خاص الهديل:
هناك عدة أسئلة يحتاج لبنان للإجابة عنها بشكل واضح حتى يمكن تجنب كوارث محتومة، أهمها في هذه اللحظة عن الخلفيات الحقيقية والعميقة الكامنة وراء القرار الدولي بعدم إرجاع النازحين السوريين في لبنان إلى بلدهم؛ وعن السبب الحقيقي الكامن وراء فتح أبواب لبنان على مصراعيها أمام ولوج النازحين السوريين بأعداد هائلة إليه؟؟.
لا أحد في لبنان يملك إجابة عن هذا السؤال، والمستوى السياسي في لبنان مستهلك كلياً باهتمام واحد وهو كيف يتم توظيف ملف النزوح السوري في الصراع الداخلي على رئاسة الجمهورية؛ ولعل سلوك جبران باسيل على هذا الصعيد هو خير مثل عملي على هذا الواقع السياسي الأسود الذي يسود البلد..
وهناك من يقول أنه إذا كان كل اللبنانيين يسلمون اليوم بوجود خطة خارجية غير معروفة الأهداف النهائية حتى الآن، لتخريب لبنان ديموغرافياً، كمقدمة ربما لإزالة وجوده أقله بشكله الحالي؛ فإنه والحل هذا، بات أيضاً من المنطقي التسليم بأن كل ما حصل ويحصل للبنان من انهيار شامل، كان سببه وجود خطة خارجية لإنهاء وجوده بالشكل الذي كان عليه منذ العام ١٩٤٣ لغاية ١٧ تشرين العام ٢٠١٩؟؟.
.. ولكن رغم أخذ ملف النازحين السوريين كقرينة لإثبات مسؤولية أن الخارج هو المسؤول عن كل ما يحدث من كوارث للبلد؛ إلا أنه حتى الآن لا يوجد إجابة موحدة لدى لبنان عن السؤال الذي سيبقى أساسي، وهو هل الانهيار الحالي مسؤول عنه الخارج أم الداخل، وما هي حدود مسؤولية كل طرف؟؟.
ينقسم اللبنانيون في إجابتهم عن هذا السؤال إلى قسمين، الأول يرمي بالمسؤولية على مؤامرة خارجية.. ولكن بالمقابل، يجري اتهام أصحاب هذا الرأي بأن هدفهم ليس تحري الحقيقة، بل تبرئة الطبقة السياسية المتحكمة من المسؤولية عن دورها المباشر وغير المباشر، بالتسبب بوقوع كارثة الإنهيار وسرقة أموال المودعين في المصارف والشلل العام الذي أصاب الدولة.
والقسم الثاني ينفي وجود مؤامرة خارجية، ويعيد كل أسباب الإنهيار إلى فساد الطبقة السياسية المتحكمة في البلد..
والمرجح أن يستمر “سجال البيضة قبل الدجاجة أو العكس” بين الطرفين حول سبب الانهيار الحالي، حتى قيام الساعة، تماماً كما يستمر في هذه الأيام السجال بين القائلين بعقد انتخاب الرئيس قبل الحوار، وبين القائلين بإنتخاب الرئيس قبل الحوار(!!).
.. وفي الحالتين فإن النتيجة واحدة، وهي أنه في الأولى لن يتم التوصل لتشخيص وطني موحد لسبب الإنهيار الحالي، ما يبقي البلد على ما هو عليه من التخبط الوجودي، وفي الحالة الثانية، لن يتم التوصل لانتخاب فخامة الرئيس العتيد، ما يبقي البلد عالقاً في نفق الشغور الرئاسي..
.. ولكن هناك في الواقع مستجداً حصل مؤخراً على هذا الصعيد بحسب مصادر متابعة؛ ومفاده أنه بات يجري داخل ردهات على صلة بالخماسية، نقاش يقول أنه يجب تغيير مقاربة كيفية الحل في لبنان، وذلك بعد أن ظهر من خلال تجربة المبادرة الفرنسية، أمر أساسي وهو أنه من دون إجراء محاسبة دولية حول من المسؤول عن الإنهيار الحالي في لبنان، لن يكون بالإمكان تعبيد الطريق الموصل لإعادة بناء بلد الأرز، ولا إلى حل أي تفصيل مهما كان صغيراً، داخل الأزمة اللبنانية.
