الهديل

خاص الهديل: مخيم عين الحلوة على طريق مخيم نهر البارد: “اللاعودة”

خاص الهديل:

 

ليس هناك توقعات متفائلة بالنسبة لمستقبل استقرار الوضع في عين الحلوة خلال المدى المنظور أو حتى المتوسط؛ والأسوأ من ذلك، هو توفر أنباء قاتمة تشك في استمرار بقاء مخيم عين الحلوة قائماً، أقله بالشكل الذي هو عليه الآن. والمقصود هنا هو أن المخيم سيتعرض نتيجة الأحداث الجارية حالياً فيه إلى عملية تهجير دائمة للاجئيه، أو إلى تدمير دائم للعديد من أحيائه..

إن مثل مخيم نهر البارد هو أهم دليل على أنه فيما لو لم يتم تدارك الوضع العسكري الشاذ الناشئ حالياً في مخيم عين الحلوة؛ فإن سياق الأحداث الراهنة فيه ستتجه لخلق تطورات وظروف موضوعية تؤدي إما إلى تهجيره بالكامل أو إلى تدميره على مراحل.. وكلا هذين التطورين سيؤشران إلى أن ما حدث في مخيم نهر البارد صار نموذجاً يمكن تكراره بخصوص المخيمات الأخرى!!.

وهنا يبرز سؤال مركزي صار اليوم وقت طرحه؛ وهو من هي الجهة التي تزرع لغم المجموعات الإرهابية الإسلامية في المخيمات الفلسطينية، وتعمل على توقيت تفجيرها بنفسها وبالمخيمات؟؟. 

ما يدفع لطرح هذا السؤال هو مدى التطابق في التشابه بين جماعة شاكر العبسي في مخيم نهر البارد وجماعة الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة.. إضافة لمدى تشابه تطور الأحداث في المخيمين؛ ما يؤكد أن الأصابع الخفية التي وجهت الفلسطيني في نهر البارد للانتحار بالقنبلة الإرهابية التكفيرية، توجه اليوم الفلسطيني في عين الحلوة لفعل الأمر ذاته؛ وستوجه غداً الفلسطيني في المخيمات الأخرى للقيام بنفس هذا التصرف الانتحاري.  

إن خارطة طريق المؤامرة في مخيم نهر البارد هي ذاتها المتبعة اليوم في مخيم عين الحلوة: تبدأ الأمور بتسخين أمني (اغتيالات)، يتبعه ظهور حضور عسكري قوي وطاغي للتكفيريين داخل المخيم على حساب فتح؛ ومن ثم سيطرة التكفيريين بالكامل أو بالنار على المخيم، ما يحوله لبؤرة إرهابية يهدد استمرار استقراره وأيضاً استقرار جواره اللبناني؛ ما يقود إلى توريط الجيش اللبناني مجبراً للتدخل وذلك بغية حسم الموقف؛ الأمر الذي يسفر عنه “انفجار قنبلة التكفيريين بأنفسهم وبالمخيم” الذي يصبح ركاماً وخاوياً من اللاجئين..

والسؤال سواء بالنسبة لما حصل في مخيم النهر البارد، أو ما قد يحصل حالياً في مخيم عين الحلوة، هو من يستفيد من تصفية أي مخيم فلسطيني في لبنان؟؟.

لا يختلف إثنان على أن المستفيد بالدرجة الأولى هي إسرائيل التي يشكل بالنسبة إليها وجود أي مخيم فلسطيني في الشتات، شاهداً قانونياً ومادياً على ضرورة تنفيذ قرار الأمم المتحدة بخصوص حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الفلسطينية.. 

 .. وعليه، فإن الاحتراب الداخلي في المخيمات هو بآخر مطافه يخدم بالتأكيد إسرائيل، ويوجد بداخل خلفياته غير المرئية – بلا شك – أصابع إسرائيلية.. 

ولكن من زاوية أخرى، لا شك أن تصفية مخيم عين الحلوة في حال حصل، سيترك تداعيات أبعد من تلك التي حدثت جراء تدمير مخيم نهر البارد.. 

إن رمزية نهر البارد كانت محصورة بمعنى وجوده في منطقة الشمال، وكان يعتبر مخيماً من عدة مخيمات موجودة في لبنان؛ أما مخيم عين الحلوة فله عدة دلالات رمزية هامة؛ فهو أولاً يطلق عليه تسمية عاصمة الشتات الفلسطيني؛ أي أن عين الحلوة يقود سياسياً الشتات الفلسطيني.. وهو ثانياً خارج أية سيطرة عليه غير فلسطينية؛ وهو ثالثاً يمثل ديموغرافياً ليس مجرد تجمع للاجئين الفلسطينيين، بل يمثل قطعة ديموغرافية مصغرة، وطبق الأصل، عن مهجري ال ٤٨ ومنطقة الجليل. أي أن عين الحلوة هو شاهد ديموغرافي حي وقانوني واضح عن هجرة ال٤٨ القسرية للفلسطينيين من منطقة الجليل..

وكون مخيم عين الحلوة يشكل ترميزاً مكثفاً للقرار الفلسطيني السياسي في الشتات؛ فإنه لا يمكن اعتبار أي صراع بداخله، مجرد صراع محلي في المخيم، بل كل صراع أو اشتباك داخله، هو صدى أو حتى جزء من اشتباك عسكري أو صراع سياسي، يجري خارجه، سواء على ساحة الداخل الفلسطيني، أو على ساحة غير فلسطينية ولكنها متدخلة بالساحة الفلسطينية…

ويمكن القول بكثير من الثقة أن كل رصاصة تطلق داخل مخيم عين الحلوة، هي في الواقع رصاصة تحمل واحدة من ثلاث رسائل سياسية، أو أحياناً تحمل الرسائل الثلاث: فهي أولاً رسالة سياسية موجهة من طرف في الإقليم إلى طرف آخر في الإقليم؛ وعنوان هذا السجال بالنار هو من يمسك بقرار الشتات الفلسطيني(؟؟)… 

 .. وهي ثانياً تمثل رسالة إظهار قوة بين الفصائل الفلسطينية؛ وعادة يحدث هذا النوع من المنازلة، عندما يحتدم الصراع الفلسطيني الفلسطيني عشية اقتراب استحقاقات فلسطينية ذات صلة بمشاريع التسوية أو بمشاريع لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني. 

 .. وتمثل ثالثاً تقديم أوراق اعتماد من قبل طرف داخل المخيم وذلك بغرض خدمة هدف فلسطيني لطرف موجود خارج المخيم..

يطلق البعض على مخيم عين الحلوة مصطلح أنه “صندوق بريد ساخن للرسائل السياسية”، وهذا التوصيف لحد بعيد صحيح؛ ولكن أخطر ما في جولة العنف الأخيرة في عين الحلوة هو أنه هذه المرة يحمل رسالة قاتمة للاجئين في عين الحلوة؛ ومع ذلك فإن أطراف المخيم لا تتردد بالتبرع – سواء عبر الاقتتال أو عبر عدم الإسهام الجدي بتوقيفه – بتنفيذ مهمة توصيل هذه الرسالة التي تحمل “أمر تدمير المخيم وتهجيره”، إلى نفسها!!،..

إن ما يحدث في عين الحلوة يمكن تلخيصه بمصطلح مكثف وهو: “اللاعودة”؛ أي وصول أطراف المخيم إلى نقطة اللاعودة عن الاحتراب، ما يعني انهيار عين الحلوة كشاهد على واقع اللاعودة إلى وطنهم(!!).

Exit mobile version