خاص الهديل:
يقود جبران باسيل في هذه المرحلة ما يمكن تسميته بأزمة التيار الوطني الحر، بأكثر ما هو يقود عملياً وسياسياً، دفة مسار التيار الوطني الحر… ويفعل باسيل ذلك من أجل أن يحقق هدفين إثنين لا ثالث لهما حالياً: الأول إعادة إنتاج دوره الشخصي كرئيس للتيار الوطني الحر؛ وذلك بعد ما أصابه من “شيطنة” يستحقها طالته نتيجة فشله المدوي خلال عهد عمه الذي أخذ البلد للانهيار..
والهدف الثاني لباسيل هورغبته بإعادة إنتاج التيار الوطني الحر تحت معنى تحوله من “تيار عوني” إلى “تيار باسيلي”..
.. وبأسلوب الإستفتاءات التي يمارسها رؤساء “جمهوريات الموز” وزعماء “أقبية السجون”، والتي عادة ما يتم فيها التجديد “لسيادة الرئيس القائد الملهم” بنسبة ٩٩ بالمئة، نجح باسيل في إعادة تمديد التجديد لنفسه كرئيس للتيار البرتقالي؛ وذلك بوصفه مشروع “ديكتاتور برتقالي”؛ وكان لافتاً كيف أن مراسم تمجيد التمديد لعظمته كرئيس مستمر للتيار بلا انقطاع، رافقتها عملية إظهار الرئيس ميشال عون في دور ممثل التاريخ الذي يسير باسيل إلى جانبه كظله.
.. إن ما حدث كان هدفه إظهار لحظات “تمجيد التمديد لباسيل”، وليس مجرد “تمديد رئاسة باسيل للتيار”.. ففي عرف مصممي “ديكتاتورية باسيل البرتقالية”، فإن الأمر الذي يجب أن يثير النقاش الساخن والصاخب بخصوص “ملحمة” التمديد “للصهر الذهبي”، ليس تكرار فوزه وبقائه في منصبه في رئاسة التيار؛ فهذا حدث طبيعي ويستجيب لمنطق الأمور البديهية (!!)، لكن الحدث الأبرز الذي يستحق إثارة الصخب حوله، هو مدى صوابية إعطاء أشخاص بعينهم دون غيرهم، شرف أن يشغلوا مناصب نواب باسيل – الرئيس الملهم؛ حيث من أجل هذا الأمر فقط يجدر أن تتعالى أصوات الاعتراض والنقاش الساخن، ويجدر أن يفصح الجميع عن آرائهم بكل ديموقراطية حول مدى استحقاق هؤلاء شرف أن يكونوا نواباً لباسيل من عدمه!!.
إن الرؤساء الشموليين في الأحزاب كما في الدول، يتقصدون بالغالب تسليط الأضواء على التمديد لهم في سدة القيادة، من زاوية نقاش من هم نوابهم الجدد، وهل يجب تغييرهم أو زيادة عددهم أو تقليل عددهم، أو تنويع انتماءاتهم السياسية (الشكلية)، الخ.. وهدفهم من كل هذه “الطوشة” هو تغطية النقاش المطلوب والحقيقي، وهو عن الحكمة من الاستمرار بالتمديد لهم؛ وتحويل النقاش بدل ذلك لناحية هل كان يجدر تغيير نواب الرئيس الملهم، أم كيف السبيل لانتقاء أشخاص يليق بهم منصب أن يكونوا نواباً للرئيس الملهم..
وكل الفكرة هنا هي محاولة إشاعة مناخ (عادة ما يتكرر في أحزاب الموز) يوحي بأن التمديد لباسيل يستجيب للضرورات التالية: من ناحية الحاجة الماسة لوجود باسيل بصفته “الرئيس الملهم” على رأس التيار، وذلك تحت مسوغ أن بقاء باسيل شخصياً دون غيره على رأس التيار، يشكل الخيار الوحيد الذي يضمن بقاء التيار البرتقالي موجوداً؛ ومن ناحية ثانية فإن هذا التمديد يهدف للإيحاء عن عدم وجود مرشحين بديلين عن باسيل لرئاسة التيار… ومعروف هنا أنه حينما يسمح في “أحزاب الموز” بوجود مرشحين ينافسون الرئيس الملهم (على وزن باسيل)، فإن هؤلاء المنافسين يكونون أول منتخبي الرئيس الملهم، ويكونون آخر الشخصيات المستحقة والمؤهلة للترشح لموقع الرئاسة!!.
والواقع أن “تسخيف فكرة الانتخاب” في أحزاب وجمهوريات الموز، وجعلها مناسبة احتفالية تشبه مناسبة عيد ميلاد الرئيس الملهم والقائد العظيم؛ هي تقليد قديم تتبعه أحزاب الزعيم الواحد لمدى الحياة أو الرئيس الذي تؤكد سيرته الرسمية مقولة “أن البقاء له” في السلطة طالما أنه حي يتنفس، وطالما أنه قادر على البطش والقمع..
يبقى القول في هذا المجال، أن باسيل وهو في طريقه لتنصيب نفسه “دكتاتور برتقالي”، و”رئيس برتبة إقطاعي” إنما يغامر بأنه سيصطدم باحتمالات أن تعترض طموحاته هذه، عدة حواجز؛ من بينها أن التيار الوطني يمر في هذه الفترة بمرحلة انتقالية، وبمرحلة انتقال من عهد “عون الرئيس” إلى عهد “الصهر الضعيف”؛ وعليه فإن التجديد لباسيل في رئاسة التيار، هو تعبير عن واحد من أشكال حاجة التيار لتمديد فترة التقاط الأنفاس والحاجة للتمديد لوضع الأزمة القائمة بداخله، ريثما يأتي الوقت المناسب لحل الأزمة التي يعيشها التيار.. وحينها سيكون التيار العوني بحاجة لشخصية عونية بجينات سياسية معدلة ومصححة، وليس لديكتاتور برتقالي يذكر وجوده بمرحلة أزمة فشل عهد عون المستمرة، وبمرحلة مسؤولية الصهر عن فشل عهد عمه..