وتسرب مصادر أن النقاش الجاري حالياً داخل ردهات على صلة بالخماسية – ولو أنه لا يزال في بدايته – بات يميل الى اعتبار أن طريق الحل الوحيد للأزمة اللبنانية، يبدأعندما يعترف العالم بالمشكلة التي أوجدها هو ذاته قبل نحو أربعة عقود؛ ومفادها ارتكابه “خطأ قاتلاً” حينما أنتج سيناريو كيفية تطبيق الطائف؛ وهو أمر بات ينبغي تصحيحه اليوم، حتى يمكن لدستور الطائف أن يستمر حياً.
.. أما عن طبيعة هذا “الخطأ القاتل”، فهو لا يتمثل بعيوب موجودة في بنود الطائف ونصوصه، بل يتمثل في أن القوى الدولية التي وقفت وراء هندسة كيفية تنفيذ الطائف داخل لبنان، لم تلتفت إلى النتائج الخطرة التي ستسفر عنها عملية تسليم حكم البلد في مرحلة جمهورية الطائف، لأمراء الميليشيات، ولم تنتبه – أي هذه القوى الدولية -، إلى أن هؤلاء الأمراء هم من “سلالات” ثقافية وسياسية مشوهة وتخريبية، و”غير دولتيه”؛ وأن حقيقتهم هذه لن يتم إلغاؤها من خلال اقناع أمراء الحرب هؤلاء، باستبدال ثيابهم العسكرية ببدلات مدنية مع ياقات عنق..
ويركز الأمر الذي بدأ يتم طرحه حالياً في ردهات الخماسية، على المكمن الحقيقي للمشكلة اللبنانية؛ وعلى المربط الحقيقي للحل.. وبسهوله بدأت نقاشات الخماسية تكتشف أن مكمن المشكلة موجود داخل واقع أن أمراء الحرب الأهلية أداروا جمهورية الطائف بوصفها “غنيمة حرب” لهم، وليس بوصفها مساحة انتقال من مرحلة الحرب الأهلية إلى مرحلة بناء دولة.. ويلاحظ اليوم أن أمراء الحرب ذاتهم ينظرون للحل بخصوص الخروج من الانهيار الحالي، بوصفه مناسبة لعقد صفقة حول كيفية إعادة إنتاج حصصهم.. وعليه بدأ يتم حالياً الاستنتاج داخل الخماسية بأن حل المشكلة اللبنانية يقع في اتخاذ إجراء واحد لا ثان له، وهو اجتثاث سلاسة أمراء الحرب، بحيث يتم إنهاء أي دور لها خلال المرحلة الجديدة التي يتعين خلالها تصحيح أسباب الانهيار وإعادة بناء الجمهورية بواسطة رجال دولة وقوى مجتمعية وليست ميليشاوية..
.. والواقع أن البدء بإثارة هذا النقاش داخل “ردهات تفكير” متصلة بالخماسية، هو الذي يبرر لماذا ارتفع في هذا الوقت التلميح من قبل أطراف في الخماسية، بضرورة الذهاب للعقوبات على معرقلي تسوية إنهاء الشغور الرئاسي؛ والمقصود هنا على المتسببين بكل أزمة الانهيار وليس فقط بأزمة إطفاء أضواء قصر بعبدا.
السؤال: هل الخماسية تتجه نحو التحول إلى إطار دولي لمحاكمة المسؤولين اللبنانيين عن الانهيار المالي والاقتصادي والآن السياسي؟؟.. وهل يستفيد المجتمع الدولي من جلوس الخماسية تحت قوس العدالة من أجل لبنان؛ ليسهل عليها إدارة ملف النازحين في لبنان وإدارة ملف إنتاج غاز لبنان بطريقة تخدم الرؤية الدولية لهذين الملفين؟!..