الهديل

خاص الهديل: مفاجأة حرب طوفان الأقصى: خطة الجبهات الثلاث اللصيقة بأمن إسرائيل..

خاص الهديل:

بعد نحو ثلاثة أيام من بدء حرب طوفان الأقصى، بات يمكن وضع تصور لما حدث ولما يمكن أن يحدث؛ ونقطة البداية هنا تفيد أنه حتى هذه اللحظة، لا تزال إسرائيل تعيش تحت ضغط مفاجأة نجاح حماس في السيطرة على جزء من غلاف غزة، وتعطيل أي فعل نوعي فيه للجيش الإسرائيلي..

وتكمن أهمية هذا الإنجاز العسكري لحماس، بأنه يوفر لها ميزات إستراتيجية منها احتفاظها بالمبادرة العسكرية في الميدان الذي بات موجوداً لأول مرة “داخل إسرائيل” وليس “داخل قطاع غزة”.. ومنها أيضاً أن المقاومة الفلسطينية هي التي تدخل أراضي العدو، بينما لا تستطيع إسرائيل الدخول براً إلى داخل غزة..

.. وكل ما تفعله إسرائيل الآن هو أمران، الأول شن حرب شاملة هدفها إخراج المقاومة من غلاف غزة حتى يصبح ممكناً للجيش أن ينطلق ضد غزة من مناطق مؤمنة عسكرية وليس مخترقة أمنياً من قبل حماس.. والهدف الثاني القيام بتعبئة شاملة لقوات الاحتياط حتى يصبح الجيش، جاهزاً لبدء حرب برية ضد غزة.. وأصعب ما تواجهه هذه التعبئة هو أنها تتم في ظرف انهيار معنوي للجبهة الداخلية. 

.. وليس مضموناً أن تنجح إسرائيل بتأمين منطقة غلاف غزة عسكرياً، كون أحداث أمس أثبتت أن عمليات تسلل مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي إلى داخل منطقة غلاف غزة، مستمرة عبر ثغرات كثيرة استحدثت وباتت موجودة في السياج الفاصل بين غزة وغلافها..

وهذا الواقع جعل إسرائيل اليوم عالقة داخل المعادلة المغلقة التالية: من جهة هي لا تستطيع أن تبدأ مهمة الحرب البرية ضد حماس في غزة، إلا بعد أن تنهي مهمة إخراج مقاتلي حماس من منطقة غلاف غزة؛ ومن جهة ثانية فهي غير قادرة على وضع إطار زمني لإنهاء المهمة الثانية (أي تأمين غلاف غزة عسكرياً) إذ قد يستغرق الأمر أسبوعاً أو إثنين، أو – وهذا المرجح – قد يصبح وجود مقاتلي حماس في غلاف غزة أمراً دائماً؛ وحينها ستصبح إسرائيل أمام حقيقة عسكرية جديدة قوامها أن غلاف غزة تم إلحاقه عسكرياً من قبل حماس، بقطاع غزة؛ بمعنى أنه لم يعد منطقة استيطان إسرائيلية تحاصر غزة، ولا منطقة تحشد عسكري للجيش تنطلق منه إسرائيل لشن حرب برية على غزة؛ بل صار خط دفاع تستعمله حماس للدفاع عن قطاع غزة؛ وبات ميدان مسيطر عليه من قبل رجال حرب الأنصار الفلسطينيين.

والواقع أنه ساعة بعد ساعة تكتشف إسرائيل أن خطة حماس للتموضع في منطقة غلاف قطاع غزة، هي نقطة سر كل خطة حرب طوفان الأقصى. فحماس دخلت إلى منطقة غلاف غزة بهدف تحقيق عدة أهداف إستراتيجية تؤدي مجتمعة ليس فقط لتغيير مسار الحرب؛ بل لحسم حرب قطاع غزة وغلافها استراتيجياً لصالح المقاومة الفلسطينية.. وهذه الأهداف هي:

– تحقيق عنصر المباغتة وإلحاق الصدمة النفسية الإستراتيجية بالجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ وبالأخص بالعلاقة بين الجيش الإسرائيلي والمستوطن الإسرائيلي. وهنا تجدر الإشارة الإستراتيجية إلى أنه طالما أن حماس موجودة في غلاف غزة، فإن هذا يعني أن الجندي الإسرائيلي يعمل في بيئة قتال معادية له، وفي بيئة حرب تتسم بأن جبهته الداخلية مهزومة وتعاني من انهيار معنوي وجودي.  

