الهديل

خاص الهديل: رسائل كاراباخ للبنان: بدأ زمن “الترانسفير” لتغيير ديموغرافيات ووقائع “جيوسياسية”!!

خاص الهديل:

هجوم أذربيجان المفاجئ عسكرياً، وليس سياسياً على إقليم كاراباخ؛ إنما يعطي مثلاً في زمن “الحرب الكونية الأوكرانية الثالثة”، كيف أنه في مراحل الأزمات العالمية الانتقالية، تجبر أقاليم أو دول قائمة على حل نفسها، وإلغاء وجودها كما فعل إقليم كاراباخ قبل أيام..

والواقع أن نموذج ما حدث في إقليم كاراباخ، وما حدث لإقليم كاراباخ الذي لم يعد موجوداً؛ إنما يذكر بما حدث في فلسطين، ولفلسطين بين الحربين الكونيتين الأولى والثانية، توصلاً لزوال دولة فلسطين من الوجود عام ١٩٤٨.

ثمة “دول كاملة” أو “أقاليم شبه مستقلة”، تجبر عملياً على الزوال، أو حتى تجبر رسمياً على توقيع وثائق إعدام سيادتها وزوالها من الوجود، وذلك تحت ضغط تأثيرات الأحداث العالمية الكبرى عليها؛ ولذلك درج القول أنه في زمن التحولات الدولية الحادة يجب على الدول الصغيرة، أو الأقاليم المستقلة على نحو هش، أن تتحسس رأسها، وأن تحاول تحصين وجودها ريثما يمر تسونامي التحول الدولي العاصف..

والواقع أن تطبيقات هذه المقولة التي حصلت عملياً وفعلياً في كاراباخ، يجب أن يحذر منها في هذه المرحلة، لبنان الدولة الهشة والمتشظية طائفياً والمحتضرة اقتصادياً؛ ويجب أن تحذر منها سورية الدولة العالقة داخل نفق أحداث العام ٢٠١١ الذي أشعل نيران تغيير دول المنطقة؛ وأيضاً يجب أن يخشاها إقليم كردستان – العراق، والإقليم المستجد التابع للإدارة الذاتية الكردية في سورية (قسد)!!. 

وبما يخص لبنان فإن الرسالة التي يجب أن تصل إليه من ما حصل في كاراباخ، هي التالية:  

أولاً- لم تستطع الضمانة الأمنية والعسكرية الروسية حماية إقليم كاراباخ من الزوال.. وليس مهماً هنا لماذا قرر بوتين سحب يده من ملف حماية إقليم كاراباخ، بل العبرة المستخلصة مما حصل، هي أن الدول الهشة أمنياً وسياسياً ما عاد ينبغي لها أن تثق بأن الدول الكبرى قادرة – أو هي صادقة فعلياً – على تشكيل ضمانة لحماية بقاء أو استقلال الدول الصغرى والأقاليم الهشة..

وبالنسبة للبنان فإن الوعد الأميركي بحماية استقراره النسبي؛ لا يجب أن يشكل طمأنينة وجودية له؛ بل يجب إبقاء اليد موضوعة على القلب، خشية أن تحصل مفاجأة للبنان من نوع وقوعه في “كمين حدوث تحول دولي كبير مفاجئ”، ما يدفع العم سام للتخلي عن ضمانته لاستقرار لبنان وحتى لوجوده تماماً كما أن روسيا في لحظة تحول دولي تخلت عن ضمانتها لوجود إقليم كاراباخ..

ثانياً- إن درس كاراباخ يجب أن يعلم لبنان أن العالم يتفاعل في هذه اللحظة ضمن أخطار تحولات مصالح الدول الكبرى؛ وبالتالي يجب أن ينظر لبنان إلى مأساة كاراباخ التي تكرر مأساة الأرمن في القوقاز، من زاوية أن مأساة زوال فلسطين ممكن أن تتكرر مع بلد آخر في المنطقة، وذلك بسبب حدوث تحولات كبرى في مصالح الدول..

 .. كما أن مآسي عمليات الترانسفير الجماعي (الترحيل) التي تجري للأرمن من إقليم كاراباخ باتجاه يوريفان، يجب أن يذكر لبنان بأن عمليات الترانسفير الجماعي الجارية حالياً من سورية إلى لبنان، ليست حالة منعزلة عن مناخ دولي تحدث فيه حالياً عمليات تبدل حاد للديموغرافيات، ما يؤدي لزوال أقاليم ودول صغيرة وهشة، لصالح قيام وضع جيوسياسي جديد!!.

إن ما يحدث في كاراباخ يؤكد أن التاريخ لا يتوقف عن تكرار الأخطاء الإنسانية الصادمة، بحق القوميات التي سبق لها أن دفعت ثمن حدوث تحولات حادة في مصالح الدول الكبرى؛ والواقع أن الأرمن هم شاهد على صحة هذه المقولة، تماماً كما أن الفلسطينيين قد يشهدون تكرار تجربة تهجيرهم مرة ثانية وذلك بمناسبة أن العالم موجود اليوم في لحظة تغير؛ فيما دول تتجه لأن تصبح فاشلة، مثل لبنان، قد تدفع من وجودها ثمن إعادة ترتيب الوضع الجيوسياسي في المنطقة….

 

Exit mobile version