خاص الهديل:
نصف الحركة الدبلوماسية العالمية بخصوص حرب غزة تنصب في هذا الوقت على كيفية إيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة؛ فيما النصف المتبقي من هذه الحركة الدبلوماسية منقسم لقسمين إثنين: الأول يحاول استكشاف سبل بدء إطلاق سراح الأجانب الذين أسرتهم حماس خلال عملية مهاجمة غلاف غزة.
.. أما الربع الثاني الأخير فهو يتعلق بالسعي لعدم توسع حرب غزة باتجاه أن تصبح حرباً إقليمية؛ وضمن هذا الجزء من الحركة الدبلوماسية يوجد موقع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المتفاعل مع الاتصالات الدولية التي تركز على عدم حصول تطور غير محسوب على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة يؤدي إلى انفجار الحرب بين لبنان واسرائيل مما يسمح بتحول الحرب من حرب داخل فلسطين إلى حرب على مستوى المنطقة..
ويعمل الرئيس ميقاتي على الإفادة من الخوف العالمي بخصوص نقطة أن بوابة اندلاع الحرب الإقليمية هي لبنان، ليحاول أخذ هذا التحول في الرؤية العالمية لموقع لبنان في استقرار المنطقة لصالح تحقيق أمرين: الأول الإفادة من مجرد حقيقة أن الاهتمام الدولي بلبنان قد عاد؛ ولو مرحلياً وذلك من بوابة أن الإستقرار في لبنان مهم لمنع الحرب الإقليمية.. والثاني لكون هذا الحراك الدولي يصب في خدمة مصالح الأمن القومي اللبناني العليا المتمثلة بتجنيد حماية دولية للبنان ضد نوايا نتنياهو ضده.
ولكن المضحك المبكي في هذا المجال هو أن يقاطع التيار العوني جلسة الحكومة التي دعا إليها ميقاتي ليواكب لبنان الرسمي من خلالها هذا التطور الدولي الذي يركز على مقولة أن استقرار لبنان هو أحد شروط منع الحرب الإقليمية في هذه المرحلة. وبدل أن يكون وزير الخارجية اللبنانية رأس حربة لبنان داخل هذا الحراك الدولي، فهو قرر أن يكون رأس حربة مشروع “معلمه”جبران باسيل لتعطيل مصالح لبنان العليا ولمنع تمكين لبنان من انتهاز وجود فرصة دولية يمكن تطويرها لصالح أمنه، وتعزيز موقع لبنان في الحلول المطروحة لمنع تطور الحرب الراهنة، ولمستقبله داخل التسويات المطروحة بشأنها.
ان حرب باسيل على حكومة نجيب ميقاتي كان يمكن أن تدخل أقله في “هدنة الضرورة”، نظراً لكون المهمة التي يقوم بها ميقاتي في هذه المرحلة تتعلق بمصالح لبنان العليا وتتصل بمنع توريطه في أتون حرب تنتهج فيها إسرائيل إستراتيجية الإبادة والتدمير.
ويمكن القول أنه رغم غياب وزير الخارجية فإن ميقاتي وضع ثقل علاقاته في خدمة إبراز حضور لبنان داخل الحراك الدولي؛ ولقد نجح في المشاركة باحتواء الخطر وترتيب سياق سياسي آمن للبنان يتضمن رؤية لكيفية تجنب الحرب.. وهي رؤية تقوم على توازن دقيق بين عامل ثبات لبنان على موقفه الداعم للشعب الفلسطيني، وبين عامل تأمين مصلحة لبنان بتجنب الحرب والالتزام بالقرارات الدولية وبخاصة القرار ١٧٠١.
والواقع أن تواجد ميقاتي الفعال داخل الحراك الدبلوماسي الدولي والاقليمي لإخراج لبنان من خطر الحرب؛ يحقق هدف منع تحول لبنان – كما يريد نتنياهو – إلى ساحة نشوب حرب إقليمية ستؤدي في حال حدوثها إلى ثلاث نتائج كلها تخدم مصالح نتنياهو وتسبب الكوارث للبنان:
النتيجة الأولى هي تدمير لبنان.
