خاص الهديل:
الحرب على كسب الرأي العام العالمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لا يقل أهمية عن حرب الميدان الجاري حالياً بين الطرفين، حتى يمكن القول أن الحرب الأولى في كثير من نتائجها هي أهم في حسم الصراع النهائي بين الفلسطينيين والسوريين.
اليوم بدأت حرب طوفان الأقصى، بعملية أمينة وعسكرية غير مسبوقة قامت بها حماس، ولكن عيب هذه العملية الإستراتيجي تمثل بأن التغطية الإعلامية لهذه العملية لم تقم بها حماس، بل غطتها وسائل إعلامية معادية لحماس، حيث قلبت التغطية الإعلامية الإسرائيلية لعملية حماس الصورة، بحيث أبرزت أن العملية جرت ضد مدنيين في غلاف غزة..
لقد أدى نجاح إسرائيل بقلب الصورة الإعلامية لعملية حماس في غلاف غزة، إلى جذب أكبر دعم دولي سياسي وإعلامي لإسرائيل…
صحيح أن الدعم الدولي الغربي لإسرائيل ليس جديداً، ولكنه هذه المرة كان إستثنائياً، والفضل في ذلك يعود إلى قدرة الإعلام الإسرائيلي على تصوير ما حدث في غلاف غزة هو تتمة لما كان حصل في أوروبا ضد اليهود أيام النازية..
ما حدث نتيجة هذا الربط المفتعل وغير الواقعي بين عملية حماس في غلاف غزة، وبين أحداث محرقة اليهود التي يتحدث عنها الصهاينة، في أوروبا، جعل الغرب الأوروبي المتهم من قبل اليهود، بقتلهم، يصاب بنوع من الذعر حتى لا يتم مجدداً إستعادة هذه التهمة باللاسامية ضده، وأغرب ما في ردة فعل الغرب هذه المرة، بمناسبة حرب طوفان الأقصى، هو أنه قام بتبرير ودعم مجازر الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين.. وهذا يعني أن الدعاية الإسرائيلية وضعت الغرب الأوروبي أمام معادلة براءة الغرب الأوروبي المعاصر من اللاسامية، يعني بمفعول الرجعي بأن يدعم الغرب الأوروبي المعاصر مجازر إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.. بمعنى آخر فإن ثمن دعم إسرائيل والخروج من تهمة اللاسامية، له باب واحد وهو المشاركة بتصفية القضية الفلسطينية مادياً وليس فقط سياسياً..
يبدو واضحاً أن إنقلاب الصورة التي نجحت إسرائيل في رمي عملية طوفان الأقصى بها، فهي بعد دخولها الأسبوع الرابع عادت لنوع كبير إلى السوية لصالح الحق الفلسطيني، فمبالغة إسرائيل بإستغلال الغطاء الدولي لها، وترجمته على شكل مجازر متتالية في قطاع غزة أدى الى حدوث إنفصام عميق بين الشارع والرأي العام الشعبي في دول الغرب من جهة وبين حكومات تلك الدول من جهة أخرى، الأمر الذي جعل هذه الحكومات تواجه إحراجاً كبيراً تجاه شعوبها، نظراً لدعمها ممارسات إسرائيل في غزة التي تناقض مفاهيم قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان التي تنادي بها حكومات وشعوب هذه الدول.
يبقى في هذا المجال نقطة أخرى هامة في مجال كيفية كسب فلسطين لمعركة الرأي العام العالمي، وهي أن على الفلسطينيين أن يحافظوا على هوية معركتهم مع الإحتلال، وهذا يعني المحافظة على الهوية الفلسطينية لميدان معركة طوفان الأقصى، وعدم الرهان على توسيع ميدان المعركة، كون ذلك يجعل الصراع إقليمياً على حساب فلسطينيته المطلوب تعزيزها..