خاص الهديل:
نظرياً يبدو أن وقوع حرب بين إسرائيل وحزب الله هو أمر وارد جداً، ولكنه مؤجل؛ بينما عملياً واستراتيجياً يمكن الافتراض بقوة أن حرب العام ٢٠٠٦ هي آخر حرب ستقع بين إسرائيل وحزب الله.
ثمة عِبر تركتها حرب العام ٢٠٠٦، ولعل أهمها هي أن من اتخذ قرار اندلاع هذه الحرب حينها، ليست تل أبيب ولا حارة حريك، بل البيت الأبيض.. وأيضاً من اتخذ قرار إنهاء تلك الحرب حينها، لم تكن لا إسرائيل ولا حزب الله، بل واشنطن.
.. ويستفاد مما تقدم أعلاه أنه لا السيد حسن نصر الله ولا اولمرت كان يريد وقوع حرب العام ٢٠٠٦؛ وأن هذه الحرب كان سيتم تفاديها، لو كان قرارها متروكاً لكل من إسرائيل وحزب الله، ولو أن أميركا لم تكن تريد شن حرب على حزب الله الذي تعتبره وكيلاً لإيران على شاطئ المتوسط.
حتى داخل حزب الله برز تقويم لأسباب اندلاع حرب العام ٢٠٠٦ يقول أن الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الحزب في تقديره للموقف حينها تمثل بأنه خلال التخطيط لأسر الجنود الإسرائيليين، كان واضحاً له أن إسرائيل لا تريد الحرب، ولذلك فهي لن ترد على أسر جنودها بشن حرب، ولكن الحزب لم يسأل نفسه حينها ما إذا كانت أميركا تريد الحرب؟؟..
وحينما قال أمين عام حزب الله لاحقاً عبارته الشهيرة “لو كنت أعلم”، لم يكن يقصد لو كان يعلم أن إسرائيل تريد الحرب، بل لو كان يعلم أن أميركا تريد الحرب؟؟.
ومنذ واقعة حرب ٢٠٠٦، أصبح السؤال الدائم في حزب الله، هو ليس فقط هل إسرائيل لديها مصلحة أو تريد الحرب؛ بل أيضاً وبالأساس وبدرجة أولى، هل أميركا لديها مصلحة وتريد الحرب مع حزب الله؟؟..
والواقع أن قراءة استراتيجية للمناورات العسكرية الكبرى التي أجرتها إسرائيل بعد العام ٢٠٠٦ حتى الآن، تظهر أمراً أساسياً وهو أن تل أبيب عسكرياً، وأيضاً لأسباب إستراتيجية أبعد من عسكرية، لا تريد الحرب مع حزب الله، وبنفس الوقت فهي لم تعد تستطيع خوض حرب شاملة في المنطقة بمفردها؛ بل هي باتت بحاجة لأن تشاركها أميركا مباشرة في خوض أية حرب إقليمية مقبلة.
.. وأحد الأسباب الأساسية التي تحتم هذه المعادلة هو أن إسرائيل فقدت ميزة جعل أية حرب إقليمية مقبلة بمثابة حرب قصيرة زمنياً، ومحصورة مجرياتها العسكرية داخل “أرض العدو”؛ وتفترض الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الجديدة أن قوة النار الأميركية وسطوتها السياسية، وحدها التي تستطيع جعل الحرب قصيرة زمنياً، ووحدها التي تستطيع حصر نيران الحرب فوق أرض الخصم..
كما أن إعتماد الجيل الجديد من الحروب على نار الصواريخ والمسرات بعيدة المدى، يحرم تل أبيب من “ميزة الصمود الممكن لجبهتها الداخلية ولاقتصادها” في أية حرب مقبلة إقليمية، كون إسرائيل تعاني من عدم امتلاكها عمقاً ديموغرافياً شاسعاً..
.. ورغم أن المستوى العسكري الإسرائيلي حاول أن يحل هذه المشكلة الإستراتيجية، من خلال الاتفاق مع قبرص على أن تصبح بكاملها مساحة ديموغرافية خلفية لمسرح عمليات الجيش الإسرائيلي، في حال نشبت حرب إقليمية؛ إلا أن هذا الحل أثبت أنه غير شاف، وذلك رغم أن قبرص قريبة جغرافياً جداً من فلسطين المحتلة؛ ورغم أن الجيش الإسرائيلي أجرى مؤخراً عدة مناورات عسكرية واسعة في الجزيرة على كيفية استخدامها كحديقة ديموغرافية خلفية لإسرائيل وللجبهة الإسرائيلية ضد حزب الله ولبنان، وبالأساس كمساحة جغرافية صديقة تعوض إسرائيل النقص الجغرافي لميدانها العسكري ولجبهتها الداخلية الضيقة في الوسط وعديمة الامتداد الطولي الجغرافي..
وفي زمن أن الحرب قرارها في واشنطن؛ فإن كلاً من الحزب وإسرائيل ذهبا لصياغة نظرية استمرار الاشتباك تحت سقف عدم الانزلاق لحرب شاملة؛ فإسرائيل بعد حرب العام ٢٠٠٦ ابتدعت “نظرية خوض معركة بين حربين”؛ وخلاصتها أن الجيش الإسرائيلي يشن عمليات تقليم أظافر قوة حزب الله النوعية، ومنع ترسانته العسكرية من النمو، وذلك عبر شن ضربات عسكرية لا تنزلق إلى حرب شاملة.. وبالمقابل صاغ حزب الله نظرية “توازن الرعب” الهادفة لتحقيق أمرين إثنين: الاول رسم قواعد اشتباك مع إسرائيل تتضمن خطوط حمر لا تتجاوزها تل أبيب، والثاني استمرار الحرب مع إسرائيل بوسائل تخفض التوتر إلى ما دون الحرب الشاملة..