الهديل

خاص الهديل: أخطار النزوح السوري على حضور اللجوء الفلسطيني في لبنان: احتمالات الصدام!!.

خاص الهديل:

يتعامل لبنان مع ملف النزوح السوري إعلامياً (صدى للمشكلة)، وبسياسة حزبية وليس عبر سياسة دولة، ما يجعل الإدارة الدولية، وحتى الإدارة المحلية من قبل النازحين السوريين لشؤونهم، أقوى وأهم سياسياً واقتصادياً وحتى أمنياً من إدارة الدولة اللبنانية وأجهزتها لملفهم..

وهذا الواقع جعل ملف النازحين السوريين في لبنان، هو الملف الأبرز الذي يظهر بالدليل الملموس والمعاش أن الدولة في لبنان ليس فقط عاجزة عن التعامل معه، بل هي في وضع تحلل وفشل. 

.. ولكن إلى جانب كل هذا القصور للدولة الذي باتت معالمه واضحة ومعروفة، فإن ما يجدر تسليط الضوء عليه ضمن هذا الموضوع هو أخطار لا تزال غير معلومة، رغم أنها بدأت بالبروز بشكل جلي خلال الفترة الأخيرة..  

أبرز هذه الأخطار تتمثل بأن ديموغرافية النزوح السوري بدأت تتحول إلى فسيفساء متداخلة مع اللجوء الفلسطيني في لبنان؛ وأيضاً بدأ النزوح السوري يتحول إلى كتلة ذات مواصفات تجعلها مرشحة لأن تكون منافسة لاجتماع اللجوء الفلسطيني في لبنان، وذلك على غير صعيد(!!). 

ويمكن لحظ هذا التطور من خلال عدة أمثلة قائمة فعلياً؛ منها مخيم برج البراجنة الواقع جنوب بيروت والذي تحول ديموغرافياً من مخيم للاجئين الفلسطينيين إلى مخيم للنازحين السوريين بأغلبيته الكبرى، أو أقله فهو تحول بنسبة واضحة إلى مخيم للنازحين السوريين يقيم بينهم لاجئون فلسطينيون.

لقد بدأ دخول النازحين السوريين إلى مخيم برج البراجنة بواسطة استئجار منازل اللاجئين الفلسطينيين فيه بالعملة الصعبة، ما جعل اللاجيء الفلسطيني في مخيم برج البراجنة يفضل تأجير منزله للنازح السوري بالدولار، فيما يقوم هو (أي اللاجيء الفلسطيني) بالانتقال للإقامة في مخيم عين الحلوة عند أقاربه أو عبر الاستئجار هناك بالليرة اللبنانية. 

إن مصطلح نازح اقتصادي بدأ تطبيقه منذ بدايات طفرة النزوح السوري إلى لبنان، ولكن على اللاجيء الفلسطيني الذي تزامنت معاناته المالية نتيجة تخفيض الأونروا الحاد تقديماتها له، مع وفود النازح السوري إلى لبنان وبحوزته عملات صعبة تم مده بها من مصادر متعددة. 

.. حتى مخيم عين الحلوة الذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني، فهو أصبح أيضاً مساحة ديموغرافية تضم بالإضافة للاجئين فلسطينيين من سكانه الأصليين، لاجئين فلسطينيين نازحين إليه حديثاً من سورية، وهؤلاء الأخيرون أحياناً تتضاءل نسبتهم داخل إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين من سكان المخيم الأصليين؛ ولكن في أحايين أخرى يصبح عددهم يقترب من ربع كل سكان المخيم. 

.. صحيح أن اللاجئين من أبناء مخيم عين الحلوة واللاجئين النازحين إليه من مخيم اليرموك (وغيره) في سورية، هم بالنهاية فلسطينيون، ولكن ضمن خاصية التفاعل الاجتماعي في المخيم، فإن مقاييس العلاقات فيه تتقارب وتتساكن بهدوء على أساس التقارب العائلي، وتتباعد باتجاه الخصام على أساس اختلاف أصل المكان والحمولة المتحدر منهما اللاجيء الفلسطيني.  

