خاص الهديل:
حينما تم انتخاب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية سبق ذلك اتفاق بينه وبين الرئيس عبد الناصر، وتم تسميته لاحقاً باتفاق الخيمة التي نصبت للقاء بينهما على المصنع.. وحينما تم انتخاب ميشال سليمان سبق ذلك اتفاق الدوحة، وجاء الرئيس سليمان ليطبقه.. وحينما تم انتخاب رينيه معوض يقال أنه كان هناك اتفاقان اثنان للطائف: واحد أوروبي، والثاني أميركي، ويقال أن معوض اغتيل نتيجة حصول صدام وعدم توافق بين الاتفاقين؛ ثم جاء اتفاق الطائف الأميركي السوري بالرئيس الياس الهراوي كتطبيق لاتفاق الطائف الأميركي؛ وتبعه الرئيس اميل لحود الذي كانت مهمة عهده الإستمرار بتطبيق اتفاق الطائف.. وعام ٢٠٠٥ استشهد الحريري ولاحقاً حصل اتفاق الدوحة الذي جاء بميشال سليمان رئيساً.
وكل ما تقدم يؤكد أن الإتفاق هو الذي يأتي برئيس الجمهورية.. وليس العكس.. ولكن المقصود هنا هو الإتفاق الكبير الذي تتقاطع عنده العوامل الخارجية ومن ثم يتم إسقاطه على الاستحقاق الرئاسي في لبنان، ما يؤدي في اللحظة الأخيرة إلى إيصال هذا المرشح واستبعاد ذاك المرشح، أو العكس.
والاتفاق الذي يحدث بالعادة لا يتم بالأساس ومسبقاً على إسم الرئيس، بل على مواصفات العهد وعلى التسوية الداخلية والخارجية التي يجب السير بها خلال سنوات العهد الست.. فمثلاً، خلال الإنتخابات الرئاسية السابقة تم الإتيان بميشال عون بعد حصول اتفاقين إثنين، وليس اتفاقاً واحداً: الأول داخلي وسمي بالتسوية الرئاسية التي وزعت حصص العهد على القوى اللبنانية المختلفة (لاحقاً لم يحترم عون أي اتفاق داخلي أبرمه)، والاتفاق الثاني خارجي وسمي “باتفاق بيان القسم الرئاسي” الذي راهن على مضمونه الخارج بوصفه ثمناً سياسياً سيدفعه عون للخارج لقاء وصوله للرئاسة (وأيضاً عون لم يحترم أي بند من خطاب القسم الرئاسي)..
السؤال المطروح اليوم، مع مجيء الموفد القطري إلى لبنان، هو هل يحمل معه اتفاقاً خارجياً جاهزاً لإسقاطه على استحقاق رئاسة الجمهورية؟…
يبني المراقبون على وقائع آخر اجتماع للخماسية في نيويورك، معطى يقول أن الصورة بعد هذا الاجتماع أصبحت كالتالي: عملياً نهاية مبادرة لودريان، وذلك بعد اتضاح أن واشنطن لا تغطي مبادرته في لبنان، وأكثر من ذلك، لا تتفق مع طروحاته في لبنان.. والوريث الطبيعي للودريان في لبنان هو الموفد القطري الذي يبدو من الأجواء المتوفرة، أنه يحظى بدعم سعودي وأمريكي؛ أو أقله ينسق في لبنان معهما.
النقطة الثالثة التي تظهرها صورة الموقف الحالي للخماسية من لبنان، تتمثل بأن الموفد القطري لديه كلمة السر لجهة الشخصية التي تنطبق عليها المواصفات المطلوبة من الأغلبية الدولية بخصوص إسم فخامة الرئيس العتيد.. وهذا يعني أقله أن لعبة لودريان بخصوص فرنجية أو الفراغ، انتهت، لمصلحة تحديد خارطة طريق توصل لانتخاب مرشح المواصفات الدولية الذي هو الحل.
الموفد القطري – بحسب معطيات متوفرة وتحتاج إلى تأكيدات عليها – لديه مهمة تظهير الحل الدولي لأزمة الشغور الرئاسي؛ وبكلام أدق تظهير الحل المؤيد من أغلبية دول الخماسية؛ أما عملية كيفية تمرير اتفاق الحل داخل لبنان، وكيفية توزيع الأثمان التي ستدفع في سبيل انضاجه داخلياً؛ فهذه مسألة ستديرها الدبلوماسية القطرية الصاعد نجمها كوسيط دولي وعربي محترف في هذه الفترة، خاصة بعد نجاحها في ترتيب مرحلة ما بعد انسحاب أميركا من أفغانستان، وترتيب “طبخة” تحرير الأسرى مقابل المليارات الستة لإيران، الخ..
.. وأصلاً فإن لبنان منذ دخل مرحلة تطبيقات اتفاق الدوحة كتمكين لاتفاق الطائف وليس كتعديل له، أصبح عربياً مسجلاً في عيادة الدبلوماسية القطرية لحل مشاكله.. وجاءت التحولات الكبرى في السياسة السعودية التي غيرت من طبيعة أولويات الرياض، لتؤكد أن قطر في لبنان، هي حاجة عربية لإبقاء الدور العربي فيه.. وهي أيضاً تمثل استراتيجية دور يقدم لمشاكل لبنان “الدواء العربي”، بمقابل الأدوية الأخرى التي ثبت عدم جدواها، وبخاصة الدواء الفرنسي.
والواقع أن “الدواء العربي” الذي يحمله الموفد القطري في زيارته الراهنة إلى لبنان، يتكون من المركبات التالية:
المكون الأول يمتاز بأنه يعزل الجانب السلبي من مبادرة لودريان، ويستثمر بالجانب الإيجابي مما توصل إليه لودريان في لبنان؛ والمقصود هنا ما يقال عن أن الأجوبة النيابية على سؤاليّ لودريان بينت أن نسبة كبيرة من النواب يلتقون على مشترك واحد حول مواصفات فخامة الرئيس العتيد.. وهذا يعني أن الموفد القطري سينطلق داخلياً من هذا المشترك، ليبدأ عملية القفز عن مناورات ترشيح أزعور وفرنجية، إلى ترشيح الإسم الثالث المطابق لمواصفات الأكثرية النيابية والخماسية، والذي سيكون أغلب الظن قائد الجيش.
المكون الثاني للدواء العربي القطري سيعتمد على تراكم علاقات الدوحة اللبنانية لجعل حل الشغور الرئاسي يحمل مصالحة لدور لبنان خلال سنوات العهد الجديد الست، مع فضائه العربي ومع المجتمع الدولي..
الأيام القادمة ستوضح كيف سيقنع الطبيب القطري المريض اللبناني بتناول الدواء العربي لنيل شفاء متدرج من مرضه الذي وصفه أمير قطر في خطابه الأخير بأنه بات مرضاً وجودياً يستلزم علاجاً مستديماً..