقبل أشهر فقط زار ماكرون على عدة دول أفريقية، وحمل معه في جولته همّاً واحداً وهو مواجهة التغلغل الروسي المستجد في أفريقيا.

 .. لكن زيارة ماكرون الأفريقية حينها لم تنجح.. والسبب خطابه القاصر، باعتراف الصحافة الفرنسية. قال ماكرون للأفارقة أن هناك قوى أمبريالية جديدة تغزو ثرواتكم لتسرقها، فاحذروا منها. وقصد ماكرون بهذه القوى روسيا بخاصة. لكن الأفارقة ردوا عليه بأن الاستعمار الذي يرزحون تحت نيره منذ القدم ولا يزالون، هو الاستعمار الفرنسي المباشر القديم، والاستعمار الفرنسي المقنع الحالي(!!)… فلماذا لا تعتذروا أيها الفرنسيون من أفريقيا؟؟. 

وقال ماكرون للأفارقة أن غابات بلدانهم هي صمام أمان لمستقبل الصحة البيئية لكوكبنا؛ فحافظوا عليها.. ورد الأفارقة أن القارة السمراء ليست مصدر تلوث للأرض؛ بل التلوث يأتي من السموم التي تصدر عن معامل الدول الغربية الصناعية(!!).. فلماذا لا توقفوا أيها الغربيون سمومها؟؟..

لقد سمحت سياسة ماكرون الأفريقية، وخطابه الذي ظل يعتمد آلاليات الاستعمارية القديمة، لموسكو بالتمدد في أفريقيا، وبدأت شركات روسيا تناقس شركات فرنسا، كما أن قوات فاغنر الروسية بدأت تتموضع بمقابل تواجد قواعد الجيش الفرنسي المنتشرة في نحو ٦ دول أفريقية.. وخلق تواجد فاغنر للجيش الفرنسي في أفريقيا، تحد من نوع خاص.. ففاغنر شكلت أداة عسكرية لينة تحركها موسكو من دون أن يتحمل الكرملين مسؤولية قانونية عن نتائج أفعالها السيئة في أفريقيا؛ بينما الجيش الفرنسي في أفريقيا يمثل قوة مباشرة تمتاز حركتها بأنها ثقيلة الإيقاع، وتتحمل باريس مسؤولية أي خطأ ترتكبه..

ويظل السبب الأساس وراء مشهد إهانة أفريقيا لفرنسا؛ هو ما تطلق عليه النخب الأفريقية مصطلح “خيانة الديموقراطية” في القارة السمراء من قبل فرنسا..

ولا شك أن ماكرون يدفع اليوم ثمن إعلانه أنه يريد تصحيح خطأ فرنسا “بخيانة الديموقراطية” في أفريقيا، ولكنه بعد وصوله للإليزيه أمعن بارتكاب المزيد من الأخطاء التي تنتمي للعنة “خيانة الديموقراطية” من قبل “جمهورية الحرية والعدالة والمساواة” بحق الشعوب الأفريقية.

وداخل عاصفة “لعنة خيانة الديموقراطية” التي يواجهها ماكرون في أفريقيا، يوجد معنى لبنانياً لم يتم بعد تسليط الضوء عليه، وقوامه أن ماكرون خلال سياق مبادراته لحل أزمة ثورة الشعب اللبناني على طبقته السياسية، مارس أيضاً “خيانة للديموقرطية” في لبنان، وأدار ظهره لالتزام “جمهورية حرية وعدالة ومساواة” بدعم مبادئها وقيمها حول العالم.. 

وفعل ماكرون في لبنان نفس ما فعل في أفريقيا؛ ففي القارة السمراء، وتحت تبرير أنه مضطر لإعطاء أولوية لمبدأ الأمن والاقتصاد، دعم القوى الافريقية التقليدية والدكتاتورية وسلالات توارث الحكم؛ وهنا في لبنان، وتحت مبرر “أن الثورة في بلد الأرز ليست طريقة للتغيير”، دعم تسوية المحاصصة بين أحزاب الطوائف، وتجاهل خطاب قوى التغيير في مستقبل البلد؛ وأيضاً تحت مبرر أن سليمان فرنجية لديه فرصة ليكون رئيساً، أيّد ماكرون انتخابه. وأدار ظهره لفرصة أن البلد بحاجة لرئيس يتمتع بمواصفات الشفافية والحداثة. 

وبإسم الواقعية السياسية، فاوض ماكرون حزب الله على إنتاج استحقاق رئاسة الجمهورية، وبالغ بذلك لدرجة أن اتجاهات في الخارجية الفرنسية اعتبرت أن الإليزيه باتت تنفذ في لبنان سياسة حارة حريك، أو أقله تتقاطع معها ضد المعارضة. وخلال تشكيل الحكومة في آخر عهد الرئيس ميشال عون، أيّد ماكرون نظرية أنه حتى يمكن إنتاجها يجب الانصياع لمطلب بعبدا بخصوص أن يستمع الرئيس السني المكلف لشروط جبران باسيل؛ وقال ماكرون حينها ذلك؛ علماً أن الشعب اللبناني، كان يطالب في الشارع بحكومة انتقالية متحررة من أحزاب الطوائف والانهيار!!.

وفي ظرف أن فرنسا تدفع اليوم ثمن “خيانة الديقراطية” في أفريقيا، سيصل لودريان إلى لبنان ومعه سؤالين اثنين للبنانيين، ولكن المفارقة تقع في أن الشعب اللبناني بات لديه اليوم بعد الحدث الأفريقي، ألف سؤال وسؤال لماكرون ولمبعوثه، وكلها تندرج تحت العنوان الكبير: “خيانة الديموقراطية”!!.

Exit mobile version