الهديل

خاص الهديل: كيف تنزل إسرائيل عن الشجرة: “نتنياهو هو الثمن”!!

خاص الهديل:

 

السؤال الواقعي الذي يفترض أنه يسود داخل قيادة الجيش الإسرائيلي حالياً، حتى لو لم يعلن أحد ذلك؛ هو ماذا بعد القصف التدميري وماذا بعد مناورات التوغلات المحدودة؟؟..

الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى عبقرية عسكرية، كونها معروفة، ذلك أنه سبق وتم طرح ذات هذا السؤال غير مرة سابقاً، وتم حينها تحصيل نفس الإجابة عنه؛ وهي أنه في حرب الجيش ضد قطاع غزة المكتظ بالسكان والمقاتلين، لا يمكن تحقيق هدف سياسي كامل من نوع “اجتثاث حماس” أو “تهجير الغزاويين” إلى مصر أو حتى حشرهم بالشطر الجنوبي من القطاع؛ وكل ما يمكن تحقيقه هو ممارسة “نوبة قتل وتدمير مستطيرة”، تنتهي كالعادة بالتوقف دائماً أمام جدار عدم القدرة على فعل شيء آخر..

 

.. إن الأمثولة التي وصلت للإسرائيليين من حروبهم ضد غزة، تقول أن كل الأهداف التي تضمنتها الخطط الإسرائيلية القديمة والجديدة، لا إمكانية عسكرية لتحقيقها؛ وعليه فإن الهدف الوحيد المتبقي لتل أبيب والقادر على إنهاء حرب غزة؛ هو موافقة إسرائيل على وقف النار مع بقاء حماس في غزة، وخروج نتنياهو من السلطة.. 

 

إن أسهل ثمن يمكن تقديمه للإسرائيليين الراغبين باستعادة أسراهم، وللأميركيين الراغبين بعدم المغامرة بحرب برية تؤدي لحرب إقليمية، ولصورة العالم الغربي على مرآة غزة وهي تحترق؛ هو الإطاحة بنتنياهو وجعله ثمناً يفتح الباب أمام وقف النار والانتقال إلى مرحلة التقاط الأنفاس وإعادة تجميع أوراق الستاتيكو الذي كان قائماً قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣..

 

وتقع أهمية هدف إقالة نتنياهو، في أن تحقيقه ممكناً ومتوفراً ويصلح ليؤدي دور سلم إنزال إسرائيل عن الشجرة الموجودة عليها اليوم؛ وفي أنه يجيب على سؤال أزمة إسرائيل التي تتمثل بأن كبرياء الجيش مهان وبحاجة لإنجاز ولصورة نصر؛ وهو أمر لن يتوفر له في غزة التي تظهره وقائع أحداثها الراهنة في مظهرين إثنين غير إيجابيين: الأول أنه جيش جريمة وقتل مدنيين وليس جيش حرب وميدان.. والثاني أنه جيش عاجز في القتال البري بوجه قطاع غزة..

 

.. أضف لذلك أن أخطر ما في نتائج حرب طوفان الأقصى على الجيش الإسرائيلي، هي أنها وضعت الجيش الإسرائيلي أمام امتحان الحرب البرية في غزة؛ وهو امتحان حتى أرييل شارون الذي يمثل تاج العسكرية الإسرائيلية، تحاشاه وابتعد عنه..

 

قبل نحو عقدين من الزمن قرر شارون أن الانتصار على غزة يتحقق بخروج إسرائيل من غزة.. واليوم تجد تل أبيب نفسها أمام واقع يفرض عليها تطبيق وصفة مغايرة تقول بأن الانتصار على غزة لا يتحقق إلا بالعودة إلى غزة.. 

 

ولكن ما يبدو واضحاً اليوم هو أن هجمات التوغلات البرية لن تستطيع إعادة هيبة الجيش في الميدان، بل على الأغلب ستلحق بصورته هزيمة جديدة فوق الهزائم الحالية.. وعليه فإن الجبهة الوحيدة ذات الصلة بعملية طوفان الأقصى، التي يمكن للجيش الإسرائيلي أن ينتصر بها، هي فتحه حرباً سياسية ضد جبهة نتنياهو؛ وذلك من خلال اتهامه بأن تقصيره هو الذي تسبب بالإهانة لإسرائيل في غلاف غزة؛ وبأن إقالته ومحاسبته هي الوسيلة المثلى لتحصين الردع الإسرائيلي وتجنيبه التعرض مرة جديدة للإهانة..

 

المقصود هنا هو تغيير صياغة أولويات المرحلة ذات الصلة بسؤال كيف يمكن مواجهة التحدي المعنوي الذي يواجه إسرائيل؟؟.. وبدل أن تكون مهمة المعركة البرية المستحيلة في غزة هي الإجابة عن سؤال كيف يمكن استعادة هيبة الردع؛ فلتكن مكانها إجابة أن إقالة نتنياهو ومحاسبته عن التقصير هي المدخل لتحصين الردع وتجنيبه الإهانة مرة قادمة!!..

 

أمس حاول نتنياهو أن يقوم بمعركة استباقية ضد الجيش وخصومه في الأجهزة الأمنية، وذلك عندما نشر على حسابه الخاص (اكس) أن أمان والشاباك هما المسؤولتان عن التقصير في غلاف غزة.. ولكن نتنياهو عاد وسحب “قواته الإعلامية” من ميدان هذه المعركة، كون توقيت بدئها لم يكن مناسباً لوضع الجبهة الداخلية التي هي بالنهاية الجهة المخولة بحسم هذا الجدل، وذلك عبر قول كلمتها عند الذهاب لانتخابات مبكرة تجري تحت عنوان محاسبة المسؤول عن التقصير؟؟ وضرورة محاسبة المسؤول عن التقصير لنحصن الردع الإسرائيلي ومنع انهياره مرة أخرى..

 

إن الفكرة الأساسية هنا تقع في أن إسرائيل ليس لديها لاستعادة هيبة ردعها؛ غير الذهاب لخيار جعل هذه الأزمة محل محاسبة داخلية، بدل جعلها كما هي الآن محل حملة محاسبة عسكرية برية ضد قطاع غزة.. بمعنى آخر يبدو المطلوب هو حدوث تبديل في طرح مفهوم الأولويات، بحيث يتم وضع أولوية إرسال نتنياهو إلى السجن انتقاماً لهيبة الردع الإسرائيلية، مكان أولوية إرسال الجيش إلى داخل وحل غزة لاستعادة هيبة ردعه. 

والواقع أن تبديل الأولويات وفق هذا الترتيب مصدره الضرورة الناتجة عن أن هناك حاجة معنوية واستراتيجية كي ينتصر الجيش وكي تنتصر الروح المعنوية لإسرائيل؛ وانطلاقاً من طبيعة ما هو مطلوب إسرائيلياً، يظهر أن إسقاط نتنياهو والانتصار عليه داخل إسرائيل، هو الهدف الوحيد الممكن تحقيقه، والذي يتوفر فيه شبهة انتصار يمكن لتل أبيب أن تحصّله، وذلك ضمن موازين قوى مادية ومعنوية راهنة غير مواتية لها..

Exit mobile version