خاص الهديل:
بعد أن دخلت الحرب أسبوعها الثالث، لا تزال فرق الجيش الإسرائيلي تنتظر في غلاف غزة إشارة بدء الهجوم البري.. وبالتزامن، وعلى مدى هذه الأيام من عمر حرب غزة؛ لا تزال المواجهات بين حزب الله وإسرائيل تنتظر حدوث “خطأ ما” لتتحول من اشتباكات منضبطة إلى حرب شاملة متفلتة من أية ضوابط.
إذن ثمة أسباب جوهرية تمنع بدء الحرب البرية في غزة؛ وأيضاً ثمة أسباب جوهرية تمنع تحول الاشتباك إلى حرب على جبهة حزب الله – إسرائيل.
من وجهة نظر حزب الله فإن إمتناع السيد حسن نصر الله عن الظهور على الإعلام ليحدد متى تصبح اشتباكات الجبهة الشمالية حرباً مفتوحة؛ هو جزء من خطة “الغموض البناء” الذي يتبعها الحزب داخل مشهد حرب غزة.. ويسمي إعلام الحزب صمت نصر الله “برسائل الصمت” التي تريد إرباك “تقديرات العدو”.
.. غير أن إطلالات السيد هاشم صفي الدين والشيخ نعيم قاسم الإعلامية المتكررة والتي يتحدثا فيها عن موقف الحزب من حرب غزة؛ بدأت تعوض جزئياً غياب إطلالات نصر الله الخاصة بهذه الحرب. وجملة ما يقوله صفي الدين وقاسم يظهر الموقف التالي للحزب:
أولاً- الحزب لا يأخذ موقف الحياد من حرب غزة؛ وهو جزء منها..
ثانياً- الحزب يواكب حرب غزة بالنار وهو يطور مشاركته بها إذا رأى ذلك أو إذا طلب منه ذلك (بمعنى إذا طلبت منه حماس النجدة).
وواضح أن صفي الدين يتقصد في بعض إطلالاته أن يلقي خطاباً مكتوباً، حتى يوحي لمستمعيه أن ما يقوله بخصوص موقف الحزب من حرب غزة، له طابع رسمي، ولا يعبر فقط عن موقعه ألهام داخل الحزب.
ويمكن أيضاً في مجال تتبع تصريحات مسؤولي الحزب عن حرب غزة التوقف عند كلام لمحمد رعد الذي حدد فيه مبدأ آخر معتمد لدى الحزب، ومفاده أن حزب الله لا ينقاد إلا وراء قراره وتقديره بخصوص تحديد منسوب مشاركته في حرب غزة؛ وأن الحزب هو من يحدد اتجاهات ما يحدث وما يجب أن يحدث في ميدان الجبهة الشمالية..
وفيما صفي الدين وقاسم يوحيان بأن تحويل المواجهات إلى حرب على الجبهة الشمالية، هو أمر منوط بطلب النجدة من حماس؛ فإن رعد يقول أن القرار بخصوص كيف يطور الحزب الحرب في الجبهة الشمالية، هو قرار يعود لتقدير الحزب الاستراتيجي حصراً، وليس لأي اعتبار آخر..
ويرى البعض في هذا الافتراق بالمعنى بين ما يقوله صفي الدين وقاسم وبين ما يقوله رعد؛ بأنه يعبر عن وجود وجهتي نظر داخل الحزب حول متى يجب تحويل الاشتباك إلى حرب على الجبهة الشمالية مع إسرائيل؛ فيما يرى آخرون أنه مجرد توزيع أدوار منسق لتعمية الصورة أمام عيون الإسرائيليين.
.. أما في إسرائيل فإن آخر تحديث لموقفها مما يحدث على الجبهة مع حزب الله؛ وذلك بحسب تصريحات قادتها السياسيين والعسكريين؛ يفيد بالتالي:
– ستبادر إسرائيل إلى اعلان الحرب الشاملة على لبنان في حالتين إثنتين:
١- إذا وجه الحزب ضربة قاسية لإسرائيل أسفرت عن قتلى وأضرار كبيرة..
٢- إذا قام حزب الله بإطلاق صواريخ دقيقة.
