الهديل

خاص الهديل: لبنان بين تجربتي فتح وحماس: من شراكة كمال جنبلاط – عرفات إلى شراكة نصر الله – صالح العاروري..

خاص الهديل:

“يكرر التاريخ نفسه”؛ ربما كانت هذه المقولة هي الأكثر حضوراً على أرض الواقع اليوم في لبنان، وذلك لجهة أن ظهور حركة حماس في جنوب لبنان الآن عسكرياً وسياسياً، يذكر لمن يريد أن يتذكر بظهور حركة فتح في لبنان خلال النصف الثاني من ستينات القرن الماضي لغاية ١٩٨٢.

وتقود المقارنة بين هذين الأمرين إلى عرض الوقائع التالية: 

– في حين أن بدايات ظهور حركة فتح في لبنان كانت آنذاك تحت إسم ياسر عرفات القائد الفلسطيني الذي تبحث عنه حينها المخابرات الإسرائيلية والغربية، فإن بدايات ظهور حركة حماس اليوم في لبنان تتفاعل رمزياً تحت إسم القائد الخماسي الشيخ صالح العاروري الذي تبحث عنه المخابرات الإسرائيلية ونحو دزينة من أجهزة المخابرات الغربية..

– تتشابه في كثير من الأوجه، وليس في جميعها، العلاقة السياسية والاستراتيجية والعسكرية التي تجمع اليوم بين الشيخ صالح العاروري القيادي الفلسطيني الحماسي البارز المقيم في لبنان، وبين السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، وتلك العلاقة السياسية والاستراتيجية والعسكرية التي قامت في عقد سبعينات القرن الماضي بين ياسر عرفات القائد الفلسطيني الفتحاوي المقيم في لبنان وبين كمال حنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي.. فنصر الله والعاروري يؤمنان بوحدة بندقية المقاومة فوق ساحتي فلسطين ولبنان وعرفات وجنبلاط كانا يؤمنان بوحدة هدفهما النضالي للتحرر من الانعزالية اليمنية في لبنان ومن الاحتلال الصهيوني في فلسطين.. 

– في نهاية ستينات القرن الماضي وحتى سبيعنات العقد الذي تلاه كانت الحركة الوطنية وفتح في خندق واحد في الجنوب ضد إسرائيل؛ وكانت الدولة اللبنانية موجودة ضمن هذا الواقع فقط عبر “إذاعة لبنان في الصنايع” التي تتابع عبر نشرات الأخبار وقائع الاشتباك اليومي هناك بين فتح والفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى.. آنذاك بدأت الهجرة من الجنوب ضمن نطاق القرى المجاورة للحدود مع إسرائيل؛ ولحد بعيد بنفس طريقة الهجرة التي تحدث الآن؛ ثم توسعت لتشمل عمق أكبر داخل الجنوب؛ وأصبح الحضور الشيعي المهاجر من الجنوب هرباً من القصف الإسرائيلي والتوغلات البرية الإسرائيلية؛ وجوداً دائماً في العاصمة؛ فيما أصبح الحضور العسكري الفلسطيني في الجنوب المؤيد من الوجود السياسي والعسكري للحركة الوطنية هناك، وجوداً دائماً على حساب وجود الدولة؛ ولمصلحة الرأي اللبناني الذي يقول في لبنان بوحدة النضال ووحدة الساحتين اللبنانية الفلسطينية.   

 

يبدو المشهد الوارد أعلاه يكرر نفسه اليوم في لبنان؛ مع فارق الخصوصية الإيديولوجية بين الرفيق المناضل كمال جنبلاط وبين الأخ المجاهد السيد حسن نصر الله وبالمقابل بين الأخ المناضل الفتحاوي ياسر عرفات وبين الشيخ المجاهد صالح العاروري.. 

