الهديل

خاص الهديل: هذه هي النتائج التي أراد هوكشتاين الحصول عليها: “الرجل الصحيح في التوقيت الصحيح”!!.

خاص الهديل:

أنهى مبعوث الرئيس الأميركي للطاقة اموس هوكشتاين زيارته للبنان، وقد ترك في أثره بعض الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالأهداف الحقيقية لزيارته الأخيرة إلى كل من لبنان وإسرائيل..

وهناك حصيلة متداولة لنتائج وأهداف زيارته، تجمعت لدى أوساط عربية معنية بمتابعة ملفات أزمة لبنان، والتوتر القائم على الحدود اللبنانية الفلسطينة، ومستقبل التنقيب في البلوك رقم ٩، الخ..: 

الهدف الأول لزيارة هوكشتاين هو متابعة المرحلة الراهنة من الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل. وهناك مفهوم لدى هوكشتاين لهذا الاتفاق وهو أنه “عملية سياسية طويلة” أو بتعبير أدق “مسار استراتيجي طويل” كانت ذروته لحظة توقيع الاتفاق؛ ولكن محطاته القادمة تعتريها الكثير من الأهمية والتعقيدات الإقليمية؛ وعليه فإن مهمة هوكشتاين بموضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل انتهت، ولكن عمليتي توجيه وترشيد نتائج هذا الترسيم وتحصينه لم تنته؛ وهي مهمة مستمرة لسنوات قادمة أو حتى لعقود عدة. 

ويستفاد مما تقدم أن أمن الطاقة في لبنان بات ملفاً أميركياً بامتياز، حتى لو أن الشركات المنقبة في البلوكات اللبنانية هي فرنسية وإيطالية وقطرية؛ والسبب يعود لكون هذا الملف هو ملف مشترك بين أمن الطاقة اللبناني والإسرائيلي، وهو ملف متقاطع مع استراتيجية بايدن بحرب الغاز ضد بوتين..  

ومنطق الأمور داخل مهمة هوكشتاين يقود واشنطن لاعتبار أن الاستقرار في الجنوب اللبناني، أصبح له في اعتباراتها جانبان إثنان: الأول صلته بالتزام أميركي تاريخي بأمن إسرائيل؛ والثاني صلته بالتزام أميركي استراتيجي بأمن الطاقة في المتوسط.. 

ومن هنا تؤكد مصادر واكبت الجوانب العميقة من زيارة هوكشتاين للبنان وإسرائيل؛على أن آخر أمر يمكن أن تسمح واشنطن الديموقراطية أو الجمهورية بحصوله في المنطقة، هو نشوب حرب إسرائيلية مع حزب الله في لبنان.. وبكلام أوضح، فإن جنوب لبنان أمنياً دخل مرحلة الاستقرار المحمي أميركياً كونه حاضنة لاستكمال تنفيذ الاتفاق التاريخي البحري بين لبنان وإسرائيل؛ فيما لبنان سياسياً لا يزال خارج الاهتمام الأميركي المباشر به!!.

وتم لحظ هذا الفصل في سياسة أميركا اللبنانية من خلال أن هوكشتاين تحدث عن الوضع في الجنوب بلغة تؤكد أن واشنطن معنية بكل الملفات المثارة هناك: اليونيفيل؛ نقاط التحفظ؛ عمل الحفارة، الخط الأزرق والخط البري الحدودي، الخ.. أما عن الوضع الداخلي اللبناني، فتحدث هوكشتاين بلغة أنه يدعو وليس يريد؛ فهو دعا لتطبيق الإصلاحات التي يطلبها البنك الدولي؛ ودعا لانتخاب رئيس للجمهورية بالسرعة وبالمواصفات التي تريدها اللجنة الخماسية، وقال إن دور بري بملف الغاز جيد، ولكنه لم يعلق على الانتقادات الموجهة للدور الداخلي لبري. 

والخلاصة في هذه النقطة، هي أن واشنطن تتعاطى مع لبنان على أنه ملفان اثنان: “ملف الغاز والجنوب” بوصفه ملفاً واحداً؛ وهو تحت عناية البيت الأبيض وهوكشتاين.. و”ملف الوضع الداخلي اللبناني”، وهو ليس ملفاً أميركياً ملحاً، وتتعاطى معه واشنطن بسياسة “تأمين الحد الأدنى لاستمرار استقرار الحد الأدنى” في لبنان.. 

