الهديل

خاص الهديل : سياحة لودريان الدبلوماسية في لبنان: “ابتسم أنت دبلوماسي”!!..

خاص الهديل:

وجود الموفد الفرنسي الرئاسي لودريان بيننا في بيروت، لا يدعو أحداً من اللبنانيين إلى الدهشة.. فحضوره بات أمراً أقل من عادي، ومغادرته باتت أيضاً أمراً عادياً.. وبسرعة قطار يسير على الطاقة النووية، تحول لودريان إلى سائح فرنسي من بين سياح عراقيين ومصريين وخليجيين يزرون لبنان هذه الأيام.. 

.. وفي حين أن هناك في لبنان “سياحة طبية” كالسياح العراقيين، و”سياحة ترفيهية” كالسياح الخليجيين؛ فإنه بات هناك أيضاً في لبنان “سياحة دبلوماسية”، والمثل الساطع عنها هو السائح الفرنسي لودريان..

ربما الرئيس الفرنسي ماكرون ظلم لودريان حينما أسند إليه دور أن يكمل مهمة الفشل الفرنسي في لبنان.. فماكرون أراد أن يستثمر بسمعة لودريان الناجح والقادر على تحقيق الاختراقات كما فعل في الخليج حينما كان وزيراً للدفاع؛ وذلك من أجل أن تسفر تسمية لودريان عن تحقيق “صدمة إيجابية” للمسعى الفرنسي في بلد الأرز، ومن أجل إخراج المسعى الفرنسي من رتابته ومن عدم الإنجاز، والدوران كدرويش في حلقة مغلقة.. ولكن لودريان وقع في نفس رتابة الموفد الفرنسي إلى لبنان الذي سبقه، وأصابه نفس ما أصاب ماكرون حينما وضع قدمه فوق درجة لم يكن يتوقع وجودها؛ وهو اليوم في ذهابه وإيابه المتكرر إلى لبنان غير المنتج سياسياً؛ إنما يتحول إلى دبلوماسي سائح يقف أمام يافطة كتب عليها: ابتسم أنت دبلوماسي في لبنان!!.

ربما كان لودريان، وأيضاً كل سياسة ماكرون في لبنان، باتت مثلاً عملياً يعبر عن ضعف الحضور الفرنسي دولياً.. فأوروبا بشكل عام تدخل في شيخوخة سياسية واقتصادية. وفرنسا بشكل خاص يبدو عليها بوضوح الهرم السياسي سواء من خلال تبدد علاقاتها مع مستعمراتها القديمة في القارة السمراء، أم من خلال تبدد الثقة بها من قبل الدول التي انتدبتها لسنوات طويلة.. 

وبكل الأحوال يصر ماكرون، بحسب لبنانيين قريبين منه، على أن باريس لا تنتظر من واشنطن إذن حتى تلعب دوراً سياسياً في لبنان؛ نظراً لأن الوجود الفرنسي في لبنان أقدم من الوجود الأميركي، ولكن ما تطلبه باريس من واشنطن في لبنان، هو دعم دورها، أو أقله عدم وضع العصي في دواليب ماكينة المبادرة الفرنسية..

والواقع أن أصعب ما سيواجهه لودريان في زيارته الجديدة، هو أنه سيقف على أرض لبنانية تعرضت خلال فترة غيابه الوجيزة عن لبنان، إلى زلزال سياسي (بادرة بري) وعسكري (حرب عين الحلوة) وديموغرافي (تفلت النزوح السوري من عقال الضبط)..

والسؤال هو كيف سيتصرف لودريان مع كل هذه المتغيرات: هل سيكون ممكناً بالنسبة إليه أن يكمل مسعاه من حيث انتهى في زيارته الماضية، وكأن شيئاً لم يحدث في لبنان منذ غيابه حتى اليوم، أم أن منطق الأمور يقول أن عليه أن يبدأ من حيث وصلت إليه أحداث الزلزال السياسي والعسكري والديموغرافي الذي حدث في لبنان خلال غيابه؟؟.. 

ولقد كان الرئيس بري واضحاً حينما وضع للودريان هذه المرة، خطة زيارته للبنان، وذلك حينما قال أن مبادرته التي أطلقها في ٣١ آب، لا تناقض مسعى لودريان.. وأضاف بري – وهنا مقصده الأساس – ما معناه أنه هذه المرة (أي بري) لا ينتظر لودريان كي يجيب عن سؤاليه، أو عن ما يحمله من توجهات الخماسية الجديدة غير الودية للثنائي الشيعي؛ بل ينتظره حتى يعملا معاً على دمج مبادرتيهما في مبادرة واحدة(!!).. 

