ملتقى بيروت عقد ندوة حول العلاقات الإسلامية – المسيحية في عالم متغيّر .. السمّاك: ملتزمون بالثابت الديني، وعلينا مواكبة التغيير بفهم مَرِن له
عقد ملتقى بيروت ندوة حول العلاقات الإسلامية – المسيحية في عالم متغيّر، تحدّث فيها الدكتور محمد السماّك، وحضرها ممثّل مفتي الجمهورية اللبنانية القاضي الشيخ خلدون عريمط، والنائبان فؤاد مخزومي وفيصل الصايغ والوزير السابق حسن السيع والأستاذ صلاح سلام والمدير العام لوزارة المهجرين المهندس أحمد محمود والقاضي ميسم النويري والدكتور موفق اليافي وسمير حمود والمحامي صائب مطرجي والشيخ بلال الملّا والمهندس محمد سعيد فتحة والدكتور غالب محمصاني وشخصيات سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية ووجوه بيروتية.
ابتدأت الندوة بكلمة رئيس الملتقى رحّب فيها بالمحاضر وبالحاضرين، وجاء فيها: “العلاقات الإسلامية – المسيحية موضوع شائك ومعقّد، فكانت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين تسودها الإلفة والتبادل الإنساني والحضاري في أحيان، والعداوات في أحيان أخرى. ويعتبر البعض أنّ المواجهة بين الإسلام والمسيحية هي مواجهة سياسيّة – حضارية بين الشرق والغرب تعود إلى بدايات نشوء الدولة الإسلامية، وأنها جزء من الصراع التاريخي، فالمسلمون يعدّون أنفسهم شرقيين، ورثة امبراطوريات عظيمة وأديان وحضارات كانت في حروب مع المسيحيين الذين عدّوهم غربيين، باعتبارهم ورثة الأوروبيين أصحاب الحملات الصليبية”.
وقال: “يشهد التاريخ بأنّ المسيحيين أدّوا دوراً بارزاً وريادياً في تطوير معالم الحضارة الإسلامية والشرقية، وكانوا يشكّلون، في عهود الدولة الإسلامية عماد النخبة المثقّفة والثريّة والأكثر تعليماً، وكانت لهم أدوار مميّزة في تطوير العلم والتعليم واللغة والحياة الثقافية والاقتصادية، وقادوا في القرن التاسع عشر النهضة العربية بصحفهم وجمعياتهم الأدبية والسياسية. في المقابل، ساهم المسلمون في أوروبا المسيحية في العصور الوسطى مساهمات متعددة، فنهلت من حضارتهم المعرفة، وأثّروا على مجالات مختلفة كالفن والعمارة والطب والصيدلة والزراعة والموسيقى”.
“وفي الشرق ساهم المسيحيون العرب في شكل كبير في حركة النهضة العربية، من فتح المدارس والجامعات وإحياء اللغة العربية وإصدار الصحف وتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية العربية. كما كان لهم دور طليعي في تحديث المجتمعات وعصرنتها والانفتاح على الغرب والتفاعل مع ثقافته وتحديث الطباعة والنشر”.
وأضاف زيدان: “كان المسلمون في القرون الماضية يعيشون في الشرقين الأوسط والأدنى، أما اليوم فإنهم منتشرون في أرجاء العالم نتيجة الهجرة الأمنية والاقتصادية، وكذلك الحال بالنسبة للمسيحيين الذي كان يعيش معظمهم في أوروبا والولايات المتحدة وأصبح أكثر من ثلث عددهم يعيش اليوم في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية بفعل التبشير، وأدّى هذا الأمر إلى انفتاح المسلمين والمسيحيين على بعضهم البعض في هذه الدول وإلى نسج علاقات اجتماعية وتجارية فيما بينهم. أما ما تقوم به بعض الدول الأوروبية من إغلاق مجتمعاتها أمام الوافدين من الدول الإسلامية خوفاً من تطويعها، فإنّ الوقائع تشير إلى أنّ همّ هؤلاء الوافدين هو تأمين العمل لهم وتنشئة أولادهم وتعليمهم”.
وأردف قائلاً: “كانت تسود العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، المحبة والاحترام، وإن كان يتخللها في أحيان قليلة عثرات وتوترات ناجمة من تحريض داخلي أو خارجي لأهداف لا علاقة لها بالدين. وكانت لنا في لبنان تجربة قاسية طغت فيها الغرائزية على العقلانية، والعدوانية على المحبة، والتبعية الإقليمية والدولية على الوطنية اللبنانية، فباعدت بين المسلمين والمسيحيين، لكنهم ما لبثوا أن عادوا، بعد اتفاق الطائف، إلى رشدهم وإلى بعضهم البعض”.
