الهديل

خاص الهديل: ماذا بعد لودريان: حزب الله ينتظر الثمن الأميركي للتسوية..

خاص الهديل:

انتهت زيارة جان إيف لودريان على نتيجة واحدة وهي أن جهود باريس غير كافية لإنتاج حل لأزمة الشغور الرئاسي في لبنان.. وقبل ذلك انتهت زيارات الرئيس ماكرون ذاته للبنان، على نتيجة واحدة وهي أن جهود الإليزيه وحدها غير كافية لحل الأزمة اللبنانية ووقف الإنهيارات السياسية والاقتصادية اللبنانية..

أبو العلاء المعري الضرير، كان يقول “أنا رجل يستطيع بغيري”.. وماكرون في لبنان هو رئيس يستطيع تحقيق إنجاز بغيره.. 

.. والمقصود هنا أن باريس في لبنان تحتاج كي تنجح إلى شريك قوي، وهو الولايات المتحدة بالأخص أو بالتحديد إحدى الدولتين إيران أو السعودية أو كلتيهما معاً..

وبين هاتين الدولتين، نجحت دولة واحدة في إظهار أن لها قدرات خاصة على ممارسة دور يدعم استقرار لبنان، وذلك في ظل غياب الإهتمام الأميركي بلبنان، ونجحت في إظهار أنها بإمكانها أن تؤدي دوراً مطلوباً دولياً ولبنانياً وعربياً يؤدي إلى إنتاج تسوية داخلية في لبنان؛ وذلك رغم أن اللاعبين الكبار يكونون في وقت لديهم أولوياتهم الأخرى؛ وهذه الدولة حصراً هي قطر، ويعتبر اتفاق الدوحة وغيره، من الأمثلة العملية التي تثبت ذلك…. 

والواقع أن مأساة ماكرون ومن بعده لودريان في لبنان تكمن في أن واشنطن غير مهتمة بحل أزمات لبنان، بل فقط باستقرار الحد الأدنى في لبنان، وهو استقرار تقاربه واشنطن بالأمن (وعلى القطعة) وليس بالسياسة.. زد على ذلك أن واشنطن سواء الجمهورية أو الديموقراطية، لا ترى أن باريس شريكة إستراتيجية لها في لبنان؛ بل هي ترى أن “رقصة التانغو اللبنانية”، ستكون ناجحة فيما لو كان الراقص الآخر بمقابل الراقص الأميركي إما “السعودي الذي يملك إمكانية تمويل الحل في لبنان” و”ترشيد الموقف السني”؛ وإما “الإيراني” الذي يملك ورقة “رفع الفيتو” عن الحل في لبنان!! أما الفرنسي فهو حالة نفوذ قديمة في لبنان عفا عليها الزمن؛ فلا الفرنكوفونية عادت هي وجهة لبنان الثقافي، وذلك بعد أن حلت الانكلوسكسونية مكانها.. ولا النموذج الفرنسي السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي، عاد هو النموذج الذي يحاكيه لبنان.. وفي زمن خروج فرنسا من مستعمراتها الإفريقية القديمة؛ كان طبيعياً أن نشاهد خروج لودريان خائباً من لبنان الذي هو البلد الأهم داخل دول الانتداب الفرنسي القديم في المشرق العربي.. 

السؤال اليوم هو ليس ماذا بعد الوساطة الفرنسية(؟؟)؛ بل السؤال الواقعي هو من سيتصدر مهمة تعبئة وقت الغياب الأميركي بعد انتهاء مهمة فرنسا في هذا المجال(؟؟).