– ان أصعب مهمة تواجه إسرائيل اليوم هو التوصل إلى سد الثغرات الموجودة على السياج الحدودي بين غزة وغلافها.. والسبب في ذلك هو أن الجانب الأهم من سياج غزة الحدودي – وهو الوظيفة النفسية له – انهار فعلياً؛ وباتت مهمة حمايته عسكرياً صعبة، فيما باتت مهمة حمايته بوصفه سياجاً يؤمن الحماية النفسية لمستوطني غلاف غزة مستحيلة؛ ذلك أن المستوطن لم يعد يؤمن أنه يستطيع أن ينام بأمان وراء سياج غزة الحدودي الذي أشاعت تل أبيب جواً أسطورياً حول قدرته على توفير الأمن لمستوطني غلاف غزة..

– سيكون صعباً على إسرائيل تحديد مدة فترة الحرب؛ بمعنى آخر سيكون صعباً عليها أن تبلغ واشنطن ليس فقط متى تنتهي الحرب البرية على غزة؛ بل حتى سيكون صعباً على نتنياهو أن يحدد لواشنطن متى تبدأ الحرب البرية في غزة؛ ذلك أن إسرائيل لا تعرف متى تستطيع أن تنهي مهمة حرب إخراج حماس من غلاف غزة..

وإزاء هذا الواقع قد يتعين على إسرائيل أن تبدأ مرغمة ثلاثة حروب في آن معاً (وذلك حتى من دون احتساب خطر انضمام جبهات الضفة ولبنان وسورية وحتى اليمن إلى حرب طوفان الأقصى): حرب إخراج حماس من غلاف غزة.. وحرب برية ثانية لتصفية حماس داخل قطاع غزة.. وأيضاً ثمة حرب ثالثة سيتعين على إسرائيل خوضها بنفس الوقت، وهي حرب ترميم معنويات الجبهة الداخلية؛ وهذه مهمة ستظل مستحيلة طالما أن حماس تتواجد في غلاف غزة؛ وستظل صعبة حتى بعد إخراج حماس من غلاف غزة، ودخول العسكر من أبناء الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى داخل غزة، حيث توجد “مصيدة حماس” بحسب الانطباع السائد داخل الرأي العام الإسرائيلي الذي شاهد كيف انهارت قوة الجيش في غلاف غزة، وشاهد ما الذي تستطيع أن تفعله حماس عسكرياً.  

 

– الخلاصة في هذا المجال هو أن إسرائيل ستواجه في حال أصرت على الدخول البري لغزة؛ حرباً على ثلاث جبهات في آن واحد، وليس على جبهة واحدة: 

جبهة غلاف غزة وهي الأصعب؛ 

جبهة قطاع غزة وهي المستحيلة؛ 

.. وجبهة انهيار معنويات الجبهة الداخلية، وهي القاتلة.

.. وعليه يمكن القول أن كل مفهوم إسرائيل عن الخطر المحدق بها نتيجة ما كانت تسميه بفتح حرب الجبهات الثلاث ضدها (جبهات غزة والضفة والشمال في لبنان وسورية) لم يعد هو المشكلة الإستراتيجية الوحيدة الآن؛ بل هناك مشكلة إستراتيجية قائمة وملحة ولها الأولوية ولم تتحسب لها إسرائيل، ومفادها حرب الجبهات الثلاث اللصيقة بأمن إسرائيل، وهي جبهة غزة البرية وجبهة غلاف غزة وجبهة معنويات الجبهة الداخلية.. وهذه الجبهات الثلاث مترابطة، ولا يمكن الفوز بواحدة منها دون النصر بالآخرتين.. ويبدو صعباً على إسرائيل الفوز على جبهاتها الثلاث هذه اللصيقة بأمنها؟!!.

Exit mobile version