الهديل

خاص الهديل: بعد الرصاصات الـ١٥ على عوكر: هل يجب على الوضع الأمني في لبنان تحسس رأسه؟؟

خاص الهديل:

لا يمكن الجزم في هذا الوقت المبكر بخلفيات واقعة إطلاق الرصاصات الـ١٥ على عوكر ليل أول أمس.. وحتى كشف الحقيقة بخصوص من أطلق النار، سيتم وضع ما حدث في عوكر تحت عنوان “تطور يستدعي بالحاح كشف خلفياته”.. 

وفي هذه اللحظة يبدو مطلوباً بإلحاح وضع الرصاصات الـ١٥ في مصنف أمني وسياسي والقيام بعملية تحليل شاملة وفق منهجية تقود بداية لوضع الاحتمالات، ولاحقاً لكشف الملابسات، وبالنهاية لتوجيه الاتهامات بناء على قرائن إذا وجدت، أو على ما توفر من شبهات.. فالمهم في هذا المجال أنه لا أميركا ولا لبنان يستطيع أن يرسل مصنف الرصاصات الـ١٥ إلى الأدراج المخصصة لختم التحقيق بعبارة “تقديم شكوى ضد مجهول”..

ووفق منهجية البحث عن قرائن تقود للتوصل إلى اتهام أو أقله إلى شبهة، يتوجب ترتيب الأسئلة حول “تطور إطلاق النار على عوكر”، كالتالي: 

أولاً- يبدو طبيعياً أن يتم البحث عن “تسمية مهنية” رسمية لما حدث، وذلك بانتظار أن تبين التحقيقات ماذا حدث بالفعل: وحالياً فإن أفضل تسمية هي: “تطور إطلاق النار على عوكر”؛ كون تسمية ما حدث “بحادثة عوكر” فيه تلميح جنائي، فيما تسميته “بعملية عوكر” فيه تلميح إرهابي!!؛ وعليه فإن التسمية المفضلة بانتظار كشف الحقيقة هي “تطور عوكر” بمعنى أنه حادث يشكل تطوراً يجب كشف خلفياته لمعرفة حقيقته؛ وأيضاً بمعنى أنه حادث يحتمل أن يكون جنائياً أو إرهابياً أو ردة فعل قام بها إنسان مضطرب نفسياً، الخ.. 

ثانياً- في وقائع “تطور إطلاق النار على سفارة عوكر”، يتضح التالي:

– منفذ إطلاق النار وصل إلى هدفه مشياً على الأقدام عبر الأحراش المؤدية لمنطقة السفارة،؛ وهنا يوجد غير تفسير: طريقة غير محترفة للوصول إلى الهدف؛ وهذا يرفع منسوب الشك بأن المسلح هو فرد ولا توجد جماعة أو حزب أو جهاز تقف وراءه.. لكن طريقة الوصول “مشياً عبر مناطق حرشية”، تحمل أيضاً معنى أن المسلح “تسلل” إلى منطقة هدفه عبر مسالك تؤمن له الاختفاء.. ومصطلح “التسلل” موجود في عالم المجموعات المدربة على حرب العصابات والأنصار والمنتمية للمدراس الثورية أو اليسارية أو الجهادية، الخ.. وقصارى القول هو أن هناك فرقاً جوهرياً بين القول أن منفذ “تطور عوكر” وصل إلى هدفه بطريقة بدائية، وبين القول أنه” تسلل” إلى هدفه، أي أنه استخدم أسلوب حرب العصابات؟؟!.. 

ثانياً- لقد استخدم منفذ إطلاق النار محفظة وضع بداخلها الرشاش الذي استخدمه بتنفيذ هجومه.. وعسكرياً يبدو مستغرباً أن يضع المهاجم سلاحه في محفظة يقوم بفتحها لحظة وصوله لهدفه، وأخذ رشاشه منها(!!)؛ فهذه الطريقة غير عملية عسكرياً، وتؤشر إلى أن المنفذ غير محترف ما يجعل الفعل الإرهابي مستبعداً.. أضف إلى ذلك أن “منفذ إطلاق النار على عوكر” ترك في أرض الهجوم بعد إطلاق رصاصاته الـ١٥ المحفظة والرشاش خاصته، وولى “هارباً”، وليس “منسحباً”.. وبحسب مصطلحات المنطق العسكري، هناك فرق جوهري بين “الهروب” من أرض العملية، وبين “الانسحاب” منها؛ فالأخيرة هي جزء منظم من خطة العملية، فيما الهروب هو تتمة لفعل عشوائي وليس محكم التخطيط!!.. 

ولكن ضمن هذه الجزئية يبرز احتمالان إثنان متقدمان من عدة احتمالات: الأول أن يكون المنفذ غير محترف، ولا توجد جهة أمنية محترفة وراءه؛ والاحتمال الثاني أن يكون هناك “جهة محترفة” أرسلت “منفذ غير محترف” لتنفيذ العملية ضد سفارة عوكر!!.. 

ومن الاحتمالات التي لها درجة ثانية في ترتيبها، أن يكون المنفذ ينتمي عقائدياً لجهة على صدام مع أميركا، وتبرع من تلقاء ذاته بتنفيذ عملية تعبر عن مناصرته للمشروع المعادي لأميركا.. 