إن مشكلة عدم وجود دولة قادرة على تعبئة الغياب الأميركي في لبنان، تعود إلى أمرين أساسيين لا يلتفت إليهما الكثير من المراقبين: 

الأمر الأول هو أن الطرف الأقوى في لبنان، أي حزب الله ومن وراءه إيران، لا تعتبران أوروبا – بما فيها باريس – هي قوة لديها إمكانات أن تنوب عن واشنطن في التفاوض على الحلول في المنطقة.. وإذا كان الفرنسي يقدم نفسه على أنه البديل عن العم سام في تنفيذ مهمات التوسط في المنطقة؛ فإن حارة حريك وكذا الحال طهران، تفضلان التعامل مع الأصيل وليس مع البديل.. ومن هنا فإن ورقة ترشيح فرنجية بالنسبة لحزب الله، هي ورقة جدية ووحيدة طالما أن الذين يعرضون على حزب الله التفاوض معه حولها، هم دول أخرى غير أميركا، وهم جهات غير إدارة بايدن..

وتعتبر عملية التفاوض على ترسيم الحدود البحرية التي هي أصعب ألف مرة من عملية إنهاء الشغور الرئاسي، أوضح دليل على أن الحزب يضع أوراقه الخاصة بالتفاوض الجدي على طاولة القرار حينما يجلس بمقابله عليها الأميركي وليس أي طرف آخر..  

في حزب الله هناك ثقافة سياسية إيرانية تقول أن التفاوض يكون مع الأصيل الأميركي (حلفائها)، وليس مع البديل عنه؛ ولكن الحروب تكون مع البديل عن أميركا (حلفائها) وليس مع أميركا ذاتها.. 

العامل الثاني الذي يغيب عن مراقبين متابعين لمواقف حزب الله، هو أن الأخير لا يستعجل الحلول، بل يترقب نضوج عملية استنزاف خصومه من خلال اتباعه إستراتيجية النفس الطويل، وسياسة الصمود عند الهدف الذي يريده، لغاية أن يقتنع الخصم بأن الحل هو بقبول هدف حزب الله.. 

..بهذه الاستراتيجية خاض حزب الله عام ٢٠١٦ معركة ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية؛ وبهذه الطريقة ربحها.. وبهذه الطريقة يخوض الحزب اليوم معركة ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة الجمهورية، ويراهن على أن تمسكه بهذه الطريقة سيقوده إلى ربح معركة إيصاله للرئاسة.

والواقع أن حارة حريك تطرح في هذه المرحلة عدة أسئلة مفصلية يتوقف على طبيعة الإجابة عنها، تبيان متى ستصل استراتيجية النفس الطويل التي يتبعها الحزب بموضوع ترشيح فرنجية، إلى نهايتها السعيدة: 

السؤال الأول داخل الحزب هو متى سيقتنع جبران باسيل بأن الأفضل له ليس البحث عن مرشح ثالث غير فرنجية؛ بل الحصول على ثمن سياسي لموافقته على ترشيح فرنجية؟.. واستطراداً متى ستقتنع الأطراف المسيحية الأخرى وقوى أخرى كجنبلاط، بأن عليها تأمين نصاب جلسة انتخاب فرنجية.

السؤال الثاني هو متى ستقرر أميركا وليس باريس ولا أية جهة ثانية، التفاوض بشكل مباشر سواء بالسر أو بالعلن مع حزب الله، على ملف يتعلق بموقع الاستحقاق الرئاسي داخل معادلة استقرار لبنان، وأيضاً على موقع استقرار لبنان داخل معادلة استقرار أمن الطاقة في المنطقة؛ ومجمل عملية تحقيق الأمن في المنطقة؟؟.. 

من بين شروط توقف حزب الله عن ترشيح فرنجية بروز وساطة أميركية من جهة حول الإسم الثالث المطلوب للرئاسة اللبنانية الأولى؛ ومن جهة ثانية بروز إرادة سياسية أميركية للتفاوض مع حزب الله لإنتاج حل في لبنان، كما فاوضت واشنطن مع قوى أخرى في العالم تشبه حزب الله. 

.. وقبل حصول هذا الأمر، فإن الحزب يسير في خيارين اثنين لا ثالث لهما: 

أولاً- الاصرار على ترشيح فرنجية مهما طال زمن الشغور الرئاسي..

والثاني الإستمرار بالاشتباك السياسي مع حلفاء واشنطن، طالما استمر زمن غياب واشنطن عن المشاركة بدفع الثمن السياسي للحل في لبنان..

Exit mobile version