شيخة غانم الكبيسي:
رفقاً بأرواحكم
غالباً ما تعمل الآلة الكهربائية كالتيربو حين تكون جديدة لتثبت لك صلابة أجزائها وأصالة معدنها وإن تركتها تعمل طوال اليوم فلن تتذمر، ولكن بعد مرور الأيام المتتالية والأشهر المتتابعة قد تصرخ حرارتها مرتفعة طالبة مساحة من الراحة أو مساندة خارجية كتغيير بعض القطع التي تساعدها على الاستمرار وإلا فإنها ستنهار ولن تنفعها كل وسائل الصيانة، وسترغب سريعاً باستبدالها بأخرى بعد ان يكون مصير الأولى الاعدام بمكب النفايات.
كحال اجسادنا البشرية تُحركها الطاقة الكامنة والمُحيطة بشتى أنواعها وتؤثر على اتزانها الحيوي بموجاتها الكهرومغناطيسية لنشع نشاطاً بالمراحل العمرية الأولى، وبما ان كلمة طاقة تتسع لتشمل الطاقة الحيوية والفكرية والروحية، فكل حركة يقوم بها الإنسان سواء كانت عضلية أو فكرية هي استنزاف لهذه الطاقة، لذا فعملية التزويد بالطاقة يجب أن تكون مستمرة وبشكل وقدر صحيح لضمان استمراريتها بالمراحل العمرية المتقدمة.
ففي كل فرد منا مخزون طاقي مختلف، كما هناك ما يُميز كل مرء عن الآخر (حسب تقديره الخاص) والذي عادةً يكون صادقاً، فمكنوناتك وقدراتك انت الكفيل الوحيد بقياسها وتقديرها، ولن يحدث ذلك إلا بالتمعن الداخلي والبحث عن كنوزها الخاصة، كأن تُزيل الشوائب التي خلفها غبار الايام، لتلمع ويشع ضوئها، وليشتغل كل منا على نفسه ويصنع رؤيته للحياة ويعمل على تغيير حياته للأفضل بتنمية مهاراته ولغته وتعديل سلوكه اليومي وتصحيح علاقاته الداخلية والخارجية.
ولكن رفقًا بأرواحكم، خلقها الله لكم أمانة؛ ليس لتعذيبها بل لتهذيبها، والمسافة بين التعذيب والتهذيب كبيرة.
قد لا ننتبه لتلك الفروقات بينهما لفترة من الزمن حين تجرفنا الحياة وتغوينا، لنتعارك مع أرواحنا قبل الآخرين فنتصادم معها ونجبرها على تحمل ما لا تطيقه في سبيل الغاية التي تبرر كل الوسائل، فمنا من يعمل ليل نهار ليثبت جدارته ويحقق طموحاته وهناك من يعيشها في سكون دائم إلى ان تحين اليقظة، ويحين وقت رؤية الصورة الكونية الكبرى لكل ما هو يحيط بنا من ماض نجتره أو حاضر نصارعه أو مستقبل نتقاتل عليه.
في حين ان نظرة واحدة للوراء بتمعن وصفاء قد تغنينا عن كل هذا العناء، ولا أقصد هنا التكاسل واللامبالاة بل إني أحث على تجاوزه بالتمعن في المُتع الدنيوية لنستمد منها الطاقة اللازمة لتكملة المسير والاستمتاع بالطريق دون التعرض للتدمير الذاتي الذي ينتج عن الاضطرابات الرهابية النوعية كالقلق المستمر والغير منطقي والخوف الشديد من أشخاص أو ظروف أو أشياء.
وكل ذلك بسبب إعطائها قيمة أكبر مما تستحق، فهناك مقولة تقول: لا تعطي الأشياء أكثر من حجمها فالأشجار تموت من كثرة الماء.
أحرص على ألا تدع أبواب القلق الوهمية تُفقدك لذة الاستمتاع بحياتك، فلا تنغمس في عالمه، فالإنسان بطبيعته لو تدرج فكريًا لعلِم أنه يعيش في العديد من الأوهام المختلفة التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع. لا تدع الأمور الصغيرة تُشكِّل عائقًا في حياتك فتُلقي كل اهتماماتك وتركيزك عليها وتنسى الأمور الأهم التي تُشكِّل رابطًا أساسيًا في العديد من أمور حياتك.
أنظر جيدًا لما حولك وودع ساعاتك التي تقضيها بالقلق والتفكير ليكون لها معنى أجمل في عالم الاستمتاع الروحي، ويكون ذلك بالتخلص من الخوف الذي يُحيط بك من كل جانب، ذاك الذي يستنفد طاقاتك ويُلقي بك في غِياهب الهزيمة الذاتية.
أفسح مجالاً للحب في حياتك ليتغلغل بداخلك ويتناغم مع كلّ من حلق بحياتك خيرًا ولكن، الاهتمام الرئيسي يكون لشؤونك الذاتية – دون أنانية ـ التي وقفت أمام ريح الأيام كثيرًا وصمدت وحان قطافها لتكتسب الهدوء الذاتي الذي سيحقق لك كل غاياتك دون اللجوء للاحتراق في بوتقة مخاوف اختلقتها افكارك التي استنبطتها من تجاربك السابقة، فكلنا نتغير والظروف كذلك لا يغيب عنها التغيير بل هو مبدأها.
ثِق بحدسك وتَمحَّص تلك الأمور الخارقة وسط الأمور العادية ولا تكن عشوائيًا بإدارة حياتك، فقم بتنظيم جدول زمني يقودك نحو تحقيق الفكرة العامة. كن واثقًا بقوةِ أفكارك واطلب رجاءً من توجهاتك الذهنية بأن تكون إيجابية فهي رفيقتك طوال حياتك، استغلها وتخل عن الفكرة التي تستنفد طاقة الإبداع في داخلك والتي توحي بأنه يجب عليك أن تحصل على كل شيء وما دون ذلك فالموت أحق، فهذا هراءٌ يقودك للفشل والهزيمة.