الهديل

ملتقى بيروت نظّم ندوة حول اللامركزية الإدارية ووحدة الدولة: من أهمّ الإصلاحات السياسيّة في اتفاق الطائف

ملتقى بيروت نظّم ندوة حول اللامركزية الإدارية ووحدة الدولة: من أهمّ الإصلاحات السياسيّة في اتفاق الطائف

شكري صادر: يجب أن تترجم عبارة”لا مركزية موسّعة” بان تكون موسّعة في الصلاحيات والموارد في آن، وهذا لا يعفي السلطة المركزية من مسؤولياتها تجاه المناطق.

نظّم ملتقى بيروت ندوة حول: اللامركزية الإدارية ووحدة الدولة: من أهمّ الإصلاحات السياسية في اتفاق الطائف، تحدّث فيها رئيس مجلس شورى الدولة سابقاً القاضي شكري صادر، وحضرها النائب المهندس فؤاد مخزومي والوزير السابق العميد حسن السبع والنائب السابق الدكتور عمار الحوري والمدير العام لوزارة المهجرين المهندس أحمد محمود والمدير العام لقوى الأمن الداخلي سابقاً اللواء إبراهيم بصبوص ورئيس المركز الثقافي الإسلامي السفير هشام دمشقية ورئيس هيئة الرقابة على المصارف سابقاً سمير حمود وشخصيات إعلامية وحقوقية وثقافية واجتماعية واقتصادية ووجوه بيروتية.
ابتدأت الندوة بكلمة رئيس الملتقى الدكتور فوزي زيدان رحّب فيها بالحضور الكريم، ومما جاء فيها: “لقد تضمّن اتفاق الطائف على إصلاحات سياسيّة مهمّة منها، اللامركزية الإدارية، فاعتبر أنّ الدولة اللبنانية دولة واحدة موحّدة ذات سلطة مركزية قوية، وطالب بإعادة النظر بالتقسيم الإداري بما يؤمّن الانصهار الوطني، وباعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرئِسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية”.
وأضاف :”اللامركزية الإدارية هي من أهمّ مبادىء حكم الأكثرية التي تقوم عليها الديموقراطية، وهي نوع من التنظيم الإداري للدولة الموحّدة يقوم على نقل صلاحيات إدارية من الدولة المركزية إلى وحدات محلية منتخبة مباشرة من الشعب تتمتّع بالاستقلالين الإداري والمالي، ويُترك لها اتخاذ القرارات المتعلقة بمناطقها، وهي أقدر من الإدارة المركزية في إدارة المرافق والمؤسّسات العامة، بينما في النظام المركزي تقوم السلطة المركزية باتخاذ كافة القرارات المهمّة”.
ثمّ قال: “يجب علينا التمييز بين اللامركزية الإدارية والفيديرالية أو اللامركزية السياسية، فالفيديرالية هي نظام سياسي مصدرها الدستور، وتقوم على توزيع للسلطات بين الوحدات الجغرافية. أما اللامركزية فهي نظام إداري مصدرها القانون تقوم على منح الوحدات المنتخبة محلياً والتي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، صلاحيات إدارية واسعة”.
وأردف قائلاً: “تُطبّق اللامركزية الإدارية الديموقراطية في المجال الإداري من خلال إشراك سكان المناطق والأقاليم في تشكيل المجالس الممثّلة لهم عن طريق الانتخاب، ومن مزاياها: تخفيف العبء الواقع على عاتق الدولة المعاصرة في إدارة المرافق والمشروعات العامة، تقريب الإدارة من الجمهور وتبسيط الإجراءات الإدارية، سرعة الاستجابة لحاجات الوحدات الإقليمية، تنمية المناطق اقتصادياً مما يؤدّي إلى الحدّ من الهجرة إلى العاصمة والمدن الكبرى، الحفاظ على الخصائص المحلية وحمايتها، تأمين موارد خاصة بها عن طريق التبرعات والهبات والضرائب المحلية، التحرّر من الروتين الحكومي، ورفع الروح المعنوية للمديرين والرؤساء في المستويات الإدارية المختلفة لشعورهم بالمشاركة الإيجابية”.
وختم بالقول: “تطبيقاً لاتفاق الطائف كلّف مجلس الوزراء برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2013 وزير الداخلية زياد بارود بإعداد مشروع قانون اللامركزية الإدارية، فقدّم في العام 2014 مشروعاً يأخذ بالإجماع اللبناني حول اللامركزية الموسّعة انطلاقاً من اتفاق الطائف، من حيث استحداث مجالس منتخبة بالكامل وإعطاؤها الاستقلالين الإداري والمالي، والتمويل والواردات اللازمة، وبحصر الرقابة لاحقة لا مسبقة، والإبقاء على البلديات (ألغى بلدية بيروت واستبدلها بمجلس بيروت الإداري) كوحدات لامركزية أساسية، وعدم المسّ بصلاحياتها وأموالها، واستحداث صندوقاً لا مركزياً بدلاً من الصندوق البلدي المستقل ويكون أعضاء مجلسه منتخبين”.
