الهديل

خاص الهديل: السيناريو المتوقع: حرب “طوفان الأقصى” ستأخذ لبنان إلى حرب استنزاف طويلة مع إسرائيل؟؟

خاص الهديل:

هناك خشية من إمكانية حصول حدث غير مقصود على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، يؤدي إلى الإنزلاق نحو حرب شاملة.. مثلاً لا شيء يضمن عدم سقوط قذيفة هاون أو صاروخ داخل موقع عسكري إسرائيلي، أو منزل مستوطن؛ الأمر الذي يؤدي إلى مقتل عدد من الإسرائيليين ما يقود لرد إسرائيلي بنفس المستوى، وتبدأ الحرب.. وقد يحدث العكس أيضاً..

 

والحاصل الآن على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، هو “مناوشات عسكرية بقواعد اشتباك منضبطة”؛ أو ما يسمى بالمصطلح العسكري “ضربة محسوبة مقابل ضربة محسوبة”..

 

ومع مرور الوقت تصبح ما يمكن تسميته “بمناوشات حرب غزة على الجبهة الشمالية”، بمثابة أمر مطلوب لحزب الله، وأيضاً لإسرائيل .. فالحزب يهمه أن يكون موجوداً عسكرياً وليس فقط بالتصريحات، على شريط أخبار قنوات التلفاز العالمية التي تغطي أحداث حرب طوفان الأقصى والتي يتابعها الشارعين العربي والإسلامي باهتمام.. وأيضاً يهم تل أبيب أن تلفت نظر واشنطن إلى أن جبهة الشمال ساخنة، وأن المجريات العسكرية فيها تجعلها محل قلق دائم من اشتعالها.. وهنا تجدر الملاحظة أن السبب المباشر الذي دعا بايدن أن يرسل حاملة فورد إلى المنطقة؛ هو تلبية حاجة إسرائيل بمنع اندلاع جبهة الشمال بالتزامن مع الحرب الجارية على جبهة الجنوب.. وعليه فإن جزءً هاماً من شرط استمرار الوجود العسكري الأميركي على شاطئ فلسطين لدعم تل أبيب، والمطلوب بحرارة من إسرائيل، مرهون بتزايد احتمالات الإنفجار على الجبهة الشمالية؛ كما أن جزءً هاماً من بريق صورة حزب الله كشريك مع حماس في حرب طوفان الأقصى، يتأتى من نجاحه في عملية إدارة مناوشات حرب غزة على الجبهة الشمالية؛ وهي ما يستحسن للحزب تسميتها بعملية أشغال الجيش الإسرائيلي في الشمال لتخفيف الضغط عن جبهة غزة في الجنوب..  

 

والواقع أن الهدف المركزي لحرب حماس في غزة هو غير الهدف المركزي لحرب حزب الله على الجبهة الشمالية. فحماس تتجه بها التطورات السياسية والميدانية، لتجعلها في موقع خوض معركة دفاع عن وجودها.. صحيح أنه هذه ليست أول مرة يخرج فيها الجيش الإسرائيلي لتنفيذ مهمة إجتثاث حماس، ويفشل في تحقيق هذا الهدف؛ ولكن الصحيح أيضاً أن هذه هي أول مرة تضع واشنطن فيها حماس بمنزلة حركة داعش، وتعتبر فيها الإدارة الأميركية أن حماس نفذت ضد حليفتها إسرائيل عملية تشبه في أهدافها وتخطيطها عملية ١١ سبتمبر، مع فارق أن نتائحها فاقت بأضعاف نتائج عملية ١١ سبتمبر(!!).. 

 

والواقع أن هذا القصف السياسي والإعلامي الأميركي العنيف جداً ضد حماس، يمهد لتطورين أميركيين منتظرين: الأول شيطنة حماس عالمياً وجعل النظرة الأمنية والعسكرية لها، تتميز بأن لها نفس نظرة الغرب لداعش ومن قبلها للقاعدة على زمن أسامة بن لادن..

 

التطور الثاني هو توقع قيام واشنطن بتشكيل تحالف دولي عسكري ضد حماس يكون على وزن التحالف الدولي العسكري الذي شكلته ضد داعش.. 

 

والواقع أن طبيعة الدور الأميركي داخل حرب غزة؛ كما تتضح معطياته شيئاً فشيئاً، تؤشر إلى أن هذه الحرب ستكون طويلة؛ وهي ستأخذ مع الوقت فصولاً مختلفة..