ومن خلال تفحص أبعاد جولات العنف في مخيم عين الحلوة، يتضح أنه ليس كل أبعادها سياسية، بل هناك أبعاد إجتماعية وعائلية وأسباب ذات صلة بحساسيات متوارثة من اختلاف البلدات الفلسطينية التي قدم منها اللاجئون الفلسطينيون إلى مخيم عين الحلوة..

ونفس الأمر ينطبق على النازح السوري الذي يحمل معه إلى لبنان حساسيات الاختلاف بين المناطق السورية وعائلاتها.. وهذا الملمح بدأ يتمظهر بشكل جلي داخل مخيمات النزوح السوري في لبنان، رغم أن هذا النزوح لا يزال حديثاً.. وآخر دليل عنه ما حدث أمس من اشتباكات استعملت فيها الرشاشات بين النازحين السوريين “الحماصنة” (نسبة إلى حمص)، ونازحين آخرين يتحدرون من منطقة سورية أخرى، يقيمون في مخيم للنزوح اسمه “أبو رأس”.. 

إن الفكرة الأساس من كل ما تقدم تفيد بأن النازح السوري التجأ إلى مجتمع اللجوء الفلسطيني في لبنان، كي يعيش بين ظهرانيه أو بجواره.. ولذلك نلاحظ أن النازحين السوريين قصدوا في بيروت مخيم صبرا ومخيم برج البراحنة ليقيموا فيهما.. كما قصدوا مناطق لبنانية مجاورة للمخيمات الفلسطينية وقطنوا فيها، علماً أن هذه المناطق تعيش فيها بيئات متعددة الجنسيات، ومن سكانها أيضاً بيئات لبنانية مهمشة..

ومفهوم لماذا يقصد النازح السوري مناطق اللجوء الفلسطيني، أو مناطق محاذية لها، وهي تكون بالعادة ضمن فضاء المخيم الاقتصادي (أسواق صبرا مثلاً تمتد إلى خارج المخيم، وتتصل بأطراف أحياء طريق الجديدة).. فالهدف من إقامة النازح السوري بين ظهراني مساحة اللجوء الفلسطيني الاجتماعي والاقتصادي، هو التخفيف من شعوره بالنقص الإجتماعي الذي قد يواجهه فيما لو أقام في مناطق لبنانية خالصة.. أضف إلى انخفاض كلفة المعيشة عليه قياساً بكلفته في مناطق الاجتماع اللبناني، الخ..  

.. وبكل حال فإن ملخص الصورة الراهنة باتت على الشكل التالي: 

تداخل كبير بين مجتمعي النزوح السوري واللجوء الفلسطيني في لبنان، لدرجة أن حضور النازح السوري سيبدأ يطغى شيئاً فشيئاً على حضور اللاجيء الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية، وفي الأسواق المجاورة للمخيمات الفلسطينية والتي تشكل فضاء الاقتصاد الفلسطيني في لبنان.

وما تقدم يهدد بحدوث أمرين إثنين في المستقبل القريب: أولهما تعاظم احتمال الصدام بين النازح السوري واللاجيء 

الفلسطيني، سواء لأسباب اقتصادية أو لأسباب ديموغرافية، وذلك بحكم تواجدهما فوق ديموغرافيا واحدة وهي المخيمات ومناطق جوارها.

الثاني حلول النازح السوري مكان اللاجيء الفلسطيني على لائحة اهتمام المؤسسات الدولية به، وصرف موازنات للتقديمات الإجتماعية له. ففيما شهدت السنوات الأخيرة تخفيضات من قبل وكالة الأونروا للاجيء الفلسطيني في لبنان، قامت المؤسسات الدولية بالصرف بسخاء على ما يحتاجه النازح السوري في لبنان، وذلك عبر تقديم المال له مباشرة، وليس عبر الدولة المضيفة لتقدمه له.

 

Exit mobile version