.. وخلال اجتماعه ببري التي يفتتح بها لودريان جولته الجديدة سيكون عليه الإجابة عن أسئلة بري حول موقفه من مبادرته للحوار.. وسيكون على لودريان طرح مبادرة السؤالين الفرنسيين انطلاقاً من تلمس ما إذا كان لهما مكاناً داخل أجندة حوار بري ومبادرته!! ..

إن التحدي الحقيقي الذي يواجه لودريان هو أنه خلال غيابه، لم يعكف اللبنانيون كما تصور (أي لودريان) على الإفادة من الفترة الزمنية التي تركها لهم للإجابة عن سؤاليه، بل استغل اللبنانيون هذه الفترة لاغتيال مبادرته؛ حيث أن قسماً من النواب رفض الإجابة على أسئلة لودريان، واعتبروه يمارس دور المندوب السامي الذي يطرح الأسئلة بأسلوب علاقة الأستاذ بالتلاميذ، الأمر الذي لا يراعي احترام سيادة لبنان.. وهناك قسم آخر من القوى السياسية – بري مثالاً – أنتج مبادرة حوار من عندياته، وضعت نفسها عملياً بوجه مبادرة سؤالي لودريان.. وقسم ثالث – القوات اللبنانية مثالاً – أجاب عن أسئلة لودريان بطرح أسئلة عليه، بدل أن يكتب أجوبته!!. وقسم رابع من الكتل النيابية فتح حواراً على حسابه، بدل أن يتشاور حول كيفية الرد على أسئلة لودريان (حوار باسيل مع الحزب).. 

هذه الوقائع تقول للإليزيه التالي: 

أولاً- عملياً لم يتبق شيئاً من مبادرة لودريان؛ لأن القوى السياسية بدل أن تتفاعل معها خلال الفترة التي حددها لودريان لها لتقوم بكتابة الأجوبة على سؤاليه، قامت هذه القوى بدل ذلك، بتجاوز هذه المبادرة، ومارس كل فريق سياسي هذا التجاوز على طريقته..

ثانياً- ان مبادرة بري لا يمكن أن تشكل باباً يدخل منه لودريان إلى لعب دور في الحل اللبناني، بل هي تشكل باباً سيخرج منه دور لودريان من لبنان!. 

ثالثاً- ان تجزئة الحل في لبنان وجعله حلاً تقنياً، وهي السياسة التي اتبعتها الإليزيه في لبنان منذ البداية حتى اليوم، لم تعد تنفع؛ خاصة وأن قول الإليزيه أن المطلوب هو “حل لأزمة رئاسة الجمهورية”، وليس حلاً “لأزمة لبنان”، بات يشكل بنظر قوى محلية وإقليمية وعالمية، نوعاً من “التبسيط في التشخيص”، وبالتالي “تسخيفاً لمجمل منطق الحل الفرنسي”..

رابعاً- كيف سيقرأ لودريان تطور اشتباكات مخيم عين الحلوة، وهل سيعتبر أن له انعكاسات إقليمية تؤثر على وساطته اللبنانية، وضمن أي سياق يقع هذا التأثير؟؟.. 

خامساً- بالنسبة للملف المتعلق بالحوار بين حزب الله والتيار العوني، فإن السؤال المطروح على لودريان هو التالي: ما هو موقع حوار الأصفر والبرتقالي من حوار السؤالين الذي طرحهما؟؟.. واستدراكاً هل سيبدأ لودريان مسعاه الراهن من حيث وصل حوار الحزب والتيار؟؟.. أم سيبدأ من حيث انتهت إليه مبادرة بري؟؟ أم أنه سيكون عليه الإقامة في قصر الصنوبر بانتظار أن يرى نتائج حوار باسيل – الحزب من جهة ومبادرة بري من جهة ثانية، حتى يبني “على أشياء الآخرين” مقتضى ما تستطيع الإليزيه فعله(!!)؛ علماً أن كلاً من الأمرين (حوار البرتقالي والأصفر ومبادرة بري) لا يبدو أن لهما نهاية.. فهل سيكون على لودريان في هذه الحالة “انتظار ما لا ينتظر”..

الواقع المر يقول أن الخيار المتبقي للودريان هو أن يكابر ويعتبر أن الحوار الذي يدعو إليه، مستقل عن كل المبادرات والحوارات الجارية داخل البلد؛ وعندها سيكون سهلاً بالنسبة للكثيرين اتهام لودريان بأنه “منفصل عن الواقع”!!..

Exit mobile version