والواقع أن الموقف داخل إسرائيل غير موحد بخصوص أية إستراتيجية يجب اتباعها مع حزب الله على الجبهة الشمالية(؟؟)؛ فاليمين المتطرف من جماعة بن غفير، يقترحون استغلال الدعم الأميركي المطلق، ووجود حاملات الطائرات الأميركية في المنطقة، للبدء بتوجيه ضربة إستراتيجية لحزب الله، بنفس توقيت الضربة الإستراتيجية التي يتم توجيهها لحماس.. فيما المستوى العسكري ونتنياهو وأيضاً الأميركيون، يرفضون هذا الخيار، ويسيرون بإستراتيجية تحييد الجبهة الشمالية، والتفرغ للجبهة الجنوبية وسحق حماس.
ومع الوقت تصبح معادلة إسرائيل في إدارة الوضع الحالي على الجبهة الشمالية أكثر تعقيداً؛ ونفس الأمر يواجهه حزب الله؛ فتل أبيب لم تعد تستطيع السيطرة على استراتيجيتها الخاصة بالجبهة الشمالية نظراً لكون حزب الله يوسع يوماً بعد آخر، نطاق عملياته فيها، مما يضطر الجيش الإسرائيلي لتعزيز قواته فيها، الأمر الذي يشوش على سلاسة تحضيرات الجيش الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية ضد حماس..
.. أما حزب الله فهو بمقابل أنه بدأ ينجح لحد ما في أشغال الجيش الإسرائيلي عن معركته في الجنوب مع غزة؛ فهو أيضاً بدأ يشعر بأن إدارة مواجهات الجبهة الشمالية لتخفيف الضغط عن الجبهة الجنوبية، بدأت تتحول لحرب استنزاف ضده، لأن كلفتها البشرية والمادية عليه أصبحت ترتفع يوماً بعد يوم.. ويبدو واضحاً أن إسرائيل قررت التكيف مع “ميدان حدودي ضيق” على الجبهة الشمالية؛ حيث قامت بترحيل منطقة المستوطنات التي تشكل” غلاف جنوب لبنان” – إذا صحت التسمية -؛ واعتبرت القيادة الإسرائيلية أن هذا الإجراء المتواضع كاف لحماية جبهتها الداخلية من تداعيات المواجهة العسكرية في الشمال..
ولا شك أن هذا “المفهوم لحدود الحرب على جبهة الشمال”، كما تكيفت معه إسرائيل، ليس في صالح حزب الله الذي من أهم أوراق قوته في أية منازلة مع إسرائيل، هو قدرته على إلحاق الشلل بعمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية..
وبشكل عام فإن مجمل المعطيات الواردة أعلاه، تشير إلى حتمية أن يتجه الوضع العسكري على جبهة المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في الأيام المقبلة، إلى واحد من سيناريوهين إثنين:
الأول أن يطور حزب الله من قواعد المواجهة على الجبهة الشمالية بحيث يدخل إليها بعض عوامل تأثيراته على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.. وهذا الوضع سيحتم رد فعل تصعيدي إسرائيلي.
السيناريو الثاني أن تعدل إسرائيل قواعد الاشتباك لمصلحة انتهاز فرصة استفادتها من أن المواجهة الراهنة محصورة فوق الميدان الحدودي الضيق، الأمر الذي يشكل مناسبة ثمينة للجيش الإسرائيلي كي يملك رؤية شاملة أفضل وأسهل لاصطياد تحركات حزب الله والفصائل الأخرى المشاركة معه فوق هذه المساحة الضيقة؛ وهذا التوجه من قبل إسرائيل الذي سيزيد من كلفة الحزب البشرية، سيحتم الرد عليه من قبل الحزب بتصعيد مقابل.
..وهكذا يبدو أن سيناريو “ضربة مقابل ضربة” الذي كان سائداً على الجبهة الشمالية بداية حرب غزة، بدأ يتغير بإتجاه إرساء “معادلة تصعيد مقابل تصعيد”؛ ما يعني أن الحرب الشاملة تنتظر الطرفين في نهاية الطريق..