 

.. ولكن بالحالتين، فإن لبنان لن يكون بإمكانه أن يقول بعد عام أو عامين أنه قادر على الاستمرار بحصر واستيعاب بندقية حماس في المنطقة الضيقة من جنوب لبنان الموجودة فيها الآن، تماماً كما أن لبنان في سبيعينات القرن الماضي وجد نفسه أنه لم يعد بإمكانه القول أنه قادر على حصر واستيعاب بندقية فتح داخل منطقة فتح لاند فقط.. إن عبرة تجربة فتح في الماضي تقول أن السلاح الفلسطيني يفيض بسرعة عن قدرة الوعاء اللبناني على استيعابه لأن قضية فلسطين أكبر من قضية لبنان وسلاح المقاومة الفلسطيني لديه قدره على قيادة سلاح المقاومة اللبناني مهما كان الأخير قوياً وحاضراً ومنقاداً من حزب مهم كحزب الله، ومن شخصية فذة لبنانياً ككمال جنبلاط..

 

– إن ما يدعو لتوقع أن تصبح تجربة حماس العسكرية في لبنان التي لا تزال طرية اليوم، لها نفس الأبعاد الكبيرة التي وصلت إليها تجربة فتح الكبيرة في لبنان، وذلك بعد مضي وقت قصير؛ هو العامل التالي: 

 

.. ان فتح بعد ولادتها، كبرت بسرعة، وأصبحت بعد مرور سنوات قصيرة على وجودها تشكل قوة جذب هائلة للشباب العربي وللهيئات العربية السياسية. ونفس الأمر يحدث مع حماس التي كبرت بسرعة بعد ولادتها، ولو ظل تفاعلها الشعبي محصوراً حتى ما قبل عملية طوفان الأقصى، داخل غزة وبعض الضفة الغربية..

 

.. وفتح لم تولد كقوة جذب للشارع العربي فقط في عام ١٩٦٥، حينما تم الإعلان عن تأسيسها، بل ولدت أيضاً داخل الشارع الفلسطيني والعربي بعد خوضها معركة الكرامة، ومن ثم بعد أحداث مفصلية أخرى؛ وفي كل واحدة من ولاداتها هذه كانت فتح تصبح بحراً هادراً تسبح فيه أمواج الشباب والأحزاب العربية.. وإلى حد كبير، تشبه “معركة الكرامة” التي أهانت فيها فتح الجيش الإسرائيلي، عملية طوفان الأقصى التي أهانت بها حماس المؤسسة العسكرية الإسرائيلية..

 

.. وهاتان الواقعتان تتشابهان لجهة أن فتح حصدت رصيدها الشعبي الفلسطيني والعربي جراء خوضها معركة الكرامة، فيما حماس تترشح اليوم لتحصد رصيدها الشعبي الإسلامي والعربي الكبير بعد خوضها معركة طوفان الاقصى..

 

وفي حين أن “طوفان معركة الكرامة” الذي حققته فتح، غمر آنذاك الحياة السياسية اللبنانية، بحيث أن “لبنان – الدولة” ظل لنحو عقدين من الزمن يسبح في “بحر قرار فتح”؛ فإن ما يحدث اليوم هو أن حركة حماس تشهد ولادتها الأهم بعد عملية طوفان الأقصى الذي سيعود عليها بمردود شعبي إسلامي وعربي هائل.. وعليه فإن مشهد حماس القادم سيظهرها كحيثية سياسية تتحول بسلاسة إلى طوفان شعبي إسلامي وعربي، قد يغمر الحياة السياسية اللبنانية إذا لم يتم تدارك مقولة أن “التاريخ يكرر نفسه” خصوصاً بالنسبة للمشهد الفلسطيني مع لبنان، ومع الاستراتيجيات التي تريد جعله “ساحة شراكة نضالية وجهادية عسكرية نحو فلسطين”؛ وليس الاكتفاء بإبقائه “ساحة نصرة سياسية لقضية فلسطين”!!.

Exit mobile version