خاص الهديل:
أمس جال نتنياهو على جبهة غلاف غزة؛ وظهر واضحاً أن الهدف الأساس من جولته هو ضخ المعنويات بين الضباط والجنود الإسرائيليين الذين يفترض أنهم سينفذون مهمة الهجوم البري على قطاع غزة.
وحتى الآن لم يصدر من نتنياهو قرار بدء الهجوم؛ وبات معروفاً سبب هذا التأخر: فخلال اليوم الثالث من بدء حرب غزة؛ قال نتنياهو بعد خروجه من اجتماع للكابينيت ما معناه أن خطة الحرب على غزة تتألف من مهمتين، الأولى إخراج المسلحين الفلسطينيين من غلاف قطاع غزة، والثانية بدء الهجوم البري على القطاع.
ربط نتنياهو بدء الهجوم البري بإنهاء “تنظيف غلاف غزة من مسلحي حماس”، وأوحى كلامه أنه لا يمكن بدء المهمة الثانية للجيش – أي لهجوم البري – قبل تحقيق المهمة الأولى – أي تنظيف غلاف غزة من تواجد حماس-..
وبعد يوم واحد من كلامه هذا؛ أعلن نتنياهو أنه تم الانتهاء من المهمة الأولى، وأنه جرى إخراج كل المسلحين الفلسطينيين من غلاف غزة.. ولكن بعد ساعات فقط من إعلانه، حدثت اشتباكات في غلاف غزة بين الجيش ومقاومين من حماس.
.. ثم في الأيام التالية تكرر نفس الأمر: صدور إعلان عن نتنياهو أو الجيش عن انتهاء مهمة إخراج المقاومين من غلاف غزة، ثم حدوث اشتباكات بين الطرفين في غلاف غزة؛ الأمر الذي يعني أن المهمة الأولى لم تنجز بعد، مما يجعل أمر البدء بالمهمة الثانية (الهجوم البري) مؤجلاً..
وتكرار هذا الواقع على مدى أسبوع، خلق مشكلة في إسرائيل قوامها أنه في حين تم إرسال نحو سبعين ألف جندياً إسرائيلياً إلى غلاف غزة؛ فإن قرار إعطائهم أمر بدء الهجوم لم يصدر، وما زالت ظروف إصداره غير جاهزة.. وهذا الواقع أسفر عن بدء حالة من القلق لدى قيادة الجيش الإسرائيلي، وذلك نتيجة أمرين إثنين:
الأول أنه لا يمكن إبقاء عدة فرق عسكرية مستنفرة لفترة طويلة بانتظار صدور أوامر الهجوم إليها، كون هذا الوضع يجعل هذه الفرق تفقد روحية التأهب القتالي.
الثاني: من الخطأ عسكرياً نشر عدة فرق لفترة طويلة في منطقة تماس مع “العدو”، كون هذه الفرق ستصبح هدفاً سهلاً لقذائف الهاون. كما أنه من الخطيئة عسكرياً نشر فرق بهذا الحجم الكبير في منطقة ليس مضموناً أنها أصبحت خالية من “قوات العدو” (فصائل المقاومة)..
.. وعلى هذا، فإن الجيش يتهم حالياً نتنياهو بأنه أرسله ليتمركز بمواقع قتالية وهجومية من دون أن يكون (أي نتنياهو) قد ضمن الظروف السياسية والعسكرية التي تجعل قرار إصدار الهجوم للجيش قد أصبح في جيبه.. وهذا الواقع جعل الجيش يبدو “عاطلاً عن العمل”، وعالقاً في غلاف غزة بين مطرقة استهدافه بقذائف الهاون من مقاتلي حماس، وبين سندان تنفيذ عمليات حرب أنصار من جيوب حماسية مختبئة في غلاف غزة.
وهذا الواقع غير المناسب لخطوة نشر سبعين ألف جندياً في غلاف غزة، وهم في حالة “ماكو أوامر”؛ هو الذي جعل نتنياهو أمس يقوم بجولة تفقدية في غلاف غزة، لنقاط انتشار الجيش الإسرائيلي على خط التأهب لبدء الحرب البرية..
