الهديل

خاص الهديل: لماذا على حزب الله استبدال “خطة الجبهة العسكرية المحدودة” بفتح “الجبهة المدنية المفتوحة”؟؟

خاص الهديل:

 

لا يمكن تخيل وجود قدرة على ضبط الحرب في جنوب لبنان ضمن قواعد إبقائها اشتباك محدود وعدم تحولها لحرب واسعة.. فهذا الاشتباك على حدود لبنان الجنوبية الذي يواكب حرب غزة، بات له كلفة اجتماعية واقتصادية تساوي كلفة نتائج نشوب حرب، وذلك رغم أنه ميدانياً لم ينزلق لفعل حرب مفتوحة.. فمحصلة خسائر حزب الله البشرية، وحجم الهجرة والخسائر البشرية في صفوف أبناء المنطقة الحدودية اللبنانية، تحمل نسباً ليست منخفضة، وتؤشر إلى أن لبنان بدأ يعاني من “نتائج حرب تقع ضمن قواعد اشتباك محدود”..

 

إن خطة الاشتباك في الجنوب التي وضعها حزب الله بقصد إثبات حضور له في حرب غزة، قد تكون نظراً لحصول غير تطور، أصبحت بحاجة لمراجعة عميقة، وذلك من عدة زوايا استراتيجية ذات صلة بجدوى أهدافها، وليس بالإعتراض أو الموافقة على موقف الحزب من موضوع مساندة غزة: 

 

الواقع أن “خطة مشاغلة العدو ودعم غزة” كما يمارسها حزب الله، أصبحت بحاجة للتدقيق في أفقها السياسي، والتحقق من كونها تخدم هدفها الإستراتيجي، أم أنها فقط تخدم أهداف تكتيكية عابرة؟؟.

 

خلال خطابه الأخير قال السيد حسن نصر الله أن هدف الإشتباك في جنوب لبنان هو إظهار أن لبنان بلد مساندة لجبهة غزة. وأورد نصر الله إثباتاته على صحة هذه النظرية حينما قال أن لديه أرقاماً تثبت كيف أرغمت جبهة الشمال الجيش الإسرائيلي من خفض تحشداته العسكرية الإسرائيلية بمواجهة قطاع غزة.. 

 

بغض النظر عن صحة هذه النظرية وفق الأرقام والمعطيات الميدانية، فإن السؤال الذي يريد المراقب إجابة عليه ضمن هذا السياق هو هل فعلياً أدت فتح جبهة جنوب لبنان إلى التأثير على العملية البرية الإسرائيلية في غزة.. بكلام أدق هل أثرت على توقيتها؟؟، وهل أرغمت إسرائيل على تأخير انطلاقها أو تغيير أولوياتها(؟؟). 

 

تظهر الوقائع أن الحرب البرية في الجنوب لا تتأثر بما يحدث في الشمال؛ أو أقله ليس لدينا بيان واحد أو تصريح واحد من إسرائيل أو حماس يقول أو يلمح إلى أن فتح الاشتباك الحدودي على الجبهة الشمالية عرقل حرب إسرائيل البرية في الجنوب أو ساعد صمود حزب الله العسكري في قطاع غزة.. 

ومن هنا يمكن نقل السؤال إلى مستوى آخر، عبر القول هل فتح اشتباك جبهة جنوب لبنان أدت إلى نتائج معنوية لصالح الفلسطينيين داخل غزة وداخل كتائب القسام والجهاد الإسلامي، الخ..؟؟.

الواقع أنه ليس هناك معطيات مادية تثبت حصول هذا الأمر.. فلم تقل حماس عبر مسؤوليها أو عبر بيان أو تصريح رسمي، أن الاشتباك في جنوب لبنان، رفع معنويات مقاتلي حماس، أو عزز من معنويات صمود فلسطيني غزة؛ بل ما يصدر عن حماس حول هذا الموضوع يتراوح بين الشكوى من أن الدعم العسكري الذي يقوم به حزب الله، غير كاف، وبين القول أن حماس “تراعي ظروف حزب الله داخل بلده”، بمعنى أن حماس تتفهم محدودية دعم الحزب لها، بمعنى آخر أن حماس تتفهم الأسباب التي تجعل الحزب لا يكون شريكاً فعالاً في حرب طوفان الأقصى؛ وبين القول أن حماس تراهن على أن يصبح تدخل الحزب فعالاً في معركة طوفان الأقصى في حال احتاجت حماس بشكل ماس له.