وبعده بدأ القاضي شكري صادر مداخلته بالقول: “لا مركزية ضمن دولة مركزية؟ إنّ ذلك ممكن بل مستحبّ وأكاد أقول أنه في lلإصلاحات الأساسيّة التي نصّ عليها اتفاق الطائف، سيّما وأنّ اللامركزية لا تلغي المركز الأساسي وهو الدولة وسلطانها، إنّما تأخذ المناطق إلى استقلال إداري ومالي لا سياسي، يتيح المشاركة الديمقراطية الحقيقية، وفعالية خدماتية ومحاسبة.
بالطبع إنّ إدخال نظام اللامركزية لا يجب أن ينفي ولا ينتقص من صلاحيات الدولة المركزية التي من أولى اهتماماتها حماية وحدة البلاد وتأمين الخدمات “العابرة للمناطق” بالسياسات العامة والسياسة الخارجية والدفاع والنقد والإنماء المتوازن”.
وأضاف: “إذاً إنّ اعتماد نظام اللامركزية يثبت أن لا تعارض بين سلطة مركزية قوية وبين لامركزية موسّعة وحقيقية، طالما لم تعمد السلطة المركزية إلى التسلط على المناطق، وطالما رُسمت الصلاحيات ما بين السلطة المركزية والمناطق بالشكل الذي يمنع أيّ التباس”.
ثمّ قال: “من أجل الحصول على نظام لا مركزية ناجح، لا بدّ من تحقق شرطين أساسيين :
الشرط الأول هو الوحدة، الوحدة لكيان اختار اللبنانيون أن يكون وطناً نهائياً لجميع أبنائه.
وهذه الوحدة واجبة ومؤكّد عليها في مقدمة الدستور:
١- فالفقرة “ط” منه نصّت على أنّ أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، فلا فرز للشعب على أساس أيّ إنتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.
٢- والفقرة “ي” منه نصّت على أن لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
٣- والمادة الأولى من الدستور نصّت على أنّ لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وذات سيادة تامة.
“بعد الشرط الأول لنجاح نظام اللامركزية وهو الوحدة، يطلّ علينا الشرط الثاني المكمّل له وهو التنوّع؛
ذاك التنوع الذي هو في صلب تكوين لبنان وصلب رسالته، لا بل أنّ هذا التنوّع جعل الحبر الأعظم يصف لبنان على أنّه وطن رسالة”.
ثم قال: “وتبقى مسألة إدارة هذا التنوع ضمن الوحدة. فلبنان مدعو لأن يكون واحداً تكويناً وخياراً، كما وأنّ لبنان مدعو لأن يكون متنوعاً تكويناً وخياراً أيضاً.
و الشعب اللبناني مدعو لأن يدرك أن في وحدته صلابة وفي تنوّعه غنى، سيّما وأنّ الوحدة هي الحامية للتنوّع، ولذلك إنّ حسن إدارة التنوّع هو الذي يحمي الوحدة”.
وأضاف قائلاّ: “أما على صعيد التطبيق، تجدر الإشارة إلى ملاحظات ثلاث:
١- إنّ الدستور قد نصّ على أنّ وحدة لبنان هي من المسلمات غير القابلة للبحث، وعلى أيّ قانون لامركزي أن يراعي ويحترم أحكام الدستور ويبقى تحت ظل اللأحكام تلك.
٢- إنّ تطبيق مبدأ وحدة الدولة لا بدّ أن يعود بعد أن تمّ اغتصابه من قبل طبقة سياسية حاكمة فاسدة وسارقة وبالفعل:
• لا زلنا نرى تخبطا في رسم السياسات العامة للبلاد على أنواعها.
• لا زلنا نرى تنازعاً في السياسة الخارجية للبلاد وهو مرآة لللإنقسام الداخلي.
• لا زلنا نرى أنّ السياسة الدفاعية أقلّ ما يقال فيها أنّها مأزومة.
• امّا عن السياسات النقدية فما وصلنا إليه من مآسي وإفلاس يغني عن وصفها.
٣- ويجدر القول أنّ المناطق في الإطار اللامركزي، لا تستطيع أن تحلّ محلّ السلطة المركزية لإصلاح الإعوجاج، الا أنها تستطيع أن تملأ بعض من هذا الفراغ محلياً، ونستذكر هنا الدور الإيجابي الفعال للبلديات في تأمين الحاجات الأساسية المحلية خلال جائحة كورونا”.
وختم قائلاّ: “ختاماً وباختصار:
– يجب على السلطة المركزية الاعتراف بالخصوصيات المتعددة الأشكال لدى المناطق واحترامها.
– إنّ إدارة التنوع توجب الحدّ من إمكانية التنازع على الصلاحيات، ممّا يعني أنّه يتوجب على المشترع أن يحتسب مسبقا لأكبر قدر ممكن من الأساسيات منعاً للتأويل أو التفسير خلافاً لإرادته أو خلافاً لغاية النصّ.
– إنّ إستعمال المشترع الدستوري لعبارة “لامركزية موسّعة” يفترض أن تترجم عملياً بأن تكون موسّعة في الصلاحيات والموارد في آن، وإلا فلا جدوى من نظام اللامركزية.
– بالطبع، إنّ توسيع الصلاحيات والموارد لا يجب ان يعفي السلطة المركزية من مسؤولياتها تجاه المناطق، كتأمين البنى التحتية والطرقات الدولية والنقل على المستوى الوطني والتربية والصحة والأمن الوطني.
– وتجدر ألإشارة أخيراً إلى انّ العملية اللامركزية، بقدر ما تحتاج إلى استقلال مالي وإداري، بقدر ما تستوجب مساهمات من قبل السلطة المركزية في ميادين مختلفة”.

Exit mobile version