خاص الهديل:
بايدن في المنطقة: دعم “الغضب الدموي” على غزة وحماس..
زيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى إسرائيل، تعتبر تتمة بالسياسة للمعنى العسكري الذي اكتسبه وصول أسطول فورد إلى شواطئ المتوسط قبالة فلسطين المحتلة.
.. وكان لافتاً أن قرار إرسال حاملة فورد من قبل بايدن والكونغرس، تم اتخاذه خلال ساعات قليلة؛ ما يجعله أسرع قرار بارسال أسطول عسكري بتاريخ أميركا، وذلك لجهة المدة الوجيزة التي اتخذ بها؛ أو لجهة المدة القصيرة جداً التي جرى تنفيذه فيها.. فبخلال ساعات ثلاث تقريباً، اتخذ بايدن قرار إرسال اسطول فورد إلى شواطئ فلسطين، وبخلال ساعات قليلة جداً وافق الكونغرس على القرار الرئاسي؛ وبأقل من يومين كانت حاملة فورد موجودة في خدمة هدف حماية إسرائيل من فتح جبهة ثانية عليها من قبل حزب الله وإيران..
ويعبّر هذا الأمر عن ثلاثة أمور أساسية:
أولها أن إلتزام أميركا بأمن إسرائيل يساوي إلتزام أميركا بأمن أميركا.. فالكونغرس كما البيت الأبيض لا يتعامل مع كيان العبري على أنه فقط مجرد دولة حليفة لأميركا، بل على أساس أنه دولة تقع تحت الحماية الأميركية المباشرة؛ ويشمله إلتزام أميركا بحمايته، وهو إلتزام له منزلة تعادل إلتزام أميركا بحماية أي ولاية أميركية.
ويعبّر الأمر الثاني عن وجود مصلحة أميركية كبرى ومصلحة إسرائيلية كبرى بعدم تطور حرب غزة إلى حرب إقليمية في المنطقة.. والسبب الأساس الذي يدعو بايدن لتجنب نشوب حرب إقليمية في المنطقة، يعود لكونه لا يريد أن تضطر أميركا إلى خوض “حرب دعم تسليحي ومالي مفتوح” وذلك على جبهتين دوليتين استراتيجيتين في آن معاً؛ الأولى حرب تسليح أوكرانيا ضد روسيا والثانية حرب تسليح إسرائيل ضد إيران وأذرعها في الشرق الأوسط. ويعتبر بايدن أن أولوية واشنطن الإستراتيجية الآن هي لاستمرار الحرب الهادفة لهزيمة روسيا في أوكرانيا، وهي بنفس الوقت لمنع الحرب على إسرائيل في الشرق الأوسط.. وعليه فهو يحاول إبقاء “حرب طوفان الأقصى” محصورة داخل نطاقها الفلسطيني الإسرائيلي، وعدم خروجها إلى النطاق الإقليمي؛ وذلك حتى لا تصبح حرب غزة لها نفس حجم حرب أوكرانيا، ما يلزم البيت الأبيض بحشد الدعم العالمي المادي والعسكري والسياسي لها؛ وهو أمر قد لا يمكن توفيره بسبب أن العالم الغربي والأوروبي أصبح مثقلاً اقتصادياً وعسكرياً بالخسائر الناتجة عن دعمه المفتوح والسخي للحرب على روسيا في أوكرانيا.
الأمر الثالث الذي يعنيه سرعة إرسال بايدن للحاملة فورد إلى شاطئ فلسطين المحتلة، وسرعة مجيئه هو نفسه إلى إسرائيل بعد إرساله وزير خارجيته مرتين إلى المنطقة بظرف أسبوع واحد، هو أن بايدن لا يريد ركوب مغامرة توحيد روسيا وإيران ضمن مجهود عسكري واحد ضد واشنطن.. فبايدن يريد حصار إيران داخل الشرق الأوسط ويريد أيضاً حصار روسيا داخل الفضاء الأوراسي.. ولكن اندلاع الحرب في الشرق الأوسط سيحول هذه المنطقة إلى ساحة نار تحاصر إسرائيل وأميركا داخل جحيم الفوضى الشرق أوسطية.. كما أن الحرب في المنطقة التي تسميها طهران “غرب آسيا” يخدم هدف استقرار روسيا فيها، ويعطي الانسجام الروسي الإيراني في الشرق الأوسط، جرعة كبيرة..
وإذا كانت حرب أوكرانيا تعني لروسيا إخراج أميركا والناتو من الفضاء الأوراسي؛ فإن تحويل حرب غزة إلى حرب إقليمية، تعني حسب الشعار الإيراني، فتح معركة إخراج أميركا من “غرب آسيا”؛ وستعني حسب مفهوم فصائل المقاومة من غزة إلى صنعاء مروراً بالعراق وسورية ولبنان، بدء “الحرب الكبرى” الهادفة لإزالة إسرائيل..
ومن أجل كل هذه الأسباب، أصر بايدن على زيارة المنطقة في لحظة غضب عربي وإسلامي صاخب، وذلك رغم أنها لحظة قد تشكل مناخاً ليس مواتياً لزيارته؛ ولكنه مع ذلك قرر عدم تأجيلها، كون بايدن يريد لزيارته أن تقدم رسالة قوية يعرب من خلالها عن الغضب الأميركي الكبير من تجرؤ حماس على الأمن الإسرائيلي؛ وعن الاستعداد الأميركي الكبير لإعلان الحرب الأميركية على أية جهة تفكر بفتح جبهة ثانية أو ثالثة ضد إسرائيل.
والواقع أن زيارة بايدن للمنطقة لا تشبه أي زيارة سابقة لرئيس أميركي؛ كونها ليست فقط زيارة دعم مطلق لإسرائيل؛ وليس فقط زيارة انتخابية رئاسية أميركية لكسب الصوت الأميركي اليهودي، وليست زيارة للضغط على العرب ليقبلوا بتسوية سلام لصالح إسرائيل وضد الحقوق الفلسطينية، بل هي أيضاً، وبالأساس، زيارة ضغط على العرب والمسلمين لجعلهم يقبلون بمبدأ يقول أن ثمن التجرؤ الفلسطيني على أمن إسرائيل، لن يكون أقل من إبادة الفلسطينيين وفرض العقاب الجماعي عليهم، وأن ثمن “طوفان الأقصى” هو “طوفان المجازر الإسرائيلية” ضد الفلسطينيين، المدعومة أميركياً بالكامل..