الهديل

خاص الهديل: قصة الجبهات الإيرانية الخمس مع إسرائيل: “لبنان الملجأ”!!

خاص الهديل:

يركز الإعلام العبري منذ فترة على فكرتين أساسيتين في إطار ما يمكن تسميته “بحربه الباردة” وأيضاً “حربه النفسية والإعلامية” ضد إيران وحزب الله: 

الفكرة الأولى عنوانها الشيخ صالح العاروري.. ومفادها أن نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس الذي يستضيفه السيد حسن نصر الله شخصياً في الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل حزب الله)، هو قائد مهمة “تثوير الوضع” ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية؛ وذلك بالتنسيق مع فيلق القدس في الحرس الثوري ومع حزب الله.

وتركز إسرائيل في تظهيرها لهذه الفكرة على معطى أن العاروري لديه شبكة علاقات واسعة داخل مجتمع الضفة الغربية، وخاصة بين عائلات منطقة نابلس وجنين؛ والسبب في ذلك يعود لكون العاروري هو من القياديين القلائل في حركة حماس الذين هم في الأصل من سكان الضفة الغربية. ومعروف أن معظم قيادي حماس هم من قطاع غزة. 

ويصل هذا السرد الإسرائيلي عن العاروري لتقديم استنتاج يقول التالي: 

– ان العاروري مسؤول بنسبة كبيرة جداً عن تمكين إيران وحزب الله بالدخول عسكرياً واستخباراتياً وأمنياً إلى داخل الضفة الغربية..  

– ان العاروري هو أحد أبرز ممثلي حماس الذين خططوا منذ سنوات مع نصر الله ومع فيلق القدس “إستراتيجية تثوير الوضع في الضفة الغربية”، وعسكرته، وجعل الضفة الغربية لها صفة “الجبهة الرابعة” في حرب “محور المقاومة” الحليف لإيران ضد إسرائيل. وقبل عسكرة وضع الضفة، كانت جبهات “محور المقاومة” ثلاث: جبهة غزة وجبهة جنوب لبنان؛ وجبهة لا تزال قيد الإنشاء في منطقة جنوب دمشق وعلى الحدود السورية مع هضبة الجولان المحتلة. والواقع أن الجبهة الأخيرة لم يتم بناؤها على نحو متين حتى الآن، أو أقله لم تتفاعل إيجاباً بالسرعة التي تفاعلت فيها الضفة الغربية مع فكرة تحولها إلى “بؤرة مقاومة ملتهبة”، وإلى جزء من جبهات محور الممانعة الأربع. والسبب في ذلك هو أن الضفة لديها إرث متصل في المقاومة ضد إسرائيل، وهي جاهزة للإلتقاء مع أية فكرة تضيف إلى مشروع المقاومة فيها، زخماً إضافياً؛ أما جبهة الجولان فهي تخضع لحسابات مصالح الدولة السورية، وحسابات قواعد الاشتباك بين موسكو وتل أبيب في سورية؛ وإلى معادلة النظام السوري بخصوص التوقيت والزمان، الخ.. 

وبكل حال فإن الجبهة الثالثة بمقابل الحدود مع هضبة الجولان المحتلة، تعيش حالة مد وجذب، بحيث لا يمكن إسقاط حضورها في مشروع الجبهات الأربع، رغم عدم اكتمال بنائها.. 

.. وداخل هذا المناخ ذو الصلة ببناء “جبهات محور المقاومة مع إسرائيل”، هناك توجه لبناء “الجبهة الخامسة” التي سيعهد بها إلى عبد الملك الحوثي الأمين العام لأنصار الله في اليمن. هذه الجبهة تحدث عنها الزعيم الحوثي أكثر من مرة، وذلك عندما قال أن صواريخ أنصار الله تطال إسرائيل؛ وأن أنصار الله واليمن هما جزء من مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني؛ وعندما قال أن لدى أنصار الله جبهة مع العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر.   

والواقع أن الإعلام الإسرائيلي يتحدث منذ فترة ليست قصيرة عن ما يسميه بتورط إيران بمشروع بناء جبهات عسكرية حولها في البر والبحر من أجل تهديدها وتوجيه ضربات عسكرية استنزافية لها.. 

وبغض النظر عن مدى صدق هذا الكلام الإسرائيلي؛ فإن الفكرة الأساسية هنا هي أن تل أبيب باتت تشعر بأن موازين “حربها الباردة” مع إيران والتي يتخللها ضربات أمنية متبادلة، بدأت تميل لصالح طهران التي نجحت في اختراق أمن إسرائيل المباشر في الضفة الغربية (عبر التنسيق مع حماس بشخص العاروري)، وأمنها الإستراتيجي في البحر الاحمر (عبر الحوثي) ومجال أمنها اللصيق بها على حدودها مع سورية ومع لبنان (عبر حزب الله)..

.. ولكن بمقابل كل المعطيات الواردة أعلاه؛ فإن ما يجدر التنبه إليه هنا، هو أن هذه الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي تريد تصوير المقاومة في الضفة الغربية بوصفها جزء من إستراتيجية الجبهات الأربع أو الخمس، إنما هي حملة تخفي وراءها غاية أساسية مقصودة، وهي أن خلفيات تعاظم مقاومة الضفة الغربية، ليست كلها فلسطينية، وليس سببها رد الفعل الفلسطيني على الاحتلال، بل هناك جزء أساسي منها تتحرك انطلاقاً من صلتها “بمشروع إيران لهز استقرار المنطقة”!!.

إن حكومة أقصى اليمين تبحث في هذه المرحلة عن أمرين إثنين؛ الأول هو إيجاد البراهين التي تؤكد لمجتمع النخب الأميركي السياسي أن إيران هي بالفعل تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل؛ ولذلك مطلوب من صناع القرار الأميركي أخذ هذا الاعتبار بعين الجدية، حينما يفكروا بإبرام أية تسوية مع إيران.. 

.. والأمر الثاني الذي تريده حكومة أقصى اليمين هو إظهار أنه لا إمكانية للتسوية السلمية مع الشعب الفلسطيني المتطرف، وأن الحل ليس بحل الدولتين كما يطالب جماعة لابيد، بل بقمع طموح إقامة الدولة الفلسطينية عند الفلسطينيين. 

يبقى القول أن الهدف الثاني الأساسي الذي تركز عليه تل أبيب من وراء حملتها الإعلامية الراهنة، هو إظهار أن لبنان تحول إلى ملجأ لكل قادة الفصائل الفلسطينية المشاركة في إستراتيجية تثوير الضفة الغربية، ابتداء من العاروري إلى زياد نخالة أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، إلى قادة آخرين!!. وهنا تضع تل أبيب علامة استفهام خبيثة وراء سؤال تطرحه بالظاهر على نفسها، ولكنها بالعمق تطرحه على أميركا وعلى المجتمع الدولي، ومفاده كيف يجب التعامل مع لبنان الذي حوله نصر الله إلى بيئة آمنة للقادة الذين يخططون لايذاء إسرائيل أمنياً وتفجير وضعها الداخلي عسكرياً؟؟!!.

Exit mobile version