ثالثاً- لا شك أن توقيت استهداف عوكر بـ١٥ رصاصة هو “التطور” الذي يحتاج للتوقف ملياً عنده: فالمطلوب معرفة ما إذا كان التوقيت هو “مصادفة”، أو أنه يعبر عن “رسالة سياسية وأمنية” لواشنطن، أو لجهة أو شخص يخص واشنطن في لبنان، أو لدولة تعمل في ملف أزمة لبنان بالتنسيق مع واشنطن!!. 

هنا يجب وزن الأمور بميزان الجوهرجي.. وهنا يجب السير بين النقاط الحساسة التي تحتاج لتشخيص حاذق ودقيق.. 

على طاولة المحققين بتطور عوكر الذي حصل ليلة أول من أمس، عدة سيناريوهات لفحص التوقيت: 

– من هذه السيناريوهات ما تم الحديث عنه بخصوص أن إطلاق الرصاص على عوكر جاء بمناسبة إحياء ذكرى الهجوم على السفارة الأميركية في بيروت عام ١٩٨٣.. 

وهذا احتمال تكمن أهميته في أنه يحاول ربط ما حدث ليلة ٢٠ أيلول ٢٠٢٣ في عوكر، بذاكرة الصراع في المنطقة مع الأميركيين. ولكن الثغرة الأساسية في هذا الربط بين ما حصل اليوم ضد سفارة أميركا في لبنان، وما حصل بالأمس (هجوم ١٩٨٣ وغيره) ضدها، هو أنه “اتهام سياسي” ويتوجه بالمباشر إلى حزب الله.. ولكن هذا النوع من الاتهام السياسي في هذه القضية غير وارد مبدئياً، كون الوقائع التي رافقت زيارة هوكشتاين الأخيرة إلى لبنان أوحت أن واشنطن ليس لديها في هذه المرحلة حذر أمني من حزب الله فوق الساحة اللبنانية، بدليل أن هوكشتاين والسفيرة الأميركية ذهبا بالسيارة وليس بالمروحية، إلى معقل حزب الله في بعلبك، وتناولا الغداء هناك بكل أريحية.. وهذه الزيارة لا تعكس أن هوكشتاين يحب تناول “مناقيش اللحمة البعلبكية”، بل تعكس بالأساس عدم وجود “حذر أمني أميركي” من حزب الله في لبنان.. وعليه فإنه أمنياً يمكن مبدئياً اعتبار أن “العلاقة الأمنية الصرفة” بين أميركا والحزب فوق الساحة اللبنانية، تمر حالياً “بفترة أريحية أمنية”، وبفترة علاقة “مناقيش بعلبكية”؛ وعليه يمكن مبدئياً إستبعاد أن حزب الله وجه رسالة بالنار لواشنطن عبر إطلاق الرصاصات الـ١٥ على عوكر.. 

.. غير أنه بمقابل علاقات “المناقيش البعلبكية” المريحة أمنيا بين حزب الله وواشنطن، توجد وقائع بينهما مشحونة بالتوتر الأمني.. أبرز هذه التوترات موجودة فوق الساحة السورية التي تضغط فيها واشنطن بشكل واضح على إيران، وعلى مجمل اللاعبين بوقائع الساحة السورية!؟.

إن تلميح واشنطن الاستراتيجي بأنها بوارد قطع طريق البوكمال بين إيران وكل من سورية وصولاً إلى لبنان، قد يستدعي تلميحاً من محور الممانعة بالمقابل، بأنه إذا نفذت أميركا تلميحها هذا، فإن استقرار أميركا في لبنان سيتعرض لإطلاق النار!!.. 

– لا ينبغي أيضاً – ولو بالشكل – تجاهل آخر المواقف الأميركية التي سبقت حدوث “تطور إطلاق النار على سفارة عوكر”. وكان آخرها موقف واشنطن باجتماع الخماسية في نيويورك المتصادم مع دور باريس في لبنان!!. والسؤال هنا: هل يمكن إيجاد ربط بين ما حصل في الخماسية وبين الرصاصات الـ١٥ على عوكر؟؟؛ هل يوجد متضررين من موقف واشنطن في الخماسية؟.. وبالمقابل هل يوجد مستفيدين من موقف واشنطن في الخماسية؟؟؛ ولذلك أراد المتضررون توجيه رسالة للمستفيدين الاقليميين والمحليين، تقول: لا تعتمدوا على دعم أميركا لكم في لبنان؟!. 

– يبقى القول بالنهاية أن هناك حاجة للبنان قبل أميركا لكشف ملابسات “تطور إطلاق النار على سفارة عوكر”؛ ذلك أن ثلاثة أرباع الاستقرار النسبي الحالي في لبنان، يقوم على شيوع مقولة تفيد بأن أميركا لا تريد حصول انهيار أمني شامل في بلد الأرز.. وعليه فإن خطر ما حصل في عوكر، يكمن في الإيحاء الذي يحمله بأنه تم هز أمن الجهة (أي واشنطن) التي يعتمد عليها اللبنانيون – ولو نفسياً – في أنها ليس فقط تمنع الانهيار الأمني الشامل في لبنان، بل لديها القدرة على منع الانهيار الأمني الشامل. 

الواقع أن بقاء هذا الشعور داخل البلد وبين شعبه وبين “الشعوب المقيمة” على أرضه، سيجعل الكثيرين يصبحون أكثر جرأة على تحدي الأمن في لبنان، وسيصبح لسان حالهم بخصوص أن واشنطن تضمن الأمن في لبنان، هو القول: فاقد الشيء لا يعطيه!!.

Exit mobile version