خاص الهديل:
رغم مرور أكثر من ٢٤ ساعة على الهجوم على كلية حمص الحربية؛ فإن أية جهة لم تصدر بياناً تتبنى فيه العملية.. ويؤشر هذا الصمت إلى أن الذين يقفون وراء هذه العملية أرادوا أن يجعلوا منها رسالة من الوزن الثقيل للنظام السوري ولداعميه الروس والإيرانيين.
وفي مجال تفكيك مضمون الرسالة التي حملها الهجوم على كلية حمص العسكرية يجدر التوقف عند المعطيات الأساسية الأولية التالية:
أولاً- بخصوص الصمت عن تبني الهجوم، فمن المعروف أن هناك جهات وازنة في الحرب السورية تتبع منذ أعوام استراتيجية الصمت وعدم تبني العمليات التي تنفذها ضد الجيش السوري والقوات الرديفة له. وأبرز هذه الجهات هي إسرائيل التي تداوم على قصف أهداف للدولة والجيش السوريين، وعلى أهداف ذات صلة بحركة نقل السلاح لحزب الله، من دون أن تتبنى المسؤولية عنها؛ وبنفس الوقت من دون أن تخفي مسؤوليتها عنها..
بكلام أولي يمكن القول بشيء من الثقة أن تقصد “توقيع الصمت” على عملية كلية حمص العسكرية، يوحي بأنها من صناعة إسرائيل التي اعتادت أن لا تتبنى عملياتها في سورية ولا تنفي مسؤوليتها عنها.. ولا يستبعد أن تكون بالشراكة مع قوى محلية سورية معارضة للنظام.
وأكثر من ذلك فإن مرور أكثر من ٢٤ ساعة من الصمت لجهة عدم صدور أي بيان ولو مفبرك يتبنى العملية؛ إنما هو أمر مقصود وغايته إيصال رسالة للنظام بأن تل أبيب “لسبب ما” قررت تطوير ورقع سقف عملياتها ضد النظام والجيش في سورية.
والواقع أنه لا يستبعد أن يخرج للإعلام في غضون الساعات المقبلة بيان بإسم جماعة موجودة في مناطق المعارضة السورية، أو حتى بإسم جماعة جديدة، وتعلن مسؤوليتها عن العملية؛ ولكن مثل هذا البيان لن يكون لديه مصداقية؛ فالأساس الذي يعتد به لقراءة من نفذ عملية الكلية الحربية في حمص، هو “توقيع الصمت” الذي استمر لنحو يومين، والذي تشبه “بصمة سلوكه” البصمة الإسرائيلية التي تتميز بأنها درجت على تنفيذ عملياتها ضد أهداف حيوية في سورية من دون تبنيها.
المعطى الثاني الذي يشير لنفسه في عملية الهجوم على كلية حمص العسكرية؛ هو تشابه هذه العملية من حيث الهدف والتخطيط، وليس طريقة التنفيذ؛ مع الهجوم الشهير الذي كان شنه الاخوان المسلمين على الكلية الحربية في حلب خلال الحرب الضارية بين الإخوان ونظام الرئيس الأب حافظ الأسد.
والواقع أن ذاكرة الصراع بين النظام ومعارضيه الإسلاميين يوجد فيها سابقة شن الهجمات الكبرى على كليات الجيش السوري الحربية بغية إلحاق ضرر موجع بجيش النظام وفق تسميات المعارضة السورية الإسلامية.. وعليه فإن هجوم كلية حمص يحمل تراث عسكري انتهجته حركة الإخوان المسلمين في سورية.
المعطى الثالث يتصل باستخدام المسيرات المفخخة والانتحارية في الهجوم على هدف حيوي للجيش السوري وليس للقوات الرديفة في سورية.
وضمن هذه الجزئيات توجد بالتحديد “شيفرات” الرسالة التي أراد هجوم كلية حمص العسكرية تركها: فاستخدام المسيرات بهذه الكفاءة من قبل القوى المعادية للنظام ولحلفائه الإيرانيين والروس، إنما يأخذ المشهد السوري ليس فقط للتسخين العسكري مجدداً؛ بل يأخذه لحالة تصعيد خطرة تذكر – ولو بشكل رمزي حتى الآن – بما يحدث في أوكرانيا وفي السودان..
ويبدو واضحاً أن رسالة المسيرات ضد كلية حمص، إنما تريد القول بوضوح، ومن دون توقيع علني، أن مركز الضغط على إيران وروسيا في الشرق الأوسط هو الساحة السورية..
وكان لافتاً خلال الأسبوعين الأخيرين نوعية الأحداث التي وقعت، وكلها كانت تدعم الإيحاء بأن سورية تعود لمربع الحرب وفق جزئها الثاني.. الحدث الأول هو عدوان إسرائيل على مطار حلب ما أدى إلى إخراجه لفترة عن العمل، وهذه رسالة تتقصد الإشارة إلى قدرة تل أبيب ومن ورائها أميركا، على حصار سورية جواً تحت حجة أن مطاراتها تستقبل السلاح الإيراني لصالح حزب الله. الحدث الثاني كان إعلان تركيا أن المقاتلين اللذين نفذا عملية أنقرة الانتحارية هما من حزب العمال الكردستاني؛ وكلاهما جاءا إلى أنقرة من سورية.. ويريد الإعلان التركي هذا في جزء هام من خلفياته، تبرير التدخل العسكري التركي في سورية.
يبقى هناك معطى رابع يحتمل أن يشكل أحد خلفيات هجوم كلية حمص، ومفاده أن تكون واشنطن قد قررت عبر هذه العملية تسطير رد من قبلها على زيارة الأسد للصين، وتوجيه رسالة للنظام السوري حول مغبة ذهابه للحد الأقصى في إستراتيجية الخيار الصيني في الشرق الأوسط..
خلاصة القول في هذا المجال أن الساحة الأمنية والعسكرية السورية ما قبل هجوم كلية حمص العسكرية، كانت ولا تزال تعيش حالة مراوحة بين الستاتيكو العسكري المستقر نسبياً وبين إمكانية هز هذا الستاتيكو والعودة لمربع التطاحن العسكري.. ولكن بعد هجوم كلية حمص أصبح الوضع في سورية يتجه بسرعة أكبر لعودة الصراع العسكري ولكن وفق نماذج حروب طاحنة تجري في المنطقة (السودان) والعالم (أوكرانيا وكاراباخ.. الخ..).