خاص الهديل:
السيناريو الذي طالما تدرب الجيش الإسرائيلي لمواجهته على الحدود مع لبنان، والذي يشتمل على قيام عناصر وحدة الرضوان في حزب الله بالدخول إلى منطقة الجليل المحتل، والسيطرة على مستوطنات واحتجاز رهائن فيها، نفذته هو ذاته صباح أمس قوة من وحدة صقر وكتائب القسام في حركة حماس التي دخلت منطقة غلاف غزة المحتلة وسيطرت على مستوطنات، واحتجزت رهائن فيها، ودمرت مواقع عسكرية إسرائيلية لفرقة غزة.
لم يدر في خلد جهازي “الشاباك” ولا “امان” للحظة واحدة طوال الأشهر الماضية، بأن حماس ستنفذ ذات السيناريو العسكري الذي هدد علناً بتنفيذه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة.. ويبدو أن إسرائيل دخلت بقدميها الى داخل شرك التضليل الذي نصبه لها حزب الله وحماس، وجرى على مدى أشهر تطبيقه على النحو التالي:
– نصر الله نجح في جذب الضوء الإعلامي لناحية أن سيناريو غزو مستوطنات إسرائيلية واحتجاز رهائن فيها، هو خطة تخص حزب الله وحده وسيتم تنفيذه على الجبهة الشمالية.. وصار واضحاً الآن أن الهدف من ذلك كان حرف نظر تل أبيب عن تحضيرات حماس الجارية في غزة لتنفيذ سيناريو غزو مستوطنات غلاف غزة.
وتقصد نصر الله وإعلام حزب الله العسكري في الأشهر الأخيرة الإعلان عن أن قوات النخبة من الرضوان جاهزة لدخول الجليل والسيطرة على مستوطنات حدودية فيه، عند نشوب الحرب المقبلة مع إسرائيل..
والواقع أن الإستخبارات الإسرائيلية كانت تعتقد بثقة أن نصر الله صادق بتهديده، ولذلك وجهت الجيش الإسرائيلي للتدرب على محاكاة حدوث هجوم ضد مستوطنات في منطقة الجليل من قبل عناصر الرضوان؛ ولم تقم بتدريبات تحاكي حصول نفس سيناريو مهاجمة مستوطنات من قبل حماس في غلاف قطاع غزة.
– .. ونفذت وحدة الرضوان قبل أسابيع مناورات علنية قريباً من الحدود مع فلسطين المحتلة، تدربت خلالها على اقتحام مستوطنات في الجليل.. وعلى المقلب الثاني فإن حماس تعمدت عدم المشاركة مع الجهاد الإسلامي في آخر حربين حصلتا في غزة..
وطوال الآونة الأخيرة، اعتقدت الإستخبارات الإسرائيلية انه أمكن لإسرائيل احتواء خطر حماس عن طريق تقديم حوافز اقتصادية لها ولقطاع غزة؛ وبالمقابل تقصدت حماس الإيحاء بأنها مهتمة بتحسين الوضع الاقتصادي لقطاع غزة، وذلك على حساب اهتمامها بالمقاومة العسكرية؛ وقدمت إيحاءات مضللة لتل أبيب بأن اجندتها لا تتوافق مع أجندة الجهاد الإسلامي بخصوص فتح اشتباكات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي..
والواقع أن كل هذه الصورة أدت إلى جعل أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية تنام عميقاً على وسادة أنه تم تحييد خطر اندلاع صدام عسكري مع حماس المهتمة بأولوية الحصول على تنمية عربية لاقتصاد غزة، وذلك على عكس الجهاد الإسلامي في غزة وحزب الله في لبنان، المهتمان بأولوية الاشتباك العسكري مع إسرائيل!!!.
ان كمين حماس لتضليل الإستخبارات الإسرائيلية اشتمل أيضاً على قيامها بمجموعة تكتيكات في منطقة السياج الحدودي مع قطاع غزة؛ أبرزها التراجع عن دعم أنشطة جماهيرية فلسطينية على السياج وذلك بعد حصول حماس على وعود اقتصادية.. ولقد ساهمت كل هذه التصرفات بتعزيز التقييم الإسرائيلي الذي يقول أن أولوية حماس في غزة أصبحت لحد بعيد اقتصادية، ولم تعد عسكرية بالكامل.
.. السؤال اليوم الذي يجب على تل أبيب – بحسب مصادر مراقبة – أن تتوقف عنده، هو هل لعبة تضليلها انتهت عند هذا الحد؛ أم أن هناك جزء ثانياً سوف يتبع، وذلك ضمن سياق حرب طوفان الأقصى الجارية، والمتوقع لها أن تستمر لعدة أسابيع؛ ولغاية إتمام هدف خلط الأوراق الإستراتيجية في الشرق الأوسط؟؟.
والمقصود هنا أن يكون هناك كمين استخباراتي آخر ضد الجيش الإسرائيلي، ينفذه هذه المرة ضمن حرب طوفان الأقصى المستمرة في غزة؛ حزب الله عبر الجبهة الشمالية، أو كل من حزب الله والجهاد الاسلامي عبر جبهة الجولان؛ حيث تؤكد المعلومات أن الجهاد الإسلامي بخاصة، والحزب باتا يملكان في جنوب سورية بنية تحتية عسكرية صلبة.
وأوحت حركة اتصالات نتنياهو أمس العسكرية والسياسية أنه يخشى فعلياً أن يتم فتح جبهة ثانية في الضفة وثالثة في لبنان على إسرائيل، بالتواري مع جبهة غزة المشتعلة.
وكان يمكن أمس قراءة حركة نتنياهو هذه من خلال دعوته إلى عقد اجتماع عاجل للكابينيت تم خلاله بحث “التقصير والمسؤولية عنه” وأيضاً بحث “المخاطر وعلى رأسها فتح جبهة الشمال والضفة الغربية”. وخلال اجتماع الكابينيت ظهرت الحاجة لأخذ ضمانة من الرئيس الأميركي بايدن بأنه سيكون إلى جانب إسرائيل عسكرياً وبشكل مباشر، وليس فقط سياسياً، في حال أقدم حزب الله على فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل بالتزامن مع جبهة غزة..
وبين انتهاء جلسة الكابينيت وتحضر نتنياهو للذهاب إلى جلسة الحكومة كي يتخذ خلالها القرار الذي ناقشه في الكابينيت، اتصل نتنياهو بالرئيس بايدن وطلب منه تحديداً أن تضمن واشنطن لإسرائيل أمرين إثنين على الأقل:
الأول أن تغطي واشنطن حرباً إسرائيلية قد تطول على حماس في غزة..
الثاني أن تضمن واشنطن لإسرائيل أنها لن تكتفي فقط بالمساعدة غير المباشرة لتل أبيب في حال دخل حزب الله الحرب من لبنان إلى جانب حماس.
ويبدو أن بايدن المهتم بالصوت اليهودي بمناسبة ارتفاع حمى الإنتخابات الرئاسية الأميركية؛ وافق على دعم طلبي نتنياهو، حيث إنه بعد الاتصال الهاتفي بينهما صدر عن الرئيس الأميركي بياناً يقول “يحذر البيت الأبيض الجهات المعادية لإسرائيل أن تستغل ما يحدث على جبهة قطاع غزة”..
واضح أن هذا البيان الأميركي هو رسالة من بايدن لحزب الله تحذره من توسيع رقعة الحرب، لأنه حينها ستكون أميركا طرفاً مباشراً فيها..