الهديل

خاص الهديل: الجيش والسياسيون وملف النزوح: المطلوب وضع “حصان السياسة” أمام “عربة الأمن” وليس العكس!!..

خاص الهديل:

سيجتمع بداية الأسبوع المقبل حول “طاولة نقاش” دعا إليها رئيس الحكومة، قائد الجيش وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية لبحث موضوع واحد وهو “النزوح السوري” إلى لبنان.

واضح من هذه الدعوة ومن معطيات أخرى كثيرة، أن ملف النزوح السوري فرض نفسه أمنياً في لبنان، وبنفس الدرجة فإن هذا الملف مطروح سياسياً.. غير أن المشكلة تقع في أن ميقاتي يمكنه عقد جلسة تشاور مع قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية لبحث الحانب الأمني في هذه المشكلة، ولكنه ليس بيده قرار جمع القوى السياسية لنقاش هذا الملف سياسياً، رغم أن كل الأحزاب تعترف بالنتائج الخطرة المتوقعة لملف النزوح..  

ومنذ الآن يمكن توقع ما الذي سيقوله قائد الجيش بخصوص أن مهمة ضبط الحدود تحتاج إلى إمكانات كبيرة وإلى قرار سياسي أكبر، وإلى…، الخ.. 

ومعروف أيضاً ما الذي سيقوله قادة الأجهزة الأمنية من أن أميركا بعظمتها تشكو من عمليات تسرب المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين عبر حدودها مع المكسيك، علماً أن وضع المكسيك أفضل من وضع سورية التي بالكاد تستطيع ضبط حدود محافظة السويدا، وأن قدرات أميركا على ضبط حدودها أفضل بمئة مرة من قدرات وإمكانات لبنان!!..

والأمر الذي لا يزال غير معروف حتى الآن هو فحوى ما سيقوله الرئيس ميقاتي: هل سيقول أن المطلوب هو قرار سياسي بخصوص معالجة النزوح قبل القرار الامني.. وهل سيقول أن فتح الحدود السياسية مع النظام في دمشق يؤدي إلى ضبط الحدود الجغرافية اللبنانية مع سورية، وبالعكس؟؟؟. 

إن نسبة تسعين بالمئة من معالجة ملف النازحين السوريين، هي بالسياسة؛ والنسبة القليلة الباقية يتم معالجتها بالأمن؛ علماً أن الأمن يأتي بعد السياسة؛ وعليه لا يمكن للجيش اللبناني أن يسير على الحدود الشرقية وهو يحمل الرشاش لمنع النزوح والتهريب، من دون أن يرافقه وزير الخارجية ورئيس الحكومة اللذين عليهما حمل ملف التنسيق السياسي مع الجانب السوري بخصوص هذا الملف..

.. ولو كانت القوة المجردة غير المدعومة سياسياً وغير المنقادة من القرار السياسي، تستطيع لوحدها منع التسلل غير الشرعي عبر الحدود، لكانت أميركا التي تستطيع تدمير العالم مئة مرة، نامت مطمئنة خلف حدودها مع المكسيك، ولكانت كل تركيا وإيران منعت كل واحدة من جهتها بالقوة، تسرب قوافل المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين عبر حدودهما، وذلك من دون حاجة كل منهما للتنسيق السياسي اليومي مع الطرف الآخر بخصوص هذا الملف..  

وأكثر من ذلك، فإن قائد الجيش يستطيع خلال اجتماع يوم الأثنين، ان يلفت نظر رئيس الحكومة إلى أن العامل الأهم الذي يجعل طهران وأنقرة يحرصان على علاقات مستقرة بينهما، هو موضوع حاجتهما للتنسيق بشأن حدودهما الطويلة والوعرة والتي لا يمكن ضبطها إلا بتعاون الدولتين سياسياً ومن ثم أمنياً لإدارة ملف قمع التهريب وقوافل المخدرات المتنقلة عبر حدودهما المشتركة. 

ويبقى القول أنه إذا كان المطلوب إتخاذ قرار سياسي قبل القرار الأمني.. وإذا كان القرار الأمني والعسكري لا ينهي بمفرده هذه القضية التي علاجها هو سياسي بامتياز؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه بخصوص اجتماع يوم الأثنين؛ هو لماذا لا يدعو ميقاتي إليه أيضاً ممثلين عن كل الأحزاب السياسبة والوزراء الذين لهم صلة بهذا الملف.. 

.. بكلام آخر لماذا لا يشرح قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية المشاكل التي تواجههم في مجال مكافحة النزوح للأحزاب اللبنانية، حتى يصبح ممكناً وضع الحصان السياسي أمام العربة الأمنية بهذا الخصوص. 

والواقع أن ما تقدم لا ينتقص من أهمية ما يقوم به الجيش وما تقوم به الأجهزة الأمنية من جهود لضبط الحدود؛ ولكن بالمقابل لا يمكن إلا تسجيل المآخذ على المستوى السياسي اللبناني الحزبي بخاصة، لإهماله تحمل مسؤوليته الوطنية تجاه هذا الملف الذي ينذر بأخطار كبيرة تعترف بوجودها كل الأحزاب التي يتشكل منها قرار لبنان السياسي.. 

لا يزال من الممكن أن يبادر رئيس الحكومة إلى توسيع طاولة يوم الأثنين مع الأمنيين الرسميين في لبنان، لتشمل أيضاً القوى السياسية الحزبية، وذلك حتى تصبح مسألة معالجة النزوح ممكنة عملياً وأمنياً، وقبل كل ذلك سياسياً. 

أضف لذلك أنه يتوجب على الدولة أن لا تضع الجيش والأجهزة الأمنية كما هو حاصل حالياً، بمواجهة التعقيدات الدولية التي تنتج عن مسألة النزوح السوري إلى لبنان؛ بمعنى أن الجميع بات يعرف أن المجتمع الدولي وبخاصة واشنطن، يستخدم والضغوط والعقوبات ضد كل من يحاول اعتراض سلاسة النزوح من سورية إلى لبنان؛ وحينما يظهر أن الجيش اللبناني هو من يأخذ على عاتقه سياسياً وأمنياً حماية لبنان من خطر النزوح السوري العشوائي والمتفلت؛ فإن هذا سيجعله (أي الجيش) مستهدفاً من العقوبات الأميركية، وبالتحديد من عقوبات الكونغرس المباشرة أو غير المباشرة، والمرئية وغير المرئية (!!) .. وعليه فإن منطق الأمور يحتم على الدولة أن تكون هي المسؤولة عن التبعات التي تنتج عن أي قرار سياسي يأخذه لبنان لحماية البلد، فيما الجيش ينفذ قرار الدولة عسكرياً، وهو معني بنتائج تنفيذ أي قرار ضمن حدود مسؤولياته عنه، وهي الحدود التي يشير إليها الدستور في دولة ديموقراطية لا يوجد فيها للجيش اليد العليا على القرار السياسي.. 

وفي موضوع النزوح السوري يجب ليس فقط خلق إرادة وطنية سياسية لمقاربة هذا الملف، بل أيضاً يجب ترتيب صفوف الدولة على نحو سليم، حتى تتمكن من مواجهته بشكل صحيح.. وفي موضوع النازحين تحديداً، يجب أن يكف السياسيون الرسميون والحزبيون عن لعبة الاتكال على الجيش لمعالجة النتائج السيئة التي تترتب عن تقصيرهم وعن أخطائهم السياسية..

Exit mobile version