خاص الهديل :
يبدو واضحاً من سلوك حزب الله العسكري على الحدود مع فلسطين المحتلة، أنه يعتمد إستراتيجية مواكبة حرب طوفان الأقصى، بخوض “حرب أشغال” للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، بغية تخفيف الضغط عن حماس والجهاد الإسلامي في جبهة جنوب فلسطين المحتلة..
وتتكون إستراتيجية حزب الله المواكبة لحرب طوفان الأقصى من مبدأين أو تكتيكين إثنين:
الأول يفسح بموجبه حزب الله المجال لمجموعات عسكرية فلسطينية من حماس ومن الجهاد الإسلامي لتنفيذ هجمات صاروخية وعمليات تسلل من منطقة القرار ١٧٠١ ضد المواقع والمستوطنات الإسرائيلية المقابلة في منطقة الجليل.
والتكتيك لثاني يتمثل بتصعيد الجبهة في منطقة مزارع شبعا المحتلة الواقعة خارج منطقة القرار ١٧٠١.
ومن خلال رصد تصريحات حزب الله وأيضاً الإيرانية، يمكن استنتاج أن تطبيقات حرب الأشغال هي “خطوة مرحلية” تتوقف إمكانية تصاعدها لتصبح حرباً مفتوحة، مع إمكانية ارتفاع منسوب الحرب الإسرائيلية ضد غزة، لتصبح حرباً تضع كل مصير حماس على المحك..
والدخول في حرب الأشغال لها أكثر من معنى؛ أبرزها أشغال الجيش الإسرائيلي في الشمال ورفع الضغط قدر الإمكان عن حماس في غزة وغلافها؛ وأهمها ترك رسالة لإسرائيل تقول أن الحزب متدخل في هذه الحرب وليس محايداً؛ وأنه سيتخذ قرار مدى منسوب انخراطه في الحرب بمقدار مدى تطورها.
ومن جهة ثانية فإن إفساح حزب الله المجال للجهاد الإسلامي ولحماس بالعمل من منطقة القرار ١٧٠١، إنما يهدف إلى توجيه رسالة من العيار الثقيل لواشنطن تقول أن منصات الغاز الإسرائيلية مقابل الناقورة ستصبح رهينة تطور الحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل في غزة وفي غلافها وفي مناطق الـ٦٧ و٤٨..
ويشبه قرار حزب الله إدخال العامل الفلسطيني إلى منطقة اليونيفيل، القرار الذي كانت اتخذته الدولة اللبنانية نهاية ستينات القرن الماضي، بالسماح للفدائيين الفلسطينيين بالعمل من منطقة العرقوب “فتح لاند”؛ مع فارق أن حزب الله هذه المرة يدفع فاتورة التزامه بالدفاع عن المحور الإيراني؛ بينما في المرة السابقة اضطر لبنان أن يدفع فاتورة الضغط العربي عليه.
ومن جانب آخر فإن تطور إنشاء منطقة “حماس لاند” داخل منطقة القرار ١٧٠١؛ لا يشي فقط بأنه قد يكرر من حيث بداياته ونتائجه، قصة إنشاء منطقة “فتح لاند” في لبنان من أولها في مرحلة ما بعد الـ٦٧ حتى ذروتها خلال حرب الـ٧٥ الأهلية وصولاً إلى نهايتها في العام ٨٢؛ بل هو يحاكي أيضاً (أي تطور إنشاء منطقة “حماس لاند”) الترميز الذي كان قائماً عبر معادلة ترابط المسار والمصير بين الجبهتين الشمالية السورية، والجنوبية المصرية في ستينات القرن الماضي؛ مع فارق أن طرفي هاتين الجبهتين هذه المرة، هما حزب الله في لبنان على جبهة الشمال، وليس نظام حزب البعث في سورية؛ وحركة حماس في غزة على الجبهة الجنوبية، وليس مصر.
وبالنهاية لن تستطيع إسرائيل تحمل الوجود الفلسطيني المسلح في منطقة عمليات الـ١٧٠١، فيما لو تحول هذا الوجود من شكله الرمزي الراهن، إلى شكل فعلي قائم نتيجة حصول تطورات غير محسوبة في المنطقة، ولا يمكن التنبوء المبكر بها حتى من قبل حزب الله.. ولكن حتى هذه اللحظة الممسوكة بالكامل من حزب الله، فإن خطة التلويح بإقامة منطقة “حماس لاند” في منطقة جنوب خط الليطاني الذي هو أيضاً منطقة عمليات اليونيفيل والقرار ١٧٠١، إنما يريد الحزب من خلالها إيصال رسالة سياسية واضحة موجهة لحاملة فورد الأميركية ولبئر قاريش ولتل أبيب؛ ومفادها أنه إذا كانت أميركا تهدد إيران وحارة حريك بالتدخل مباشرة ضدهما في حال قام حزب الله بفتح الجبهة الشمالية لإنقاذ حماس على الجبهة الجنوبية؛ فإن الحزب سيرد بالمقابل على واشنطن وتل أبيب بأنه سيفلت ساحة الـ١٧٠١ لتصبح غابة سلاح فلسطينية كما كانت قبل العام ٨٢ ومعها سيصبح كل الجنوب ساحة جهاد لبنانية وسورية وعراقية، الخ…
لم يعد هناك شك بالنسبة لمتابعين عارفين بدواخل الترابط بين جبهتي الشمال والجنوب؛ أن حماس وحزب الله يؤديان في هذه المرحلة نفس دور الترابط الذي كان موجوداً خلال ما قبل اندلاع حرب تشرين ٧٢ بين جبهتي الشمال السورية والجنوب المصرية، حيث قيل آنذاك لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سورية؛ واليوم يمكن عكس هذه المقولة لتصبح أنه “لا سلام من دون حماس ولا استقرار من دون حزب الله”..