الهديل

خاص الهديل: معارك تهجير عين الحلوة: تحويل “اللاجيء الفلسطيني” إلى “نازح فلسطيني”!!

خاص الهديل:

لم يكن مفاجئاً تجدد الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، خاصة وأن الجماعة الإسلامية المتطرفة، رفضت تسليم قاتل مسؤول الأمن الوطني أبو أشرف العمروشي، ورفضت الانسحاب من المدارس كي تبدأ وكالة الأونروا العام الدراسي للتلاميذ اللاجئين الفلسطينيين.

الرواية التي اعتمدها الإعلام ليلة أمس هو أن فتح بادرت إلى إطلاق قذائف كي تجس نبض خارطة انتشار المجموعات الإسلامية المتطرفة؛ فردت الأخيرة بنوع من الهجوم التكتيكي المعاكس.

وقالت هذه الرواية أن القوة الفلسطينية المشتركة حاولت تنفيذ قرار هيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تضم كل فصائل المخيم، بإرغام المسلحين المتطرفين على إخلاء المدارس لكنها فشلت.. 

وليس معروفاً من هو الطرف الذي قام أمس فعلياً بجس نبض خارطة انتشار ومدى قوة الطرف الآخر: هل هي فتح والأمن الوطني أم مجموعة الشباب المسلم؟؟.

والسبب الذي يدعو إلى طرح هذا السؤال هو أن حجم تبادل إطلاق النار الذي جرى بين الطرفين أمس كان كثيفاً ويعكس حالة استنفار وتوتر مسبق من قبل الطرفين.

والمهم هنا هو أنه لم يلحظ المراقبون العسكريون أن هناك طرفاً كان يدير لعبة إطلاق نار استكشافية؛ بل أن الطرفين نفذا عملية إطلاق نار متوترة وقلقة وتدميرية وتهجيرية، وليست منضبطة بتنفيذ خطة عسكرية استكشافية، بدليل أن إطلاق النار في المخيم من الطرفين طال مدينة صيدا التي سقط من أهلها جريح، بينما لم يسجل سقوط أي إصابة بين الفريقين المتقاتلين.. 

وبالخلاصة يمكن القول أنه في جولة عنف ليلة أمس، كما في جولة العنف الماضية، اتسم إطلاق النار في المخيم بأنه تدميري وطائش، بأكثر من كونه إطلاق نار منظم، يغطي عمليات اقتحام عسكرية، أو أنه سجال بالنار بين مواقع عسكرية.. 

ومرة أخرى يطرح نفسه اليوم ذات السؤال الذي تم طرحه بعد مقتل العمروشي، وهو هل هناك “جهة ما” أخذت قرار إشعال نار المخيم وتهديد استقرار جواره، وأيضاً دفع المخيم لجولات عنف متتالية تتسم بأنها تدميرية وتهجيرية؟؟.. وإذا كان الأمر كذلك، فما هو الحل؛ أو ما هي الخطة البديلة لكسر هذا المخطط؟؟.. 

نظرياً هناك ثلاثة حلول:

الأول أن تتمكن هيئة العمل الوطني الفلسطيني من تجميع كل قوى فصائل المخيم، تحت عنوان القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة، لكسر شوكة جماعة الشباب المسلم، وتثبيت هدوء مستديم في المخيم ..

.. غير أن هذا السيناريو ليس جديداً، وتم تجريبه في مرات سابقة وحالية كثيرة، ولم يجد نفعاً.. والمشكلة هنا هو أنه لا يوجد “إرادة عمل مشترك” في المخيم؛ ذلك أن عين الحلوة مبتلية لدرجة كبيرة “بلعنة الفصائلية”؛ وهو مصطلح سائد في العمل السياسي والعسكري الفلسطيني، ويعني تشرذم الساحة الفلسطينية، وتوزعها بين فصائل متباعدة سياسياً، ولا تثق ببعضها البعض. 

السيناريو الثاني هو أن تقوم فتح (ومعها “الأمن الوطني”)، بمهمة كسر شوكة المتطرفين الإسلاميين، لوحدها، وذلك على اعتبار أنها الفصيل الأكبر، وأنها تعبير عن سلطة رام الله الفلسطينية المعترف بها دولياً.

والواقع أن الدولة اللبنانية ليست ضد هذا السيناريو؛ كونها ترى بحركة فتح أنها الفصيل الأقرب للطابع الفلسطيني الرسمي. ولكن المشكلة هنا، هي أن فتح ربما لا زالت هي الفصيل الأكبر في المخيم، لكنها لم تعد الفصيل الأقوى فيه.. 

