خاص الهديل:
لا أحد في لبنان يريد حالياً انتظار لودريان موفد الرئيس الفرنسي إلى لبنان. أولاً لأن التطورات حرقت سؤاليه اللذين تركهما في عهدة الكتل النيابية اللبنانية.. وثانياً لأن لودريان الفرنسي تغير ولم يعد هو ذاته الذي جاء قبل أسابيع إلى لبنان، والسبب هو الصفعة الأفريقية التي طالت فرنسا في أفريقيا..
أبعد من كل ذلك، فإن أموس هوكشتاين وهو موفد الرئيس الأميركي بايدن لشؤون الطاقة، جاء قبل أيام إلى لبنان وسأل عن الغاز، ولم يسأل عن حل الشغور الرئاسي!!.
والمعنى هنا هو أنه إذا كان الأميركي الأصيل، والذي يحمل صفة أنه يستطيع أن يتكلم بإسم رئيس أميركا، جاء “بشحمه ولحمه” إلى لبنان، ولم يبد أي اهتمام بالبحث عن الحل اللبناني ولا عن الشغور الرئاسي؛ فكيف يمكن والحال هذا، لأي لبناني أن يصدق لودريان حينما يقول انه يعبر ليس فقط عن اهتمام فرنسا بالحل في لبنان، بل أيضاً عن الإهتمام الأميركي.. وأنه يتحدث نيابة عن واشنطن بخصوص مشاكل لبنان الداخلية، في حين أن هوكشتاين كان في بيروت قبل أيام، ولم يتحدث عن مشاكل لبنان الداخلية..
أضف إلى ذلك أن لودريان يعرف أن المشكلة ليست في لبنان، وحلها ليس بيد اللبنانيين؛ وأن سؤاليه كان يجب أن يوجه اولهما لبايدن وذلك حول هل تعتزم إدارته أن تسعى حالياً للقيام بجهد من أجل الحل في لبنان (؟؟)؛ وأن يوجه سؤاله الثاني لطهران حول هل تقبل إيران بتسوية مع أميركا في لبنان، تتضمن تنازلات من قبلها(؟؟)..
والمنطق يقول أيضاً أن لودريان يعرف أنه لا سمير جعجع ولا جبران باسيل ولا حتى الرئيس بري يملكون أجوبة عن أسئلته حول الحل في لبنان، كون الثلاثة ومعهم القادة اللبنانيون يعرفون ماذا يريدون لحل مشاكلهم، وماذا لا يريدونه من الحل العام؛ ولكنهم لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا الثمن المطلوب منهم أن يدفعونه كثمن للحل في لبنان!!.
وطالما أن لودريان لا يسأل واشنطن ولا طهران؛ وطالما أنه يستمر بانتظار الأجوبة على أسئلته من مسؤولين لبنانيين لا يملكون أجوبة عن الحل، بل يملكون أسئلة عن حلول لمشاكلهم، فهذا يعني أن موفد الرئيس ماكرون يحتاج إلى عمر آخر، فوق عمره المكتوب له، حتى ينجز بداية حل مع السياسيين اللبنانيين.
وحالياً بات ينطبق على لودريان وسؤاليه، وقائع قصة الروائي الأميركي اللاتيني ماركيز التي وضع لها عنوان “ليس لدى الكولونيل من يكاتبه”؛ ولودريان بعد تجربة إرسال سؤاليه للمسؤولين اللبنانيين عن رأيهم بمواصفات فخامة الرئيس العتيد، سيجد نفسه أنه دخل حالياً طور أن المسؤولين اللبنانيين سيتركون في صندوق بريده ليست أجوبتهم على سؤاليه بل أسئلتهم عن مواصفات الوسيط المطلوب لحل الأزمة في لبنان..
والواقع أنه من خلال تحليل طبيعة مواقف زعماء طوائف الأزمة من سؤالي لودريان؛ بات يمكن القول استعارة عنوان قصة ماركيز لتصبح “ليس لدى لودريان من يكاتبه”..
وإذا كانت مشاكل فرنسا في أفريقيا، تؤشر إلى أن ماكرون لا يستطيع حل مشاكل باريس مع مستعمراتها القديمة في القارة السمراء، فحريٌ إذن باللبنانيين الاعتقاد بأن موفد ماكرون لن يستطيع حل أزمة دولة لبنان الكبير التي هي إحدى دول الانتداب الفرنسي القديم..
إن الوقت الحالي هو مرحلة خروج نفوذ وأدوار فرنسا من مستعمراتها القديمة، ومن دول انتدابها القديمة، وليست هي مرحلة سطوع شمس نفوذ فرنسا في سماء هذه الدول.. وقديماً قال البطريرك الماروني أن “فرنسا شمس تنير عن بعيد وتحرق عن قريب”؛ واليوم أصبحت فرنسا السياسية شمساً خافت نورها عن بعيد، ولا يكفي نورها لإشعال حتى لفافة تبغ عن قريب..