خاص الهديل:
انتهت قصة الرصاصات الـ١٥ على سفارة أميركا في عوكر بتوقيف “عامل توصيل” (دليفري) لديه سوابق إطلاق نار على مؤسسات رسمية وخاصة، كان بينها مديرية الأمن العام.
.. وبحسب سيرته الجنائية، فإن عامل الدليفري لدى شركة توترز ويدعى محمد خليل، يعمد للقيام بالتعدي بإطلاق النار، نتيجة خلافات شخصية تحصل معه مع الزبائن الذين يوصل إليهم الطعام من قبل شركة توترز.
وسيكون على وكالة الاستخبارات الأميركية خلال الساعات المقبلة، أن تُقنع البيت الأبيض بأن ما حصل ليل الأربعاء الماضي، هو اعتداء من قبل عامل دليفري على سفارة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان؛ كما عليها أن ترفع بالتشارك مع وكالة الأمن القومي والقيادة الوسطى في الجيش الأميركي تقدير موقف يؤكد أن حادثة إطلاق النار على سفارة عوكر لا يعني رفع منسوب الخطر المحدق بالدبلوماسيين والمقيمين الأميركيين في لبنان..
.. ومع ذلك، ورغم أن الحادث عرضي، إلا أن مجرد أن يتم تنفيذ هجوم عسكري على أكبر دولة في العالم من قبل عامل دليفري يعمل لصالح شركة طعام متواضعة؛ هو أمر يجب أن يدعو وكالات الاستخبارات الأميركية للتفكر بعمق به. وذلك أقله من عدة زوايا؛ يمكن إيجازها من خلال المقاربة التالية..
هناك في علم الأمن ما يسمى “بالخطر الذي يأتي من مصدر غير متوقع”؛ أي ما يسمى إصطلاحاً “بالإحتمالية الأمنية الضعيفة”. فبالعادة تتحسب دولة كبرى مثل أميركا لاحتمالات الأخطار الكبرى وليس الصغيرة، وذلك من نوع أن تتعرض سفارتها في لبنان مثلاً، لهجوم إرهابي كبير، أو لمهاجمتها بسيارة مفخخة، أو لتوجيه مسيرة ملغمة نحوها، أو تتعرض لهجوم سيبراني، أو لعملية مركبة من تخطيط مشترك روسي – إيراني، الخ… ولكن أن ينجح عامل دليفرلي بإطلاق النار على السفارة ثم يعود من حيث أتى؛ فهذا أمر بالتأكيد يسجل نقطة فشل استخباراتي في سجل المشرفين على وضع خطط حماية السفارة، وفي سجل المسؤولين عن وضع تقديرات حول نوعية الأخطار المحتمله أن توجه ضد السفارة، وعن كيفية منعها أو قمعها أو مواجهتها قبل حصولها.
إن ما يجعل المستوى المشرف على مهمة توقع الأخطار المحدقة بالسفارة – وهؤلاء هم حصراً قيادة جهاز أمن سفارة عوكر – يتحمل مسؤولية إرتكاب فعل “التقصير” بحادثة الرصاصات الـ١٥ على سفارة عوكر، يعود لكون أن جوهر مسؤوليتهم تقع في منع حصول اعتداء على السفارة، بغض النظر عن ما إذا كان منفذ هذا الإعتداء عامل دليفري أم عميل “كي جي بي” أو مرسل من قبل اطلاعات الإيرانية أو جهاز الـ٩٠٠ التابع لحزب الله.. وبغض النظر عن ما هو نوع السلاح الذي يحمله منفذ العملية؛ فالمطلوب هو منع وصول هذا السلاح إلى منطقة السفارة بغض النظر عما إذا كان “بندقية كلاشنكوف” أو “صاروخ سنغر”..
.. فبالنهاية، ومن الناحية العملية وليست السياسية؛ هناك خرق أمني تعرضت له السفارة؛ وهذا مكمن الخطر، كون ما حدث يجيز الافتراض بأنه ماذا كان سيحصل لو أن عامل الدليفري لم يكن بالحقيقة تابع لشركة “توترز” شركة خدمات التسوق الإلكتروني والتوصيل في لبنان، بل لوكالة استخبارات معادية لأميركا، أو لو أنه كان يحمل عبوة من مادة السيفور شديدة الانفجار، وليس مجرد طلقات كلاشينكوف؟؟.
.. ولكن الفكرة الأساسية هنا التي تركها وراءه عامل الدليفري، وذلك من دون أن يقصد، هي أن كل الأمن في لبنان، بما في ذلك أمن الولايات المتحدة الأميركية في لبنان التي تقول واشنطن أنها تضمن استمرار الأمن في بلد الأرز، غير ممسوك؛ وحتى ليس نسبياً؛ وأنه حتى يصبح ممسوكاً، وحتى لا يعود مجرد أمن نسبي مهتز، فإنه يتوجب التنبه حتى لغضب عامل الدليفري؛ علماً أنه في حال وضع لبنان لا يتم التنبه لا لغضب الشعب اللبناني المنهوب، ولا لغضب موظفي القطاع العام الجائعين، ولا لغضب النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون ظروف قهر اجتماعي واقتصادي.
واستدراكاً فإن الملاحظة الهامة التي يجدر لفت النظر إليها هنا، هي أن السفيرة الأميركية في بيروت تستطيع أن ترفع لبلدها تقريراً مقتضباً صباح هذا اليوم تقول فيه: لا خلفيات إرهابية ولا سياسية وراء حادث إطلاق النار على سفارتنا في بيروت… كل الأمر يتعلق بحادث فردي نفذه عامل دليفري له سوابق في إطلاق النار على المؤسسات العامة..
والواقع أن تقدير الموقف الوارد أعلاه صحيح تقنياً، ولكنه ليس كافياً سياسياً؛ فحري بالسفيرة الأميركية إضافة فقرة في تقريرها لبلدها تقول: ان عامل الدليفري نجح في اختراق أمن الولايات المتحدة الأميركية العظيمة لكونه كان غاضباً من معاملته ..
وتستطيع إن أرادت القول أن أمن لبنان كأمن المنطقة يحتاج لصيانة اجتماعية وسياسية، وحتى صيانة تتوقع الاحتمال الضعيف لمصدر الخطر، وهو حقوق الشعوب المظلومة من حكامها أو من محتليها أو من السكوت الأميركي على الظلم في المنطقة..