خاص الهديل:
خطاب الرئيس الأميركي بايدن ليلة أمس حمل جملة توجهات تؤشر إلى طبيعة نظرة واشنطن لحرب غزة. فبايدن أعلن أن واشنطن تدعم بلا حدود الرد الإسرائيلي العنيف على عملية حماس.. ولقد حرص نتنياهو على إظهار أن بايدن يدعم حربه على حماس وضد غزة.
وفي حقيقة الأمر أن نتنياهو يستغل محادثته الهاتفية مع بايدن حتى يوحي بأن مرحلة الخلاف بين الرجلين انتهت؛ وبأن بايدن يسير في حرب غزة وراء ما يريده نتنياهو.. وبعد ساعات من إيحاءات نتنياهو هذه خرج نائب وزير الخارجية الأميركية ليقول أن قرار وقف النار متروك لإسرائيل ولشعب إسرائيل؛ ولم يقل متروك لحكومة نتنياهو التي يوجد بينها وبين إدارة بايدن ما صنعه الحداد.
والواقع أن هناك فرقاً نوعياً بين دعم بايدن لحرب إسرائيل ضد حماس وغزة، وبين دعمه لحرب نتنياهو ضدها!!.
ولكن صائد الفرص السياسية نتنياهو استغل كالعادة “طوفان الأقصى” ليرغم بايدن تحت تأثير المأساة الإسرائيلية، على إنهاء قطيعته السياسية له، وأكثر من ذلك؛ كي يصبح بايدن حليف نتنياهو في حرب السيوف المسنونة الإسرائيلية.
.. ولكن بين سطور كلام بايدن أمس يلاحظ أنه تقصد أن يضمر وجود فرق لا يتم إعلانه حالياً، بين دعم بايدن لإسرائيل وبين دعمه لنتنياهو؛ فدعمه لحرب الأولى من دون شروط، و”ثابت كالصخر”؛ بينما دعمه لحرب نتنياهو بشروط ومتغير ومتبدل وليس ثابتاً كالصخر.
لماذا؟
لأن نتنياهو بنظر بايدن هو من معسكر ترامب في الخارج.. تماماً كالرئيس الروسي بوتين وكالرئيس السيسي وولي العهد محمد بن سلمان. وبايدن منذ توليه الرئاسة يخوض حرباً شرسة ضد ترامب داخل أميركا وضد ما يعتبره امتدادات ترامب خارج أميركا. وحتى أيام قبل بدء حرب غزة كانت العلاقة بين بايدن ونتنياهو أكثر من فاترة، وخالية من أي لقاء مباشر بينهما. ولكن مناسبة طوفان الأقصى سنحت لنتنياهو فرصة أن يحادث بايدن هاتفياً طالباً دعمه بوجه خطر وجودي تواجهه إسرائيل..
وعملياً فإن نص المحادثة الهاتفية بين بايدن ونتنياهو باتت معروفة بجزء كبير منها؛ ويمكن القول أنها أسفرت على بروز أربعة مواقف لبايدن ستحدد موقفه السياسي والعسكري من حرب غزة:
الموقف الأول هو دعمه الكامل للرد الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى” التي وصفها بايدن بالشر المطلق.. وهنا يلاحظ أن بايدن تحدث في خطابه الليلة الماضية عن حرب غزة؛ وتعمد خلال جزء من خطابه أن يستعمل مفردات عاطفية مؤيدة لليهود ولإسرائيل، وهذا الجانب من خطابه سببه أن بايدن في لحظة انتخابات رئاسية، ولذلك فهو معني بمخاطبة الناخب اليهودي الأميركي..
وتجدر الإشارة على هذا الصعيد أن بايدن يواجه مشكلة أن خصومه الجمهوريين يتهمونه بأن قراره بفك التجميد عن جزء من أموال إيران، إنما خدم توفير المال لطهران التي استعملته بتمويل أذرعها في المنطقة، وبينها حماس التي قتلت الإسرائيليين في غلاف غزة..
وحاول أمس بايدن بشكل غير مباشر، توجيه نفي لهذه الاتهامات عبر إظهار حرصه الفائق على أمن إسرائيل واليهود، الخ.. وقبله كان وزير خارجيته بلنكن تقصد التصريح بأن لا يوجد لدى واشنطن دليل على أن إيران مشاركة بالتخطيط لعملية حماس.. وتم تفسير تصريح بلنكن على انه يريد من جهة عدم توريط أميركي باشتباك جديد مع إيران؛ ومن جهة ثانية يريد القول أن إيران لم تمول عملية حماس من الأموال التي أفرجت عنها أميركا.
الموقف الثاني للبيت الأبيض، تمثل بتلميح بعيد لبايدن مفاده أن دعمه لحرب نتنياهو ليس من دون شروط .. قال بايدن أمس في خطابه أن في بلدان الديموقراطيات كأميركا وإسرائيل فإنه يتم القتال تحت القانون.. وهذه إشارة اعتراضية مبكرة على توجه نتنياهو ومن معه من الوزراء المتطرفين، للمضي قدماً بشن حرب تدمير وابادة ضد غزة.
وهناك على ما يبدو تتمة لبدء قيادة بايدن داخل إسرائيل ضد نتنياهو؛ وذلك تحت عنوان أن العالم يدعم حرب إسرائيل على غزة وحماس التي تلتزم بالقانون، وليس حرب نتنياهو وحكومة أقصى اليمين التي لا تعترف بالقانون..
وتعبيرات هذا التوجه بدأت بتلميح بايدن أمس عن “البلدان الديموقراطية التي تلتزم بالقانون خلال خروجها للحرب”؛ وبدأت أيضاً من خلال اقتراح لابيد على نتنياهو تشكيل حكومة طوارئ لمواجهة الحرب. وأعلن نتنياهو أنه قبل الفكرة، ولكنه اشترط أن لا يكون للوزراء التابعين للمعارضة حق القرار في الحكومة، بل الاشتراك في التشاور فقط؛ الأمر الذي رفضه زعيم المعارضة لابيد معتبراً أن توسيع الحكومة يجب أن يعطي كل وزرائها حق المشاركة باتخاذ القرارات فيها.. ويخشى نتنياهو من أن تكون حكومة الطوارئ لتسلل جماعة بايدن في إسرائيل إلى حكومته لإسقاطها من داخلها ومن ثم الذهاب لانتخابات مبكرة تجري على خلفية هزيمة نتنياهو في حرب تشرين ٢ الفلسطينية.
قصارى القول في هذا المجال أنه يستبعد أن يكون بايدن تخلى عن مشروع إخراج نتنياهو حليف ترامب من رئاسة الحكومة في إسرائيل؛ ولكن بايدن يحني رأسه حالياً لموجة التأييد الكبيرة لإسرائيل والتي يتلطى خلفها نتنياهو. ومن ثم فإنه بعد تبدد موجة التعاطف العارمة هذه مع إسرائيل، سيتجه بايدن لتوجيه المحاسبة عن التقصير الإسرائيلي نحو اتهام نتنياهو؛ الأمر الذي سيدفع حكومته للاستقالة، ما سيفسح المجال لعقد انتخابات مبكرة، تسفر عن تشكيل حكومة وسط ويمين وسط ويسار، تذهب لحل الدولتين.