 

.. ومن المؤشرات الدالة على أنها حرب طويلة: أ- إتجاه واشنطن لإنشاء تحالف دولي عسكري ضد حماس؛ ب- إتجاه واشنطن لجعل الهدنة المطلوبة في غزة إنسانية متقطعة، أي هدنة بين جولات قصف وضغط عسكري، وليس هدنة عسكرية تحدث فك نزاع أو وقف اعتداءات كما حصل في لبنان عام ٢٠٠٦، أو هدنة سياسية تضع تسوية لربط النزاع؛ ج- الطرح الأميركي الذي يربط مصير فلسطيني غزة بتحضير مشهد فلسطيني جديد خال من وجود حماس فيه، ويتضمن بنفس الوقت حركة ترانسفير بطيئة ومتدرجة نحو مصر، وذلك بعد فشل جعلها حركة نشطة؛ د- خطورة وجود مصلحة لبايدن أن تواكب هذه الحرب كل فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية، كون ذلك يبقي يهود أميركا، وأيضاً يبقي حكومة إسرائيل، بحاجة ماسة لدعم إدارة بايدن المحتاجة بالمقابل لدعم الصوت اليهودي الأميركي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك ضد ترامب (على الأرجح) المعتمد بجزء هام من حملته الانتخابية على الناخب اليهودي، وعلى دعم نتنياهو له..

 

..والواقع أن كل هذه المعطيات والأهداف المطلوبة أميركياً، تؤشر إلى أن حرب غزة ستكون طويلة وبعيدة المدى، وسيكون لها لجهة تنوع فصولها نفس ما حدث ويحدث في الحرب السورية والحرب الليبية والحرب اليمنية، الخ..

 

وواقع أن دورة العنف الجديدة في غزة، هي أكبر من حرب محدودة، وأقل من حرب إقليمية شاملة، وواقع أنها حالة “حرب مستطيرة” ومرشحة للاستمرار لفترة زمنية طويلة؛ يطرحان سؤال حول خطورة مستقبل الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية؛ وذلك لجهة إمكانية السيطرة على حالة المناوشات العسكرية القائمة حالياً وعدم تحولها إلى واحد من إحتمالين إثنين: إما حرب استنزاف تتسع رقعتها الجغرافية الحدودية، وتترك نتائج اقتصادية، وتتخللها جولات عنف متقطعة تطال العمقين اللبناني والإسرائيلي، وهذا السيناريو وارد بقوة؛ وإما تحولها لحرب واسعة تجر المنطقة ولبنان وإسرائيل وأميركا لحرب إقليمية؛ وهو سيناريو مستبعد؟!. 

 

إن خطورة الوضع على الجبهة الشمالية، تكمن في أن طرفي الحرب المحتملة، يقفان الآن على أعلى الشجرة؛ وفي حال حصل أي تطور سياسي أو عسكري عميق ومفاجئ على حرب غزة، فإن ذلك سيقودهما للتصادم، وليس للنزول الهادئ والمتدرج عن شجرة التصعيد.

 

.. ولم يعد يكفي لاستبعاد الانزلاق لحرب على جبهة الشمال، النوم على وسادة التقدير العام الذي يقول أنه لا الحزب ولا إسرائيل ولا أميركا يريدون المواجهة العسكرية المفتوحة على الجبهة الشمالية؛ ذلك أن هناك أطرافاً أخرى باتت موجودة على خط التصعيد اللبناني الإسرائيلي، وهذه الأطراف هي الجهاد الإسلامي وحماس وفصائل فلسطينية أخرى، مضافاً إليها أيضاً ما يمكن تسميته بعامل ضغط الظرف الفلسطيني الصعب والمحتاج لنصرته، على معادلة أطراف محور الممانعة والتي يعتبر حزب الله أبرز أطرافها.

إن سمات حرب غزة كما تبدو من فوق حاملة فورد؛ وكما تبدو من فوق مسرح حملة بايدن الإنتخابية الرئاسية، وكما تبدو من وسط سراب صحراء سيناء والموقف المصري المتصدي لإنتاج نكبة تهجير فلسطينية ثانية؛ وكما تبدو من الأردن القلق أيضاً من الدولة الفلسطينية البديلة، وكما تبدو أيضاً وأيضاً من جعل خيار التدمير والإبادة والتهجير لغزة، له أولوية على خيار الحرب البرية الجدي.. إن كل هذه السمات تقول أن حرب غزة فتيل قابل للإشتعال، بأكثر مما هو قابل لاحتوائه.. وأن تطورات الجبهة الشمالية ضمن استعار سمات فتيل حرب غزة المحتملة، ستحول جنوب لبنان إلى جنوب قطاع غزة بالمعنى العسكري والإستراتيجي والجيوسياسي الفعلي وليس الجغرافي.. 

وضمن هذا الوضع سيصبح لبنان “ميداناً لأكثر من جبهة مناوشات، وأقل من حرب إقليمية”.. وقد يكون لكل الأطراف – عدا فقط لبنان – مصلحة لوضع بلد الأرز ضمن معادلة تحوله لميدان داخل حريق غزة، بحيث لا يصبح حريقاً إقليمياً.. 

والفكرة الأساسية هنا هي أن لبنان – وحزب الله بداخله – لا يستطيع أن يقود حرب غزة لتصبح حرباً إقليمية؛ بل الإقليم ومصالح الدول الكبرى تستطيع أن تقود لبنان – وحزب الله بداخله – ليصبح ضمن حريق غزة، ولتصبح جبهته مع إسرائيل، محصورة داخل نار ميدان غزة، على نحو يحيد الإقليم!!..

Exit mobile version