والنتيجة الثانية هي رمي حبل نجاة لنتنياهو كي يحول وجود الأسطول الأميركي في المنطقة من وجود هدفه منع الحرب الإقليمية، إلى وجود يتورط في حرب عسكرية إقليمية تبدأ من الساحة اللبنانية، ومن نقطة صدام عسكري بين الأسطول الأميركي وحزب الله في لبنان.
النتيجة الثالثة تتمثل بحصول تغيير لعنوان الحرب، فلا تعود حرباً بين الفلسطينيين والمحتل الإسرائيلي؛ بل تصبح حرباً بين القوى الإقليمية؛ وهنا يضيع عنوان القضية الفلسطينية داخل هذه الحرب..
والواقع أن نجيب ميقاتي يؤدي هذه الأدوار داخل المجتمع الدولي، بصمت، ومن دون أن ترافقه كاميرا الإعلام؛ وأهمية دور ميقاتي هذا يقع في أنه تتقاطع عنده كل خيوط الإتصالات الدولية والإقليمية لمنع توريط لبنان في حرب غزة؛ ومن خلال دعوته لجلسة حكومية أراد ميقاتي أن يثبت للعالم ان الدولة اللبنانية تواكب مجريات تداعيات الحرب، وهي جاهزة للقيام بدورها داخل الحراك الدولي الساعي لوقفها وتطويق تداعياتها؛ ولكن وزير خارجية البلد المفترض أنه واجهة لبنان الخارجية، “خرج من دوره هذا ولم يعد”؛ ويبدو انه في “غيبوبة أهل الكهف” وليس فقط في “كهف نوم باسيل”!!.
والواقع أنه داخل حيوية الأدوار نحو الخارج التي يقوم بها ميقاتي يوجد هدف كبير وهو منع نتنياهو من توريط لبنان في جعله يصبح ساحة يتم فوقها جر واشنطن لحرب إقليمية في المنطقة. وهي حرب بغنى عنها لبنان، وحتى بغنى عنها أيضاً حزب الله، كونه من أهداف هذه الحرب حسب خطة نتنياهو، هو جعل “الواقع اللبناني الذي فيه حزب الله”، هو “العدو الأول” لإدارة بايدن في حرب طوفان الاقصى(!!)؛ وهذا الأمر يمنح نتنياهو امتياز جعل نفسه يقاتل أعداءه الإقليميين بالأسطول الاميركي؛ وامتياز أن يبعد القضية الفلسطينية عن أجندة الإهتمام العالمي، لمصلحة تسليط الضوء على وهم قضية أمن اليهود في الشرق الأوسط الذي تتحالف قواه الإسلامية ضدهم!!.
أثبتت الأيام الاخيرة أن ميقاتي ينجح بالقيام بدور كبير لجعل موقف لبنان في صلب جهود الدول الإقليمية والعالمية الساعية لمنع توسع حرب غزة، والساعية لإيقاف نتنياهو عند حدود “قوانين الحرب” التي يكرر بايدن الحديث عنها.. فميقاتي لديه علاقة صداقة وثيقة بتركيا، وهو ليس بعيداً عن مناخ حدوث أي تقارب يتم بين ماكرون وولي العهد السعودي؛ بدليل كيف أن ميقاتي كان المحادث الثالث خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي مع ولي العهد بن سلمان في السعودية.
.. كما أن ميقاتي لديه خطوطه القديمة المفتوحة بينه وبين كل من الأردن ومصر؛ وكلا هذين البلدين ينشطان اليوم بالبحث عن فرص استراتيجية لوقف حرب الإبادة على غزة، ولمنع نتنياهو من تنفيذ خطط الترانسفير، وخطط تصفية القضية الفلسطينية على حساب أمن دول الجوار العربي.