والواقع أنه من خلال رصد تقدير كل من حماس من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، لمدى فعالية التأثير العسكري والسياسي والمعنوي لمشاركة حزب الله بحرب طوفان الأقصى، يتبين أنه يتوجب إعادة النظر بكل خطة فتح الاشتباك من جنوب لبنان لمواكبة حرب غزة وللإنخراط فيها تحت عنوان المساندة لغزة والإشغال للعدو، الخ.. 

وما يدعو لوجهة النظر هذه هو ثلاثة أمور: الأول أنه بالنظر لكون أن خطة المساندة والإشغال لا تعطي نتائج ميدانية ولا معنوية ولا سياسية كافية للجبهة الجنوبية.. وعليه يمكن إيقاف فعاليات هذه الخطة، واستبدالها بخطة أخرى تخدم هدف إشغال العدو ودعم غزة. قد يكون الأنسب فتح باب جبهة الحدود اللبنانية المدنية؛ عبر تنظيم حملات شعبية باتجاه الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ما يؤدي ربما إلى إشغال الروح المعنوية للعدو، ورفع الروح المعنوية التضامنية المدنية مع غزة وفي غزة..

الأمر الثاني يتمثل بوجود خلل في تناسق أهداف خطة فتح اشتباك عسكري من جنوب لبنان لمشاغلة العدو ودعم صمود غزة.. والمقصود هنا هو أنه في الوقت الذي يتم فيه وضع هدف دعم صمود أبناء غزة في أرضهم، فإن اشتباك إسناد صمود الغزاويين في أرضهما انطلاقاً من لبنان، يقابله حصول تهجير للجنوبيين اللبنانيين من قراهم في المناطق الحدودية.. 

يسمي حزب الله هذه الهجرة من القرى والبلدات الحدودية لأبناء الجنوب، بالهجرة المؤقتة، وقد تكون هذه التسمية صحيحة أو غير صحيحة؛ ولكن في هذه الجزئية يجب التوقف عند اعتبار إستراتيجي، وهو أن أهم نتائج حرب العام ٢٠٠٦ تمثل بأن أهالي الجنوب رفضوا البقاء خارج أرضهم بعد توقف القتال، وعادوا إلى قراهم ومناطقهم رغم أنها كانت مدمرة بنسبة عالية، ورغم عدم وجود ضمانات أمنية لعودتهم.. 

وتقود هذه الملاحظة للقول أن المعادلة التي هي من أهم إنجازات المقاومة، والمتمثلة بانتهاء مواسم هجرة الجنوبيين من أرضهم وقراهم الحدودية، تتعرض حالياً للاهتزاز، بغض النظر عن ما إذا كان هذا الاهتزاز مؤقتاً كما يقول حزب الله؛ ذلك أن الهجرة المؤقتة أو الدائمة من قرى الجنوب وبلداته الحدودية يؤدي إلى خلق منطقة تماس حدودي غير مستقر، ما يؤدي بدوره إلى عودة سلوك الهجرة القسرية التي تشل إنتظام الحياة الطبيعية في المنطقة الحدودية الجنوبية، وهو الأمر الذي آخر ما يريده أهل الجنوب هو العودة إليه.. 

قصارى القول في هذا المجال، هو أنه ربما كان الأكثر فائدة لخدمة هدفي مشاغلة العدو ومساندة صمود غزة، هو أن يستبدل الحزب خطة فتح اشتباك المساندة والإشغال العسكري من الحنوب، بفتح جبهة الجنوب المدنية الشعبية عبر تنظيم حملات الصدام الشعبي عبر الحدود اللبنانية مع العدو، ما يؤدي إلى تعزيز صمود إبن الجنوب ضمن هويته كمقاوم، في قراه الحدودية، وما يؤدي إلى رفع معنويات صمود الفلسطينيين في غزة، ويؤدي إلى إشغال الروح المعنوية الإسرائيلية..

Exit mobile version