الهديل

خاص الهديل: “حرب خفية” بين نتنياهو وبايدن داخل “حرب غزة”..

خاص الهديل:

لا إسرائيل ستظل هي ذاتها بعد انتهاء حرب غزة بغض النظر عن نتائج هذه الحرب؛ ولا الكثير من دول المنطقة ستستمر على نفس إيقاع أولوياتها بعد هذه الحرب.. وإذا كانت حرب أكتوبر العام ١٩٧٣ غيرت في توجهات المنطقة، وفي نظرة العالم للشرق الأوسط؛ فإن عملية ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣ ستغير من توجهات دول المنطقة، ومن نظرة العالم للشرق الأوسط..

.. وبالنسبة لإدارة بايدن فإنها تعلن منذ هذه اللحظة أن أول ما سيتغير بعد حرب غزة هو نظام حكم غزة؛ بمعنى نقل السلطة في قطاع غزة من حركة حماس إلى سلطة رام الله. ولكن بايدن بإعلانه هذا، لا يقول كل ما يضمره؛ لأن حقيقة ما يتطلع إليه، لا يتمثل فقط برغبته في أن تؤدي الحرب لإزاحة حماس عن حكم غزة، بل أن تؤدي أيضاً وبالتوازي، إلى إزاحة نتنياهو وحكومته اليمينية عن حكم إسرائيل..

والواقع أن كلام الغرب حالياً يتقصد أن يركز فقط على مقولة أن الحرب يجب أن تنتهي بإنهاء سلطة حماس في غزة؛ ولكن الجانب المضمر وغير المرئي لهذا الموقف الغربي، يركز أيضاً على ضرورة أن تنتهي حرب غزة بتغيير حكم نتنياهو في إسرائيل.. ولكن خطاب الغرب السياسي يتحاشى في هذه اللحظة إثارة موضوع ضرورة التخلص من نتنياهو بعد الحرب، ويتكلم فقط عن التخلص من حماس؛ وسبب ذلك يعود لكون الغرب يريد إظهار أن سبب المشكلة الراهنة هي تطرف حماس، وليس تطرف إسرائيل ونتنياهو وحكومته.

إن جزءً غير قليل من الأسباب غير المباشرة التي تقف وراء عملية ٧ 

أوكتوبر، هو الصراع بين نتنياهو وبايدن.. وعند مجيء بايدن إلى البيت الأبيض نجح في النيل من نتنياهو، وجعله يترك رئاسة الحكومة ويذهب إلى المعارضة. وقيل آنذاك – وهو كلام صحيح – أن بايدن يصفي حسابه مع ترامب عبر ضرب حليفه نتنياهو في إسرائيل.. وما شاع آنذاك هو “أن الترامبية السياسية” ليست محصورة في داخل الولايات المتحدة الأميركية، بل لها امتدادات وأصدقاء في الخارج؛ كفلاديمير بوتين مثلاً في روسيا وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، الخ..؛ وعليه فإن بايدن حينما وصل للبيت الأبيض اعتبر أن عليه ضرب الترامبية المتموضعة في داخل أميركا وأيضاً التخلص من حلفاء ترامب المنتشرين في دول أخرى هامة من العالم..  

خلال الإنتخابات العامة الأخيرة في إسرائيل، نجح نتنياهو في الإنقلاب على الإنقلاب الذي كان نفذه ضده بايدن في إسرائيل؛ وعاد إلى رئاسة الحكومة على رأس “خليط غريب عجيب” من الوزراء المنتمين لتنظيمات ومدارس فكرية يمينية يهودية متطرفة متهمة بالإرهاب حتى من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية. 

وطوال فترة حكم “حكومة إنقلاب نتنياهو على إنقلاب بايدن عليه”؛ ظلت العلاقة بين الرجلين مقطوعة على المستوى الشخصي؛ وهو أمر ليس له سابقة في تاريخ العلاقة بين البيت الأبيض وموقع رئاسة الحكومة الإسرائيلية. لقد وضع بايدن على نتنياهو شرطاً كي يستقبله؛ وهو قمع الوزراء المتطرفين في حكومته (بن غفير ووزير المالية)؛ ولكن نتنياهو امتنع عن تلبية هذا الشرط، لأن أي تطاول من قبله على واحد من وزراء التطرف في حكومته، سيؤدي ذلك إلى انسحاب أحزاب أقصى اليمين من حكومته، ما يؤدي إلى سقوطها في الكنيست وإلى عودة نتنياهو للوقوف على باب السجن. 

