خاص الهديل:
لم يعد ممكنا الآن معرفة ما إذا كانت المقدمات التي تقف وراء بدء حرب غزة، هي ذات صلة بالنتائج السياسية التي يتم الحديث عنها اليوم، بعد 27 يوماً من الحرب، بوصفها أنها ستؤدي إليها حرب طوفان الأقصى!!.
أمس تحدث اسماعيل هنية عن مقترح شامل يبدأ بوقف النار ويمر بتبادل إطلاق الأسرى وينتهي بمسار سياسي جدي لحل الدولتين..
لو أن هنية تحدث عن تبني حماس لحل الدولتين في غير هذه الأجواء المثقلة بمواجهات طوفان الأقصى، لكانت ارتفعت الأصوات الفلسطينية والعربية التي تتهم حماس بخيانة مطلبها الإستراتيجي الذي ينادي بتحرير فلسطين التاريخية كلها، وبإزالة الكيان العبري من الوجود!!.
.. غير أن حماس اليوم المتموضعة على جبهة “طوفان الأقصى”، لديها شرعية تقديم التنازلات المرحلية مع احتفاظها بهدفها الإستراتيجي بعيد المدى، وهو تحرير كل فلسطين وإزالة إسرائيل من الوجود..
يبدو أن ثقل قتال حماس الآن لا يركز فقط على جبهة توغل الجيش الإسرائيلي البري لاجتثاثها، فهذه معركة سبق لحماس وانتصرت فيها سابقاً أكثر من مرة، بل المعركة البرية التي تركز حماس الآن ثقلها عليها، هي إفشال توغل نتنياهو البري الهادف ليس لاجتثاث حماس، بل إلى “تفكيك بنية حكم حماس في قطاع غزة”، وذلك عبر شطره إلى قطاعين إثنين؛ الأول شمالي غير قابل للحياة نتيجة ما طاله من دمار، ونتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي عليه من الشمال والجنوب؛ والغاية من هذا السيناريو هو جعل حماس تحكم نصف غزة المدمر في ظروف حصار محكم؛ والقطاع الثاني هو جنوب غزة المفتوح على معبر رفح، وعلى الخدمات المصرية؛ والخالي من وجود حماس، والمثقل بنتائج حرب غزة الإجتماعية والإنسانية الهائلة.
..وعليه فإن كلام هنية أمس أراد القول لإدارة بايدن أن حماس تستطيع أن تكون جزءاً من الحل المقترح لغزة، وليس مطلوباً النظر إليها على أنها فقط هي جزء من الحرب في غزة.. والقول أيضاً للإدارة الأميركية أن حماس يمكنها أن تكون شريكة في حل الدولتين، وذلك بعد تحقيق هدف بايدن المضمر وهو إخراج نتنياهو من المشهد السياسي الإسرائيلي.. وإسقاط حكومة أقصى اليمين الإسرائيلية التي عارضت توجه بايدن لحل الدولتين..
.. باختصار يعرض كلام هنية على بايدن صفقة تقوم – بشكل غير مباشر- على أمرين إثنين:
الأول أن على بايدن أن ينظر لحماس بأنها كانت شريكته غير المباشرة في إسقاط خصمه نتنياهو وحكومته التي أزعجت بسياساتها الإدارة الرئاسية الديموقراطية الأميركية.
.. الأمر الثاني أن حماس جزء من الحل الدولي وبمقدمه الحل الأميركي في فلسطين؛ وأن المطلوب الآن النظر إلى حماس بوصفها جزء من الحل وليس ثمناً لانتهاء الحرب.
.. إلى ذلك، فإن كلام هنية أمس قال أيضاً للأوروبيين التالي: ان حماس تستطيع إدارة قطاع غزة بعد الحرب، ولا داع لأن يبحث الأوروبيون عن إدارة دولية لتسيير أمور قطاع غزة بعد الحرب.. وبالاجمال فإن هدف هنية أمس حينما تحدث عن ربط وقف النار في غزة بحل الدولتين؛ هو قطع الطريق على الحل الأوروبي الذي يريد أخذ غزة لإدارة دولية، وإلى مسار سياسي منفصل عن مستقبل مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية التي هي مناطق الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض احتلال العام ١٩٦٧.
.. والواقع أنه اعتباراً من أمس، دخلت حرب غزة مرحلة السباق بين السيناريوهات السياسية المتخيلة لكيفية نهايتها.. فإعلان أن التوغل البري هدفه تفكيك حكم حماس، لن يتحقق إلا “بإنجاز إسرائيلي ميداني” يؤدي إلى تثبيت سيطرة الجيش الإسرائيلي على “خط صلاح الدين” الذي يشطر القطاع إلى نصفين إثنين، ما يجعل حكم حماس مقتصراً فقط على نصف غزة الشرقي المحاصر والمدمر وذي الأقلية السكانية (بفعل الهجرة الديموغرافية الى جنوب غزة) .
.. أما مقترح حماس الخاص “بالبدء بوقف للنار مع أفق حل الدولتين”؛ فشرط تحققه هو إفشال كتائب عز الدين القسام لخطة الجيش الإسرائيلي بشطر غزة إلى قطاعين إثنين، ووقف هجرة ديموغرافيا غزة إلى جنوب القطاع الهادفة إلى جعل ثلاثة أرباع سكان غزة يعيشون داخل فعاليات الإقتصاد المصري.
.. أما المقترح الأوروبي الذي تقوده ألمانيا بفعالية، وتسانده باريس بقوة، فإن شرط نجاحه يتوقف على عدم تعاظم مؤشرات تحول حرب غزة إلى حرب إقليمية، ما يجعل واشنطن تعود للإصرار على حل الدولتين، كي لا تتورط بحرب ثانية في الشرق الأوسط، تكون من حيث أهميتها وكلفتها على أميركا، على وزن حرب أوكرانيا في أوروبا.
وحتى الآن، فإن المقترح الأوروبي لا يزال متقدماً على السيناريوهات الأخرى المطروحة حول كيفية النهاية السياسية لحرب غزة؛ ويقوم السيناريو الأوروبي على ثلاثة نقاط:
– وضع قطاع غزة تحت الإدارة الدولية؛ وهذا يعني إخراج القطاع من سلطة حماس، وأيضاً من خيار عودة سلطة رام الله إليه.
– يتم تحديد سقف زمني لوجود غزة تحت الإدارة الدولية المنسقة مع الأمم المتحدة.. وهي على الأغلب ثلاث سنوات.
– يتم إقفال ملف العلاقة بين غزة وإسرائيل على كافة المستويات البرية والإقتصادية والإجتماعية، الخ.. (إقفال المعابر بين إسرائيل وغزة بمقابل فتح مقابر العلاقة الكاملة بين غزة ومصر)..
يوم الجمعة سيصل بلينكن وزير خارجية بايدن، إلى إسرائيل.. وتقول واشنطن أن هدفه هو تفحص نتائج العملية البرية الإسرائيلية.. وهذا الهدف يبدو غريباً؛ ذلك أن هذا النوع من المهام يقوم بالعادة بها، وزير الدفاع الأميركي وليس ناظر خارجية واشنطن.. ولكن هذه المهمة لبلينكن تصبح مفهومة، عندما يشار إلى أن بايدن يريد أن يرى على أرض الواقع، وذلك بعيون وزير خارجيته إلى أية خارطة سياسية يستطيع الجيش الإسرائيلي رسمها فوق ميدان قطاع غزة؛ وعلى أساس ذلك، سيحدد بايدن موقفه من سيناريوهات كيفية النهاية السياسية لحرب غزة المطروحة حالياً.