الهديل

خاص الهديل: “الحرب البرية الإسرائيلية” بين خيارات نتنياهو وشارون ورابين وبايدن!!.

خاص الهديل:

حتى لو حصل أبعد الاحتمالات، ونجح الجيش الإسرائيلي بتنفيذ أهدافه البرية في قطاع غزة؛ فإن أساس المشكلة بالنسبة لإسرائيل ما بعد ٧ أكتوبر، لن يحل، وهو كيفية جعل الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية من دون ثمن باهظ ديموغرافي وسياسي وأمني واقتصادي وحتى ربما وجودي.

طوال نحو سبعين عاماً، وهو عمر احتلال الصهاينة لفلسطين المحتلة، جربت إسرائيل كل الأساليب والخطط والاستراتيجيات التي قد تمكن احتلالها أن يصبح وجوداً طبيعياً في المنطقة؛ وأن يصبح الفلسطيني لاجيء مستكين داخل فلسطين وفي الشتات.. وكانت نتيجة كل هذه السنوات السبعين، هو أنه كلما مر وقت إضافي على إحتلال إسرائيل لفلسطين، كلما أصبحت كلفة هذا الاحتلال على المستوطنين اليهود أكبر؛ وكلما أصبح مشروع الدولة العبرية بحد ذاته، محل سؤال عن مستقبله لدى الإسرائيليين أنفسهم!؟؟. 

والمشكلة الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل اليوم تقع في أنها لم يعد لديها داخل جعبتها أوراق قوة تدافع بها عن منطق الاحتلال.. وما حدث هو أن أوراق القوة هذه تتساقط الواحدة بعد الأخرى.. وكل أهمية عملية ٧ أكتوبر تكمن في أنها عرت منطق الدفاع عن الاحتلال من آخر ورقة قوة كانت تملكها إسرائيل بوجه منطق المقاومة.. وهذا ما يبرر لماذا تلجأ إسرائيل اليوم إلى إستراتيجية المجازر.. صحيح أن “المجزرة” ضد العرب، وبخاصة ضد الفلسطيني، هي جزء من العقيدة العسكرية الصهيونية؛ ولكن في هذه الحرب تصبح المجزرة هي كل ما تبقى من سلاح لدى إسرائيل بوجه مقاومة الفلسطيني.. 

.. بهذا المعنى الإستراتيجي، انتهت اللعبة العسكرية الإسرائيلية للدفاع عن الاحتلال.. نموذج مجزرة دير ياسين الذي أدى عام ٤٨ إلى تهجير أبنائها وتهجير كل أبناء فلسطين إلى خارج أرضهم؛ قد يؤدي هذه المرة إلى تدمير غزة، ولكن بالتأكيد لن يؤدي لا إلى تهجير فلسطيني غزة إلى مصر، ولا إلى تثبيت احتلال إسرائيل لقطاع غزة..

ومشكلة إسرائيل اليوم هي مشكلة مستقبل نتنياهو، ومشكلة ماذا بعد فشل اليمين الإسرائيلي في حماية الاحتلال وتوسيعه؛ وليس المشكلة اليوم هي مستقبل غزة بعد مرحلة هذه الحرب كما يحاول بلينكن الإيحاء!!.

إن غزة باقية حيث هي؛ ولكن إسرائيل كيف ستبقى.. وضمن أية رؤية؟؟ هذا هو السؤال؟. 

لم يولد هذا السؤال فقط بعد عملية ٧ أكتوبر، بل قبلها، وتم طرحه من قبل بايدن، وقبله من قبل إسحق رابين وشخصيات إسرائيلية يسارية مثل يوري افنيري وغيره..

كل خلاف بايدن مع نتنياهو سببه أن بايدن خائف على مستقبل إسرائيل من تهور بن غفير.. وبنظره فإن الأخير يدفع إسرائيل نحو مغامرة توسيع الاحتلال من أجل حماية وجودها الاستيطاني الشره؛ بينما بايدن يطالب إسرائيل بالذهاب معه نحو إبرام حل مع الفلسطينيين لحماية القسم الممكن حمايته من احتلالها لفلسطين (حل الدولتين).. 

لقد منح بايدن الإذن لنتنياهو بإبادة أطفال غزة؛ ولكنه لم يمنحه الإذن بحماية منطق بن غفير. بالنسبة لبايدن فإن تفكير بن غفير هو عدو لمستقبل إسرائيل، كما أن مجرد وجود طفل فلسطيني في بيئة مقاومة هو خطر مقبل على إسرائيل.  

.. بعبارة أخرى فإن بايدن يريد سلاماً لإسرائيل ضمن منطقة الشرق الأوسط؛ ويعتبر أن دخول إسرائيل إلى السلام في المنطقة، لا يمر إلا من خلال حصولها على جواز السلام مع الفلسطيني..

ويعتبر بايدن أن فرصة إسرائيل للبقاء في الشرق الأوسط، تقوم على شرطين: قدرتها على اندماجها الطبيعي في المنطقة؛ أي التطبيع.. وقبولها بحل الدولتين حتى تزيل عنها عباءة أنها دولة محتلة.. 

لقد سبق بايدن الأميركي في هذه الرؤية الإسرائيلي اسحق رابين الذي قتله الإسرائيليون أنفسهم.. اعتبر رابين – حسبما ينقل عنه مستشاره اليهودي الإسرائيلي اللبناني الأصل جاك نيريا – أن السلام الحقيقي لإسرائيل مع الفلسطيني يتحقق من خلال “فيدرالية بين اليهود والفلسطينيين”.  

ذهب رابين إلى أبعد من “حل الدولتين”، رغم أنه لم يحدد حجم النسب في هذه الفيدرالية بين الطرفين.. ولكنه اعتبر أن الأهم هو اعتراف إسرائيل بأن الحياة مع الفلسطيني لم يعد ممكناً لها أن تستمر من خلال استمرار إسرائيل بالبحث عن خارطة طريق لإلغائه.. (دائماً حسبما نقله نيريا عن رابين مؤخراً خلال مقابلة تلفزيونية).   

.. بعد سبعين عاماً صار يمكن لطبيعة الأمور أن تفرض منطقها بقوة، وذلك على شكل سؤال عن كيفية تصحيح أخطاء الماضي، وخاصة في عقل الجندي الإسرائيلي الذي كان إريك شارون أمره قبل نحو عقدين بالخروج من غزة؛ والآن يأمره نتنياهو بالعودة إلى غزة!!.

.. “انتهت اللعبة” بالنسبة لمشروع دور القوة العسكرية في حماية إسرائيل المحتلة؛ وبقي لدى إسرائيل بعد سبعين عاماً من عمر احتلالها؛ ورقة قوة واحدة “محتملة”، وهي مدى قدرتها على الاعتراف بأن الحل مع الفلسطيني هو الحل السياسي، ومدى قدرتها على تقديم تنازلات لإبرام الحل السياسي مع الفلسطيني؛ لأنه كلما كان التنازل الإسرائيلي للفلسطيني سخياً، كلما كان السلام للإسرائيلي أكثر متانة أو معقولية؛ وليس العكس.. 

وضمن هذه المقاييس المستجدة؛ فإن نتنياهو يرسل جنوده اليوم إلى غزة بذخيرة غير مناسبة لنوعية ظروف الحرب الجديدة؛ وهي الذخيرة التي كان شارون حددها وهي الانسحاب من غزة الفلسطينية؛ والتي كان رابين حددها، وهي كونفدرالية مع غزة الفلسطينية!!.

Exit mobile version