وواضح أن هناك أجواء في حماس قرأت خلال النصف الثاني من هذا العام المشهد الإسرائيلي على نحو أغراها على التخطيط لتنفيذ عملية نوعية؛ يكون هدفها المعلن هو الأقصى والأسرى الفلسطينيين؛ بينما هدفها السياسي الأعمق هو أن تؤدي هذه العملية إلى إضعاف معادلة نتنياهو داخل الخارطة السياسية الإسرائيلية؛ مما يمنح بايدن الشعور بأنه جاءت اللحظة التي يجب عليه فيها التحرك لإسقاط نتنياهو وحكومته!!. 

وتقع المصادفة أن هذه الأجواء داخل حماس السامية إلى التخلص منه ومن حكومته؛ وجدت أن هناك فرصة لإحداث تقاطع غير مباشر بين هدفها بإرسال نتنياهو إلى المعارضة والى السجن، وبين إدارة بايدن التي تضمر نفس هذا الهدف. ومن هناك تحركت هذه الأجواء داخل حماس لتنفيذ عملية طوفان الأقصى؛ وهي حرصت أن تنفذها بعيداً عن أية تأثيرات إيرانية على سياقها، وذلك كي تضمن أن يتم إغراء بايدن على القيام باستكمالها سياسياً ضد نتنياهو بعد حصولها. 

وطوال الأيام القليلة الأولى التي تلت عملية طوفان الأقصى؛ تفاءلت حماس بأن كمينها لنتنياهو قد نجح؛ وخاصة حينما تحدث البيت الأبيض عن حل الدولتين؛ ولكن مع مضي وقت أطول على الحرب، تراجع تفاؤل حماس، وبدأت تشعر أن بايدن قلب الكمين الذي نصبته حماس له ولنتنياهو؛ وحوله إلى كمين أميركي لنتنياهو ولحماس في آن معاً؛ بدليل أن بايدن يطرح الآن كأفق سياسي لما بعد الحرب، أمرين إثنين: الأول علني ويدعو للتخلص من حماس في غزة، والثاني ضمني ويدعو للتخلص من نتنياهو وحكومته.. 

وكانت صحيفة أميركية نقلت مؤخراً أن مسؤولين أميركيين ناقشوا مع نتنياهو فكرة أن يفسح المجال بعد الحرب لحكومة من معارضيه حتى تقوم بموجبات مرحلة ما بعد تداعيات ٧ أكتوبر على إسرائيل.  

والواقع أن نتنياهو يتحالف حالياً مع ورقة رابحة بيده يستغلها ضد حماس وضد بايدن في آن معاً؛ وهذه الورقة هي ورقة الأسرى المحتجزين في غزة؛ فهذه الورقة التي تتضمن رهائن أميركيين، تشكل من ناحية ورقة انتخابية مزعجة جداً لبايدن في حال فشل بإطلاق سراحهم، وتشكل من ناحية ثانية، فرصة رابحة جداً لبايدن في حال نجح بإطلاقهم، ولكن بايدن يحتاج لمساعدة نتنياهو في الوصول إلى الخاتمة السعيدة بشأنهم، وهي موافقته (أي نتنياهو) على وقف لإطلاق النار ولو جزئي، يسمح بإطلاق الرهائن الأميركان كمرحلة أولى.. ولكن نتنياهو يعلم أن إطلاق الرهائن الأميركيين الموجودين لدى حماس، سيفقده آخر ورقة بيده للتأثير على بايدن، ولتهديده عبر ورقة الأميركيين المحتجزين، بضرب كل حظوظه الانتخابية الرئاسية، ويحرمه بالنهاية من جعل نفسه ناخباً مؤثراً في انتخابات الرئاسة الأميركية، الأمر الذي سيجعل بايدن أكثر حذراً في المضي قدماً بتنفيذ مشروع جعل نتنياهو يدفع ثمن حرب غزة.

Exit mobile version