ويريد نتنياهو من خطوته هذه، تعويض عدم تحرك الجيش عسكرياً بالهجوم، القيام هو شخصياً بالتحرك لبدء الهجوم السياسي المعاكس انطلاقاً من غلاف غزة.
ويجدر هنا لحظ الخلفيات التالية التي تقف وراء حركة نتنياهو الدعائية والسياسية أمس في غلاف غزة:
الواقع أن أخطر عقبة تواجه بدء الحرب البرية هو عدم انتهاء المهمة الأولى؛ فنتنياهو لا يستطيع المغامرة بفتح الجبهة البرية في قطاع غزة، في حين أنه لا يزال غير متأكد كلياً من إقفال ملف المهمة الأولى في غلاف غزة.. بكلام آخر لا يمكن للجيش أن يشن هجوماً برياً واسعاً؛ في حين أن خطوط انطلاقه لشن هذا الهجوم (غلاف غزة) لا تزال غير آمنة؛ ولا يزال هناك “وجود عسكري للعدو” فيها.
العقبة الثانية التي تواجه الهجوم الإسرائيلي البري هو إطالة وقت بقاء الجيش في حالة جهوزية بانتظار صدور أوامر بدء الهجوم؛ فهذه الوضعية تمثل أسرع وصفة لتآكل “معنويات روحية الهجوم عند الجيش”.. وتمثل حالة فضلى لتحول الجيش من وضعية هجومية إلى وضعية دفاعية؛ وأيضاً تمثل حالة فضلى لحماس كي تجمع المعلومات الميدانية عن خصوصيات التشكيلات العسكرية الإسرائيلية المتأهبة لتنفيذ الهجوم البري ضدها.
أما العقبة الثالثة فتتمثل بأن الجيش بات يستنفر لبدء الهجوم البري؛ فيما المجتمع الدولي بدأ يستنفر لبدء الهجوم الإنساني المتمثل بإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة..
.. وهذا يعني أن ميدان غزة لم يعد فقط ميداناً ذا أبعاد عسكرية صرفة؛ بل دخلت عليه عوامل دولية إنسانية؛ وهذه الأخيرة لها صفة “جنرال الرقابة الإنسانية” في غزة الذي سيشتبك إعلامياً ودبلوماسياً مع “جنرال الحرب الإسرائيلي” في غزة.
أمس تحرك نتنياهو لمواجهة كل هذه التعقيدات التي بدأت تتراكم بوجه بدء الهجوم البري؛ فقام هو شخصياً بزيارة جبهة غلاف غزة التي تشكل ميدان تأهب الجيش لبدء الهجوم البري؛ وبنفس الوقت سرّب سفير تل أبيب في واشنطن خبر أن إسرائيل أبلغت البيت الأبيض أنها لا تضع سقفاً زمنياً لعملية سحق حماس في غزة.
وواضح أن نتنياهو من غلاف غزة كان يقول لإدارة بايدن أن الجيش نوجد في حالة انتظار لبدء الهجوم البري الذي لن يتم التراجع عنه؛ وسفيره في واشنطن كان يقول أن رخصة أميركا للحرب الإسرائيلية على غزة ليس لها سقف زمني.. أما إدارة بايدن فهي لم تعلق لا سلباً ولا إيجاباً على مناورة نتنياهو وسفيره في واشنطن، ولكنها انشغلت برسائل بايدن الخاصة للمنطقة، وهي ثلاث: الأولى تركزت على البحث داخل الحرب عن الرهائن الأميركيين في غزة.. ثانياً التعامل عبر زيارات بلينكن للمنطقة، مع الاعتراض العربي على حرب نتنياهو ضد غزة.. ثالثاً البحث عن ميدان إنساني في غزة (طرق آمنة إنسانية)، يقابل ويوازي ميدان نتنياهو العسكري في غزة.
وكل هذه النقاط التي انشغلت فيها أميركا خلال الساعات ال٧٢ الماضية، تشي بأن إدارة بايدن تعمل على ترتيب ميدان حرب في غزة تكون مدة الاشتعال فيه طويلة، ولكن بنفس الوقت لا يحمّل هذا الاشتعال واشنطن وِزر كلفته الإنسانية والسياسية الباهضة.