الهديل

خاص الهديل: “الشيعية الحزبية” و”الشيعية الشعبية”: مفهومان للشراكة!!

خاص الهديل:

يواجه حزب الله، أكثر من أي وقت سبق، ضغطاً سياسياً مسيحياً غير مسبوق عليه؛ وهو ضغط متعدد المستويات وينطلق ضده من كل الفوهات السياسية المسيحية، سواء الحليفة له أو غير البعيدة عنه أو بطبيعة الحال المعادية له..

وداخل البيئة الشيعية بات يتعاظم طرح السؤال: لماذا يريد ثلاثة أرباع المسيحيين مقاطعة أي حوار يوجد فيه حزب الله(؟؟)؛ أو بتعبير أدق فإن هذه البيئات الشيعية الواسعة – بغض النظر عن انتمائها السياسي – باتت تسأل: لماذا يرفض ثلاثة أرباع المسيحيين الحوار مع حزب الله من دون شروط مسبقة(؟؟)..

صحيح أن الشيعة يشعرون بفائض القوة، وصحيح أن هذا مصطلح يعبر عن حقيقة موجودة؛ ولكن الشيعة بعد تجربة حارة حريك مع المسيحيين العونيين الأكثر تمثيلاً للساحة المسيحية، باتوا يشعرون بأن قوتهم في جانب هام هي “قوة سلبية” عليهم، كونها لا تكفيهم لإنشاء “شراكة” داخل وطنهم.. 

والواقع أن مبدأ الشراكة داخل الوطن، هو أهم شعار ومطلب لدى الشيعة وبالذات لدى الشيعية السياسية الشعبية .. فكل فكرة الإمام موسى الصدر الذي دشن القاعدة الأساسية للشيعية السياسية بجناحيها الشعبي والحزبي، قامت على مبدأ شراكة الشيعة في الدولة.. وخلال فترة ثلثي القرن الماضي كان الشيعة يشكون من التهميش السياسي داخل الدولة لهم، وهذا ما كان يفسر استقطابهم بنسبة عالية من قبل اليسار الأممي البلشفي واليسار القومي العربي.. وحينما جاء موسى الصدر أخذ بيدهم ليتجاوزوا انتماءاتهم اليسارية لمصلحة دخولهم مرحلة الشراكة في النظام السياسي والدولة ومشروع الكيان اللبناني. 

والحق يقال أن الشهابية كانت هي أكبر حليف لفكرة الشراكة عند الشيعة.. ورغم أن الرئيس ميشال عون كان حليفاً كبيراً لحزب الله، إلا أنه لم يكن حليفاً كشهاب لفكرة الشيعية الشعبية الرامية إلى الشراكة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو عن الفرق بين الشيعية الحزبية السياسية والشيعية السياسية الشعبية؛ وهل فعلاً الأخيرة موجودة وبأي معنى(؟؟).. 

لا يتمظهر معنى الشيعية السياسية الشعبية من خلال تصنيفها على أنها قوة منظمة مضادة أو متضادة مع الشيعية السياسية الحزبية المتمثلة في هذه الآونة بحزب الله وحركة أمل.. بل كلاهما له حيويته؛ وكلاهما يمارسان نوعاً من الاجتماعية السياسية الراغبة في إثبات أن الزمن بالنسبة للشيعة تغير؛ وفي حين أن البعض يطلق على هذه الاجتماعية السياسية تعبير احساس الشيعة بفائض القوة؛ فإن الشيعية السياسية والشعبية يرون فيها فائض الحيوية داخل اجتماع السلطة في لبنان، المكتسبة بعد أن كانت مفقودة. 

على أن الفرق بين الشيعية السياسية الحزبية والثانية الشيعية السياسية الشعبية، تقع في أن الأولى تمثل مفهوم السلطة المجرد؛ أي مفهوم نظرة الزعامات السياسية والدينية لدى الشيعة للسلطة؛ أي مفهوم الانتقال من “عطش الحكم” التاريخي إلى الارتواء منه..

أما الشيعية السياسية الشعبية فهي اجتماعية بأكثر مما هي سياسية؛ وتبحث عن تفاعلها داخل اجتماع النظام السياسي في لبنان وداخل امتيازات اجتماع الدولة.. وباختصار فإنها تبحث عن الشراكة المتفاعلة التي تعني نهاية عصر التهميش..  

هناك بعض الآراء التي تقول أن جانباً من نظرة الرئيس نبيه بري للشيعة والحكم، تشبه نظرة الشيعية السياسية الشعبية؛ كخطابه الدائم عن استمرار الحوار وإبرام التسويات بين ممثلي الطوائف داخل مجلس النواب، أو في ردهات مجلس النواب، أو في مقر رئيس مجلس النواب في عين التينة.. 

.. والمقصود هنا أن بري يفهم دوره في رئاسة مجلس النواب، كمسهل للحوار بين الطوائف “بتقنيته الاجتماعية”، وبأكثر من مضمونه السياسي، حيث التسويات من وجهة نظر “الاجتماعية السياسية”، تؤدي إلى حل مشكلة أدوار الطوائف داخل معادلة الحكم؛ وهذه في بلد كلبنان، مهمة تعتبر أهم من حل سبب الأزمة السياسية المفترض أنها جوهر المشكلة..

.. وللمصادقة وربما للغرابة يبدو بري في نظرته هذه لدور مجلس النواب كمكان لتوافق الطوائف ولتسوياتهم، وحتى لتعميق التعارف بينهم، وليس بشكل أولي كمكان للتشريع، يشبه نظرة ميشال شيحا لدور مجلس النواب في لبنان؛ حيث رأى أيضاً الأخير لفترة غير قصيرة، أن أهميته العملية الأولى في “بلد له فرادة لبنان”، ليس أساساً التشريع، بل قبل ذلك في أنه يلعب دوراً لالتقاء الطوائف تحت سقفه، ليتعارفوا أكثر وحتى يبرموا التسويات فيما بينهم باستمرار.. فالبرلمان منذ شيحا حتى بري هو مجال للتشريع، ولكنه بالأساس، وقبل ذلك، هو مكان لحوار والتقاء الطوائف؛ وهذا ما يمكن تجاوزاً تسميته بـ”الاجتماعية السياسية” في لبنان التي من جانبها تنتهجها عملياً الشيعية السياسية الشعبية التي تحاول ضمن معناها ممارسة مفهومها للمشاركة وتحقيق مصالحها داخل الدولة والوطن. 

.. يبقي القول أن بري يزيد على شيحا في كونه يعتبر نفسه “مشروع تسوية يومية” بين طوائف البرلمان، وليس بين نواب المجلس.. فمطرقة بري لا يستعملها بالأساس لضبط استمرار الانتظام الدستوري العام، بل أساساً لضبط تسوية انتظام علاقات الطوائف..

Exit mobile version