الهديل

خاص الهديل: لهذه الأسباب قرر لودريان جعل بري “كيس رمل” يحتمي خلفه لتنظيم انسحابه!!..

خاص الهديل:

ترك المبعوث الفرنسي لودريان لبنان، من دون أن يقول للبنانيين ما هو تقويمه للإجابات التي تلقاها على سؤالية عن “مواصفات الرئيس، وعن أهم ملفات الرئيس العتيد”(!!)، وكل ما فعله لودريان هو قوله بأنه “راجع إلى لبنان بخلال أيام”.. 

السؤال الذي يطرح نفسه هو عن سبب عودته، خاصة بعدما أظهرت تصريحاته في بيروت أنه يدعم حوار بري، ما أوحى أن باريس استجابت لطلب أبو مصطفى بدمج “النقاش” الذي طالب به لودريان ب”الحوار” الذي يطالب به بري..

وبهذا المعنى، أصبح لماكرون مبادرتان إثنتان في لبنان: “مبادرة النقاش” للودريان و”مبادرة الحوار” لبري.. علماً أنه لا بري ولا لودريان شرحا للرأي العام اللبناني ما هو القاسم المشترك بين مبادرتهما؛ وكل ما قاله بري هو أن مبادرة النقاش الخاصة بمبعوث ماكرون تكمل مبادرته الخاصة بحوار السبعة أيام التي يليه جلسات انتخابية مفتوحة.

.. ومع ذلك ثمة محاولات جرت للبحث عن ربط مادي بين مبادرتي بري ولودريان.. وبنتيجة هذا البحث ظهر وجود ربط سلبي وموضوعي وليس ربطاً إيجابياً، وقوامه التالي: 

أولاً- لقد جاء المبعوث الفرنسي إلى لبنان، وكل ذهنه منصباً على هم أساسي، وهو ليس كيف سيؤمن النجاح لمبادرته، بل كيف يمنع احتمال أن يتعرض وجوده ودوره في لبنان، إلى نفس ما يتعرض له من إهانة وعدم مقبولية سفراء فرنسا في النيجر وبعض الدول الأفريقية الأخرى.. 

وتقول بعض المصادر على هذا الصعيد، أن لودريان – ومعه كل فرنسا – كان سيواجه إحراجاً بالغ التعقيد، فيما لو خرج متظاهرون في لبنان يدعونه لعدم المجيء إلى بلدهم وذلك بسبب أن مبادرته تؤيد حزب الله، وتدعم ترشيح سليمان فرنجية، وتتموضع ضد ما تسميه المعارضة بمطالب “ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩” التي تريد الإصلاح والتحرر من قيد الأحزاب المسؤولة عن الفساد وتخريب مشروع الدولة.. 

ولم يكن مهماً باعتبار إدارة ماكرون وموفده الرئاسي، عدد اللبنانيين الذين سيشاركون في تظاهرة ضد زيارة لودريان إلى بيروت، بقدر ما كان مقلقاً بالنسبة لفرنسا، مجرد أن ينقل الإعلام العالمي من بيروت صورة تظهر أن موفداً رئاسياً فرنسياً يواجه في لبنان، نفس موقف الاعتراض على وجوده، الذي يواجهه سفراء فرنسا في النيجر ونيجيريا والغابون، الخ.. 

ثانياً- ان صداع لودريان من أن يواجه في لبنان ما يواجهه سفراء فرنسا في عدد من الدول الأفريقية هو الذي جعله يعيد ترتيب أولويات تحركه في لبنان، بحيث أصبح همه الأساس ليس نجاح مبادرته، بل عدم تعرض صورته وصورة فرنسا في بيروت، للإهانة عن طريق ظهور أن اللبنانيين في المشرق العربي، يوجهون لباريس تهمة “خيانة الديموقراطية”، تماماً كما يفعل الأفارقة حالياً في القارة السمراء. 

والواقع أن تعبير “خيانة الديموقراطية” الموجه في هذه الأيام لباريس، أصبح مصطلحاً متداولاً سياسياً على مستوى كل الدول التي لا يزال يوجد لفرنسا نفوذ فيها. والتي كانت سابقاً ضمن المستعمرات الفرنسية القديمة. وتسعى الدبلوماسية الفرنسية في هذه المرحلة جاهدة للحد من شيوع هذا المصطلح الذي يدلل على أن باريس خانت مبادئ الثورة الفرنسية، وهي تنتهج في مستعمراتها القديمة سياسات استغلالية وتدعم القوى الديكتاتورية والمعادية “للحرية والعدالة والمساواة”. وتحاول فرنسا حالياً بكل جهدها، أن لا تنتقل حالة الاعتراض ضدها من الدول الأفريقية إلى دول المتوسط؛ ولذلك قرر لودريان، وهو الأكثر تجربة سياسية ودبلوماسية داخل الإليزيه والخارجية الفرنسية، رسم خيار جديد في لبنان يوفر له إبقاء باب السلامة مفتوحاً بوجهه، ومفاد هذا الخيار الإنسحاب من مبادرته من دون الإعلان عن ذلك رسمياً، والتوجه إلى عين التينة للاختباء بها، من الفشل المباشر.. وباختصار فإن لودريان تقصد جعل بري “كيس رمل” ليتمكن من وراءه تنظيم ايقاعات انسحابه – أي لودريان – من لبنان.. 

بكلام آخر فإن خطة لودريان المقبلة هي التالية: 

– تحاشي حدوث أية ردود فعل شعبية ولو محدودة ضده في لبنان، كون أي تحرك لبناني شعبي، مهما كان محدوداً، ضد سياسة ومواقع باريس في لبنان، ستتم قراءته على نحو مضخم، وسيتم ربطه بما يحدث لباريس بأفريقيا، وسيتم وضعه تحت عنوان “خيانة الديموقراطية” من قبل فرنسا. 

– ان لودريان قرر إخفاء فشل مبادرته، داخل الفشل المتوقع أن يصيب مبادرة بري للحوار والجلسات المتتالية.. فلودريان يريد في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها صورة فرنسا دولياً، إظهار أن الذي فشل في لبنان ليس مبادرته، بل مبادرة الرئيس بري التي أعطتها باريس مجرد فرصة لتجريب نتائجها، وليس دعمها الكامل أو تبنيها الشامل. 

.. وأيضاً يعتقد لودريان، أن وضع بيضه داخل سلة بري، قد تفيد منه باريس في حال نجحت مبادرة بري، إذ حينها سيأتي لودريان إلى بيروت ليقول: “لقد نجحنا في إنجاح مبادرة بري”؛ أما في حال فشلت مبادرة بري، فسيختفي لودريان من صورة فشل مبادرة حوار الأيام السبعة، ويغسل يديه منها.

– ما تقدم أعلاه يظهر من ناحية أن لودريان اختبأ بمبادرة بري، ولم يؤيد عملياً مبادرة بري؛ ويظهر من ناحية ثانية أنه ليس مضموناً أن يعود لودريان قريباً إلى بيروت، لأن سلوكه في زيارته الأخيرة، يوحي أن هدفه الرئيسي كان تنظيم انسحابه من لبنان، وليس العودة مُجدداً إلى لبنان!!.

Exit mobile version