السيناريو الثالث هو أن تقوم عصبة الأنصار بدور في إيجاد حل عسكرياً أو سلمياً للمتطرفين الإسلاميين ضمن الحالة الإسلامية الفلسطينية العامة في المخيم.. لكن العصبة ترفض القيام بهذا الدور سواء عسكرياً أو سياسياً، وذلك لأسباب كثيرة ليس هنا مجال ذكرها.. 

وهناك سيناريو آخر لا يوجد نضوج لعناصره حالياً، وهو أن تحسم الدولة اللبنانية عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية، الحالة الأمنية الشاذة في المخيم..

.. وعليه لم يتبق إلا سيناريو واحد قابل للتنفيذ على المدى المتوسط أقله؛ وهو “استمرار التوتر في عين الحلوة واستمرار الدفع بسكانه إلى الهجرة منه المرة بعد المرة، حتى يتحول “اللاجيء الفلسطيني في مخيم عين الحلوة” إلى “نازح فلسطيني خارج مخيم عين الحلوة”..

ويمكن هنا مراقبة مشهد أن اشتباك الساعات الثلاث ليلة أمس، شهد حركة نزوح كثيفة من المخيم باتجاه جامع الموصلّي في مدينة صيدا؛ وقبل نحو شهر حدثت عملية النزوح ذاتها بعد الاشتباكات التي أعقبت مقتل العمروشي.. وإذا استمر تتالي جولات العنف المتسمة بأنها تدميرية وتهجيرية وتنتهي كل مرة على وقف مؤقت للنار، فإن سكان المخيم سيتحولون من اتباع أسلوب الهجرة المؤقتة من المخيم كلما حصلت جولة عنف، حيث يعودون إليه فور أن تهدأ، إلى اتباع أسلوب النزوح الدائم من المخيم بانتظار إرساء حل جذري لأزمة عدم الإستقرار الأمني فيه؛ علماً أن تحقيق هذا الأمر ليس بمتناول أحد في المدى المنظور، لا سلطة رام الله ولا الدولة اللبنانية ولا قوات الأمن الوطني، ولا الحالة الإسلامية المعتدلة، ولا حتى القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة.. 

ما يجدر التنبه إليه في هذه الفترة هو أن لبنان يعيش موسم طفرة النزوح الإقليمي إليه.. فمن جهة يلاحظ أن عودة التصعيد في سورية، قابلها عودة تعاظم النزوح السوري إلى لبنان.. وليس مستبعداً أن حدوث تصعيد فلسطيني – فلسطيني في لبنان، بغض النظر عن أسبابه، قد يؤدي إلى تغير ديموغرافي لتموضع اللاجيء الفلسطيني في لبنان، بحيث يتحول من “لاجيء في المخيمات “إلى “نازح فلسطيني داخل لبنان”.

وحصول هذا الأمر سيعني التالي:

أولاً- لبنان في هذه الحالة سيصبح “وطناً ديموغرافياً” للاجيء الفلسطيني، وليس كما هو حاله الآن بلداً يستضيف مخيمات اللجوء الفلسطيني..

ثانياً- ستصبح خارطة اللجوء الفلسطيني في لبنان لها ذات سمة النزوح السوري لجهة انتشارها العشوائي بين ظهراني المجتمع اللبناني. 

ثالثاً- ستتحول الديموغرافيا الفلسطينية في لبنان من “حالة لجوء في المخيمات” إلى “حالة نزوح من المخيمات في لبنان إلى داخل لبنان”؛ وهنا يجدر التنبه إلى أنه “عندما تتغير نوعية الديموغرافيا، يتغير حتماً معناها السياسي والقانوني”!.. 

رابعاً- ان اللجوء الفلسطيني في لبنان شهد خلال الأعوام الأخيرة سمة جديدة في تركيبه العضوي؛ وهي أنه أضيف إليه عنصر الفلسطيني النازح من مخيمات سورية”؛ وهذا العنصر الجديد يتوقع أن يتعاظم عدده داخل ديموغرافيا اللجوء الفلسطيني في لبنان، بالنظر لعودة حالة التصعيد الأمني والعسكري في سورية.

قصارى القول أن لبنان يمر في عنق زجاجة التحديات الديموعرافية الناتجة عن نتائج حروب جواره التي لها تعبيرات مباشرة فوق أرضه…

Exit mobile version