خاص الهديل:
ظهر محمد ضيف مرة واحدة منذ بدء عملية طوفان الأقصى؛ حيث أعلن عن بدء العملية، وحدد سبب توقيتها، وهو الرد على تعاظم الإعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى؛ وأيضاً حدد هدفها وهو تبادل الأسرى توصلاً لإطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية..
ثم بعد ذلك اختفى محمد ضيف عن السمع، ولكن بصماته يمكن لحظها في كل رشقة صواريخ تنطلق من غزة باتجاه إسرائيل..
على الضفة الأخرى من حرب طوفان الأقصى، حيث تشتعل الجبهة الشمالية وفق منسوب منسق مع حماس في الحبهة الجنوبية (غزة)؛ لم يظهر بعد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله إلى الإعلام ولا مرة، وذلك منذ بدء حرب “طوفان الأقصى” التي انخرط فيها عسكرياً منذ يومها الأول، والتي أعلن الرجل الثاني في الحزب السيد هاشم صفي الدين بعد يوم واحد من بدئها أن حزب الله ليس محايداً في هذه الحرب.
إن إكتفاء ضيف بالظهور إعلامياً لمرة واحدة فقط، وامتناع نصر الله عن الظهور إعلامياً ولو حتى لمرة واحدة فقط، هو أمر مقصود ويندرج ضمن تكتيكات “التبخر الأمني” بالنسبة لضيف، ويندرج ضمن تكتيكات “الغموض البناء” بالنسبة لنصرالله.. فالأخير لا يرى أنه حان وقت إعلان تحديد واضح لموقف حزب الله من الحرب؛ وبدل ذلك، فهو يكتفي بإطلاق رسائل نارية غير مصحوبة بتوضيح سياسي؛ والهدف من هذا السلوك لنصر الله هو تحويل جبهة الشمال إلى مساحة عسكرية وظيفتها ليس فقط أشغال العدو لتخفيف الضغط عن غزة؛ بل أيضاً إرباك العدو عبر جعله غير قادر على احتساب أخطارها الإقليمية بشكل واضح.. وعليه، فإن ابتعاد محمد ضيف عن الضوء الإعلامي يزيد من إرباك إسرائيل الأمني على جبهة الجنوب في غزة؛ كما أن امتناع نصر الله عن الكلام يزيد من الإرباك الإستراتيجي لإسرائيل على جبهة المنطقة.. في حين أن كلام عبد الله اللهيان يرسم ميداناً للمعركة غير محددة جوانبه كونه يترك هذا التحديد لضيف ونصر الله الصامتين حتى إشعار سياسي آخر… غير أن اللهيان يطلق تحذيرات عن أن المعركة مرهونة بسلوك نتنياهو الذي سيؤدي تعنته فيما لو استمر عليه، إلى جعلها مفتوحة زمنياً وجغرافياً وسياسياً وعسكرياً.
.. والواقع أنه بالنسبة لحماس فإن محمد ضيف يوازي عماد مغنية عند حزب الله ويوازي المهندس عند الحشد الشعبي؛ وهو اليوم كما بالأمس يعتبر المطلوب الأول لإسرائيل.
ومن السيناريوهات الأكثر تداولاً بخصوص كيفية خروج نتنياهو من “حرج حرب غزة”؛ ثمة من يرى أن المخرج الأنسب لـ”بيبي” (أي نتنياهو) هو اصطياد محمد ضيف؛ ما يجعل نتنياهو قادراً على إعلان وقف الحرب تحت عنوان أن إسرائيل قتلت المسؤول الأول عن شن عملية “طوفان الأقصى” عليها.
ويتم في هذه الفترة، نسج الكثير من الافتراضات حول الطريقة الاستثنائية التي خطط بها محمد ضيف عملية طوفان الأقصى؛ وضمن هذا السياق يتم تداول فكرة تقول أن إبداع محمد ضيف قبل بدء عملية طوفان الأقصى، يكمن في نجاحه بإخفاء التحضيرات الأمنية والعسكرية الواسعة للعملية، عن أعين أجهزة المخابرات الإسرائيلية؛ علماً أن المشاركين بها لوجستياً وميدانياً فاقوا الألف مقاتل؛ فيما إبداعه (أي ضيف) بعد بدء عملية “طوفان الأقصى”، يكمن في حسن إخفاء نفسه شخصياً عن أنظار العدو، وعن كل الحواسيب الإسرائيلية والأمريكية الحساسة؛ ما يجعل إسرائيل تقاتل في غزة من دون أن يكون لديها هدف واحد وازن ومادي، يمكنها من خلال ضربه تمهيد طريقها كي تنزل عن الشجرة، عبر تمكين نتنياهو من الإدعاء بأنه ربح الحرب كون منازلته مع رأس حماس ومع صانع طوفان الأقصى ضد الجيش الإسرائيلي، انتهت بنجاحه بقتله (أي قتل ضيف) والثأر منه لكرامة هيبة الردع الإسرائيلي.
.. وجملة القول هنا أن عدم قدرة الجيش وأيضاً نتنياهو، على صنع انتصار مادي في معركة غزة؛ يجعلهما في موقع البحث عن انتصار رمزي أو معنوي أو صوري.. وحتى الآن لا يوجد هدف رمزي لدى الجيش، وأيضاً لدى نتنياهو، سوى اغتيال محمد ضيف بعملية قصف مصورة، أو إذا أمكن – وهذا سيكون أكثر إثارة وإفادة لصورة الردع الإسرائيلي -، عبر اغتياله بعملية كومندو عسكرية توثق بخدمة الفيديو، وتوزع تفاصيل مشاهدها على كل أصقاع العالم!!.
.. وأيضاً كل التوقعات تفترض أن نتنياهو كما الجيش الإسرائيلي، لن يكون لديهما خطة استراتيجية على جبهة الشمال ضد حزب الله إلا تهديده بحاملة الطائرات الأميركية.. وهذا يعني أن الجيش وأيضاً نتنياهو باتا على قناعة بأن هيبة القوة العسكرية الإسرائيلية خسرت مفعولها مع حزب الله، وبات تهديد نصر الله ببايدن وبالقوة الأميركية المباشرة، هو كل ما تبقى في ترسانة إسرائيل الإستراتيجية لقمعه وإعلان النجاح في ردعه.