“بيت اليتيم الدرزي”: مفترس الأطفال بالسجن والفضائح تتناسل
لم يحتج قاضي التحقيق، نادر منصور، إلى مزيد من الجلسات للاستماع إلى شهادات ضحايا بيت اليتيم الدرزي. توضّح كل شيء أمامه، وباتت المعطيات كافية لتحويل قضية المتهم (ر.ذ.)، وهو موظف منذ أكثر من 30 سنة في الميتم، إلى النيابة العامة بانتظار إصدار القرار الظنّي. يُذكر أن النيابة العامة ردّت طلبات إخلاء سبيل المتهم (ر.ذ.)، أكثر من مرة، والتي تقدم بها محاميه نبيل كيروز، قبل تنحيه عن القضية.
تتوالى شهادات ضحايا الميتم منذ تموز الماضي، والتي شملت الاغتصاب والتحرش وسوء معاملة الأطفال. اللافت، أن بعض هذه الشهادات تعود لأشخاص عاشوا في الميتم منذ أكثر من 30 سنة، ما يطرح علامات استفهام حول تكتّم الإدارة عن هذه الممارسات. تشغل الإدارة نفسها اليوم بالتنصل من القضية، مرة بتنظيم وقفة تضامنية معها، ومرات بوصف شهادات الضحايا وما يُشاع في الإعلام بـ”الحملة المدبّرة”.
استقالة النكدي وتشكيك بالشهادات
الأحد الفائت، أصدر مجلس أمناء بيت اليتيم الدرزي بياناً، أعلن فيه استقالة المديرة التنفيذية للميتم حياة النكدي. “ليس لدي ما أقوله”، هو الرد الوحيد الذي تلقته “المدن” خلال الاتصال بالنكدي، قبل أن تقفل الخط. شدد البيان على عدم التهاون مع أي موظف يثبت إهماله أو إخلاله بالمهام الوظيفية. لكن اللافت هو انتظار المجلس أكثر من شهر ونصف الشهر لاتخاذ أي خطوة.
مقابل هذا البيان، وتحديداً يوم الثلاثاء 29 آب المنصرم، شكّكت لجنة “أصدقاء وأبناء بيت اليتيم الدرزي” بشهادات الضحايا، التي اعتبرت أن “بعض الخرّيجين من بيت اليتيم قدموا شهادات حق تشيد بالمؤسسة وبالقائمين عليها، وشاركوا الحاضرين ذكرياتهم عما شهدوه من رعاية وتربية وتعليم، ساهمت في نجاحاتهم وفي بناء مستقبل زاهر لهم ولأسرهم”. صدر هذا البيان بعد وقفة تضامنية في دار المؤسسة في عبيه، ضمّت إلى جانب اللجنة عدداً من المشايخ والوفود.
علمت “المدن” أن المدعى عليه (ر.ذ) نُقِل من مخفر حبيش إلى سجن رومية بانتظار قرار النيابة العامة. تواصلت “المدن” مع محاميه السابق نبيل كيروز الذي أقفل الاتصال رافضاً التعليق. بعد تكرار التواصل معه، اكتفى بالتأكيد على أنه “اعتزل الوكالة قبل أكثر من أسبوعين لأسباب قانونية، ولا معلومات عن تعيين محامٍ جديد”.
بالتوازي، وخلال حديثه مع “المدن”، أكّد محامي مؤسسة بيت اليتيم الدرزي كميل فينيانوس ادعاء المؤسسة على (ر.ذ.) قبل أكثر من أسبوعين. يرفض الربط بين استقالة المديرة التنفيذية وتورط الإدارة في مختلف التهم الموجهة لها، معتبراً أن “لا ذنب لها بمارسات أستاذ، فهي لم تقل له أن يفعل ذلك!”. ينشغل فينيانوس اليوم بالادعاء كل من “تعدى على بيت اليتيم” من خلال نشر الأخبار الكاذبة، وأشار إلى أنّ سبع دعاوى بانتظار “من لديهم غاية تشويه صورة المؤسسة”.
فساد المستودعات
مع تتالي الشهادات وتناول ملف سوء وجبات الطعام المقدمة للطلاب، عمدت المؤسسة إلى تنظيف مستودعات المواد الغذائية الفاسدة، وهو ما وثّقته صور وفيديوهات تظهر شاحنات تنقل المواد الفاسدة من المستودع. قبل أسبوعين، حاولت إحدى الصحافيات التواصل مع المديرة حياة النكدي لزيارة الميتم، والتأكد من المواد الغذائية ونظافة المستودعات، لكن الأخيرة رفضت استقبالها وطلبت منها تأجيل هذه الزيارة إلى وقت لاحق.
“استقالت المديرة التنفيذية نتيجة الضغط الكبير الذي تعيشه، وهي أدت مهامها طوال سنوات وحان الوقت لترتاح”، قال رئيس مجلس أمناء مؤسسة بيت اليتيم الدرزي أنور النكدي لـ”المدن”. اكتفى بالإجابة بعبارة “علينا الآن الاهتمام بالخطوات المقبلة المتعلقة بالأطفال وعدم الرجوع لقضايا الماضي”(!) عند سؤاله عن حقيقة الفيديوهات التي تظهر نقل المواد الغذائية الفاسدة، قبل أن يقفل الاتصال رافضاً الاستماع للأسئلة الأخرى.
اتحاد حماية الأحداث يتدخل
من جهتها، أكّدت رئيسة اتحاد حماية الأحداث في لبنان أميرة سكّر أنها زارت الميتم مرات عدة رفقة اختصاصيين من الاتحاد. وقدّم الاتحاد توصيات واقتراحات في تقرير أرسله للنيابة العامة التمييزية والاستئنافية. وذكرت سكّر أن “استقالة حياة النكدي كانت من بين الاقتراحات، باعتبار أن القرارات المتخذة في المؤسسة لا يمكن حصرها بشخص واحد، خصوصاً وأن سنّ النكدي لم يعد يسمح بتأدية مهامها كما يجب”.
وأضافت سكّر لـ”المدن”: “قدّم الاتحاد شكويين في النيابة العامة، الأولى ضد مجهول سرّب مضمون التحقيق مع أحد القاصرين، وتمّ نشره على منصات التواصل الاجتماعي، والثانية ضد زوجة (ز.د.) التي يشتبه بضغطها على الأطفال في الميتم”.
يقلق ناجون من المسار الذي ستسلكه القضية، وسط علمهم بالضغوط التي تلف القضية. استقالة النكدي وادعاء مؤسسة بيت اليتيم الدرزي على (ر.ذ.) بعد شهر تقريباً على فضح المستور، هما دليلان على ثبوت التهم، أقلها الجزء الأكبر منها.
في النتيجة، يبدو أن فضيحة التحرش والاغتصاب شكّلت باباً لفضح الكثير في المؤسسة التي كشفت شهادات أطفالها كيفية إدارتها.. والأيام ستتكفل حتماً بكشف المزيد