وختم قائلاً: “إنّ حركة التداخل المتواصلة والمستمرة بين مختلف أنحاء العالم، تدعو أهل الديانتين الإسلامية والمسيحية، من أجل تحسين أسس التعايش المشترك وبناء جسور التعاون بينهم، إلى المزيد من التفاهم على قاعدة الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك والتخلص من شعور الخوف من معتقدات الآخر”.
ثمّ بدأ الدكتور محمد السمّاك مداخلته، فبدأها بالقول:”العلاقة بين أتباع الديانات هي علاقة بين ثابت ومتغيّر، والثابت هو الدين المطلق المعرفة والمقدّس، ولكن الفهم الإنساني للنصّ المقدّس هو فهم متغيّر بتغيّر الظروف والأحوال، فالفهم الإنساني للنصّ المقدّس يجب أن يتغيّر ويتطوّر مع تغيّرالزمان وتقدّمه”.
“المسلمون ليسوا العرب فقط، فلهم أقلية نسبة للمسلمين في العالم، وكذلك المسيحيون العرب هم أقلية في العالم المسيحي. في القرن التاسع عشر، كان 85% من المسيحيين في أوروبا، ولم تعد على ما كانت عليه عندما فكّت ارتباطها بالدين، فثلث مسيحيي العالم موجودون اليوم في جنوب آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية، فلم يعودوا فقط أولئك الأغنياء الأثرياء والمثقفين والنُخب”.
وقال:”عندما فكّت أوروبا ارتباطها بالدين، بفصل الدين عن الدولة، طلب البابا بولس الثاني من الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان أن يتضمّن دستور الاتحاد الأوروبي عبارة أنّ المسيحية تشكّل أساس الهوية الأوروبية، فأتاه الجواب بالرفض. وكذلك حاول البابا بنيديكتوس السادس عشر وكان الردّ بالرفض أيضاً، فباتت أوروبا ما بعد اعتمادها العلمانية ليس كما قبلها”.
وأضاف السمًاك:”الأونسكو أصدرت وثيقة حول كيفية العلاقات بين المختلف واحترام الآخر، وفي الحقيقة نحن في الإسلام لسنا بحاجة لذلك، لأنّ الشريعة الإسلامية ومبادىْ الإسلام كرّمت الإنسان بالمطلق ليس على أساس من دين أو عرق أو ثقافة”.
“الاختلاط بين المجتمعات المتنوّعة في انتماءات أفرادها يجب أن يحكمها منطق احترام الآخر، وقبول الاختلاف كسنّة كونية. ولعلّ أهمّ وثيقة أصدرها الأزهر الشريف وثيقة دعا خلالها إلى إلغاء الخطاب الأكثري والأقلّوي، واعتماد مبدأ الإنسانية من منطلق قوله تعالى:” ولقد كرّمنا بني آدم”. وكذلك في العام 2010 اعتبر البابا بنيديكتوس السادس عشرفي سينودس أنّ الحريّة الدينية هي على رأس الحريات، وهذا ما تلقّفه الأزهر الشريف في بيانات ومبادرات تقاربية إسلامية – مسيحية اعتبرت الحريّة الدينية رأس الحريّات، وأنّ المواطنة هي الصيغة الفضلى لحكم البلاد وإقامة الدولة المدنية التي لا تتعارض مع الدين الإسلامي”.
وتحدّث الدكتور السمّاك عن وثيقة الأخوة الإنسانية التي أصدرها بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف التي توجب على المسلمين والمسيحيين العمل معاً لما فيه مصلحة الإنسان باعتبار أنّ الأديان السماويّة إنما أنزلت لصالح الإنسان في أمنه ورخائه وسعادته، وأتت ترجمتها عملياً بزيارة تضامنية قام بها البابا فرنسيس إلى بنغلادش للوقوف بوجه التصفية العنصرية التي تعرّض لها مسلمو الروهينغا في ميانمار.
وختم:”أننا ملتزمون بالثابت الديني، والمتغيّرات هي دائماً متغيّرة لأننا في عالم متغيّر، وعلينا مواكبة هذا التغيير بفهم مَرِن للثابت الديني”.