الحصيلة الثانية المستفادة من الوقائع التي صاحبت زيارة هوكشتاين للبنان وإسرائيل تظهر أمراً مهماً، وهو أن خلفيات زيارته لإسرائيل لم تكن هي ذاتها الخلفيات التي وجهت زيارته للبنان.. ففي تل أبيب اهتم هوكشتاين بدرجة أولى، بتفحص مدى ابتعاد إسرائيل والسعودية عن لحظة التوصل إلى تطبيع علاقاتهما؛ وهوكشتاين معني جداً بأن يكون هو شخصياً بطل وضع القلادتين الذهبيتين اللتين يريد بايدن بحماس وضعهما على صدره، وتقديمهما للرأي العام الأميركي والعالمي، على أنهما الإنجازان الخارجيان التاريخيان لولايته: الأولى هي قلادة “الاتفاق التاريخي” البحري بين لبنان وإسرائيل، وهو أمر ناله بايدن، وحققه له هوكشتاين؛ والثانية هي قلادة “اتفاق التطبيع التاريخي بين السعودية وإسرائيل”، وهو أمر يراه بايدن بدأ يبتعد نتيجة أن نتنياهو لا يريد دفع الثمن السياسي المقابل لحصوله. 

.. أما بالنسبة للبنان فقد جاء هوكشتاين لتصحيح المسار الذي طرأ عليه بعض الاعوجاج.. وكي يسهل فهم معنى مهمة هوكشتاين هذه، يجدر إدراك معطى يتعلق بهوكشتاين ذاته، الذي يسمى في أميركا وإسرائيل بأنه “الرجل الصحيح في الوقت الصحيح”؛ وهذا يعني أنه مبعوث يتم اختيار توقيت قيامه بالمهمات بدقة، وهناك ثقة بأنه سينجح بإتمام هذه المهمات بكل دقة. 

..وضمن تعريفه هذا، وصل هوكشتاين إلى إسرائيل ليصحح “اعوجاج التوتر” (المصطلح أميركي) على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية الذي يرافق وصول منصة الحفر للبلوك رقم ٩، بحيث يبقى “المنزلق الحالي بين تل أبيب وحارة حريك في وضع متوازن”.. والواقع أن الحفاظ على هذا الوصع المتوازن – بحسب هوكشتاين – يحتم استبعاد الافتراض أنه ستتم حالياً عملية ترسيم للحدود البرية بين لبنان وإسرائيل نتيجة خلافات الرأي الكبيرة حولها؛ وبخاصة حينما تتضمن المفاوضات “الزاوية السورية” (حسب تسمية واشنطن وتل أبيب) كمزارع شبعا والفجر. 

.. أضف لذلك أن واشنطن ومعها تل أبيب لا تزالان تستبعدان سورية من أية عملية حلول في المنطقة رغم عودتها للجامعة العربية.

وهناك قرار أميركي بعدم الدخول بمفاوضات على الحدود البرية حالياً؛ وعدم جعل الحدود البرية في ملف واحد مع الحدود البحرية؛ أما كلام إسرائيل الراهن عن ترسيم الحدود البرية، فهو لا يتعدى نطاق المناورة التكتيكية المخططة من قبل هوكشتاين.. 

هدف ثالث جاء هوكشتاين من أجله إلى لبنان يمكن تلخيصه بالاحتواء المسبق لما يسمى “بأزمة توقعات” قد تحدث للبنان في الأشهر المنظورة.. 

وسبب “أزمة التوقعات” هو أن يحصل “نتيجة جافة” للتنقيب في البلوك ٩؛ أو العكس، كأن يكون هناك كميات تجارية من الغاز في البلوك ٩ تثير الحماسة في لبنان للضغط على الفرنسيين للتنقيب في بلوكات ثانية.. 

.. ما فعله هوكشتاين بخصوص معالجة أزمة التوقعات هو أمران: الأول وضع مفهوم للتنقيب الناجح يقوم على “تنسيق التوقعات” بحيث يكون منحاها العام إيجابياً..

الأمر الثاني الضغط على الحكومة وبخاصة وزارة الطاقة لإجراء إصلاحات في قطاع وقوانين الطاقة في لبنان.. 

تبقى أسئلة في ذهن “الرجل الصحيح للتوقيت الصحيح” (أي هوكشتاين)، لم يطرحها في زيارته الراهنة للبنان، لأن الوقت المناسب لم يحن بعد لطرحها؛ وهي ما العمل إذا كان هناك في بلوكات لبنان كميات تجارية؛ هل سيحتم هذا الأمر الحديث عن “حقل مشترك لبناني إسرائيلي”؟!.. وإذا كانت الكميات محلية، فأين الحدود الجديدة التي سترسمها أميركا لاستمرار التزامها بملف الطاقة في لبنان؟!..

Exit mobile version