خاص الهديل:
كان لافتاً أمس مشهد جبران باسيل وهو يقف إلى جانب سليمان فرنجية أمام منزل الأخير، وذلك بعد قطيعة بينهما استمرت لسنين.. وأي متابع كان يمكنه أمس أن يقرأ لغة جسد فرنجية التي أظهرته منزعجاً، ويحرك رقبته بتبرم نحو الأعلى والأسفل خلال إلقاء باسيل تصريحه، وظهر وكأنه يتوسل في قرارة نفسه الله أن ينهي كلامه الثقيل على قلبه بأسرع وقت.. في حين أن باسيل كان ينظر إلى فرنجية خلال إلقائه تصريحه، بعيون فيها غرابة وتحديق نحو الفراغ، وبصراحة لم تكن نظراته مقرؤة لا وفق أبجدية لغة الجسد، ولا لغة النظرات.
وكون أحداث المنطقة لا تتسع للتعمق طويلاً بحدث محلي جرى في أحد زواريب الحي الماروني في لبنان؛ فإنه يمكن في هذه الحالة تسجيل ثلاثة ملاحظات أساسية يمكن استنتاجها من لقاء فرنجية – باسيل أمس:
أول ملاحظة تنطلق من سؤال طرحه كل اللبنانيين على أنفسهم أمس، وهو لماذا قرر باسيل زيارة فرنجية؟؟.
هناك على طريقة الرغبة اللبنانية بافتعال سيناريوهات كبيرة لأحداث صغيرة، ألف سيناريو عن سبب الزيارة برز من ليل أمس حتى صياح ديك هذا الصباح: أحد هذه السيناريوهات يقول أن زيارة باسيل لفرنجية هي خطوة اتفق عليها باسيل مع نصر الله وذلك بوصفها خطوة من موجبات تحصين الساحة الداخلية بوجه احتمالات انعكاسات طوفان الأقصى على لبنان!!. وسيناريو ثان يقول أن باسيل رفض خلال لقائه ببري فكرة التمديد لجوزاف عون في قيادة الجيش؛ فقال له أبو مصطفى أن البديل لعدم التمديد للعماد عون هو انتخاب رئيس يعين قائداً جديداً للجيش.. وتقول هذه الرواية أن بري قال لباسيل: إذهب واتفق مع فرنجية على انتخاب فخامة الرئيس!!. وهناك سيناريو يقول أن باسيل أراد استغلال طوفان الأقصى ليحدث طوفان سياسي داخلي من عندياته يؤدي إلى كسر مقاطعة نصر الله له؛ ويؤدي إلى كسر عزلته السياسية الداخلية..
وربما كانت كل هذه السيناريوهات مجتمعة هي التي تقف وراء زيارة باسيل لفرنجية، ولكن منذ صباح هذا اليوم صار المهم هو ماذا حققت هذه الزيارة؟؟.. ولم يعد المهم، لماذا تمت هذه الزيارة؟؟ وهنا تقع الملاحظة الثانية ومفادها أن زيارة باسيل لفرنحية كانت الأهم سياسياً، من بين كل الزيارات السياسية التي قام بها خلال اليومين الأخيرين.. فهي، داخل أحداث زيارته، كان لها “مكانة الهجوم البري” داخل أحداث غزة، فيما لو اعتبرنا مجازاً أن باسيل قام “بعملية طوفان لبناني” اتسمت بأنها فاجأت الوسط السياسي اللبناني، وقلبت معادلة الصمت الداخلي..
.. ولكن السؤال هل نجح باسيل في تحقيق الهدف الثمين وهو إنجاز “توغله البري السياسي الداخلي”(؟؟) ..
.. ربما حقق باسيل عامل المفاجأة حينما قرع باب عين التينة، وعندما شاهده جنبلاط يقف على باب المختارة، وحينما تلقى نصر الله في هذه اللحظات الصعبة على هاتفه الساخن خبر أن باسيل يريد محادثته.. ولكن كل هذه المفاجآت تبقى عابرة، حيث أن نجاح عملية طوفان باسيل الداخلية، سوف تعتبر ناجحة في حالة واحدة، وهي أن يكون لقائه مع فرنجية أثمر اتفاقاً بينهما على موضوع رئاسة الجمهورية..
والواقعية هنا تحتم القول أن ما قاله فرنجية وسبقه باسيل في قوله، عن أن موضوع الرئاسة لم يشغلهما خلال لقائهما؛ لأن همهما تركز على كيفية حماية لبنان من احتمالات نشوب الحرب؛ هو مجرد كلام إنشائي لا يصدقه أحد في لبنان.. فالحرب هي أكبر من قدرة لقاء باسيل وفرنجية على مواجهة تداعياتها، كما يعرف الجميع أن همّ حماية مصالحهما بالرئاسة، أكبر بكثير من همّ حماية البلد بالنسبة إليهما.. وعلى هذا ستظل الأسئلة المطروحة برسم الأيام القليلة المقبلة، هي:
– هل قبل باسيل بصيغة ترشيح فرنجية مقابل أن الأخير يدفع له أثماناً سياسية كبيرة؟؟..
– هل جرى اللقاء بينهما على أساس أن يكون الاتفاق بين باسيل وفرنجية والثنائي الشيعي وجنبلاط على عدم التمديد لقائد الجيش، والإتيان بقائد جديد محسوب على جبران باسيل، هو أول بنود اتفاق دفع الثمن السياسي لباسيل مقابل تأييده ترشيح فرنجية؟؟.
– هل لقاء باسيل – فرنجية جرى تحت ضغط نصر الله لإبراز صوت مسيحي، يقول أن المسيحيين في لبنان يثقون بحكمة نصر الله في تجنيب البلد كارثة الدخول بالحرب؛ وأن المسيحيين فيما لو فرضت الحرب على لبنان، سيكونون إلى جانب المقاومة..
الاستنتاج الثالث هو أن لا شيء سيتغير بعد لقاء باسيل – فرنجية، لأن مشاكل البلد أعمق مما قد يسفر عنه اتفاق يتم بواسطة صفقة بين زعيمي الخلاف الماروني في لبنان، أو حتى بين حلفائهما..